ارشيف من : 2005-2008
أين مكان محاكمة «فتح الإسلام»؟
على المجلس العدلي، وهو أعلى هيئة قضائية في لبنان، لإجراء المحاكمة العادلة والمنطقية لقتلة ضبّاط وعناصر الجيش، والمعتدين على أمن الدولة الداخلي وإنشاء جمعية أشرار للنيل من سمعة الدولة ومكانتها على مختلف الصعد؟.
ألم يكن بمقدور السلطة السياسية إبقاء محاكمة هؤلاء المعتدين، قيد المحكمة العسكرية الدائمة، باعتبار أنّ التهم الموجّهة إليهم تقع ضمن اختصاص القضاء العسكري حصرياً، ولا سيّما أنّها تطاول المؤسّسة العسكرية بهيبتها وقدرتها ورجالها الشهداء والأحياء؟.
كيف يمكن للمجلس العدلي محاكمة عشرات الموقوفين من «فتح الإسلام» دفعة واحدة، بينما قفص الاتهام على ضيقه، لا يتسع لأكثر من 30 شخصاً يجلسون محشورين ومتضايقين كأنّهم يتسابقون على التقاط الهواء العابر فوقهم وحولهم للبقاء على قيد الحياة، حتّى أنّه خلال محاكمة الإسلاميين الموقوفين في قضية أحداث جرود الضنية على مدى أربع سنوات بين العامين 2001 و,2005 كادت صفوفهم تتصل بهيئة المجلس وتلتصق بها ولم يتجاوز عددهم الثلاثة والثلاثين شخصاً؟.
إنّ هذا المأزق لا يقتصر على هذه الصورة على الإطلاق، بل تضاف إليه عوائق أخرى.
فتلاوة القرار الإتهامي المرتبط بعلانية المحاكمة لأيّ موقوف، على سبيل المثال، تقتضي مثول جميع المدعى عليهم الموقوفين وجاهياً أمام هيئة المجلس العدلي، ما يعني أنّ الأمر يتطلّب توزيعهم على المقاعد المنتشرة داخل القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في الطابق الرابع لقصر عدل بيروت، والمخصّصة لذوي الشهداء وعوائل الضحايا، وأهالي الموقوفين، والمحامين من جهتي الادعاء والدفاع، وروّاد هذه المحاكمات من مواطنين ومهتّمين وفضوليين، فضلاً عن ضرورة تأمين الحماية الأمنية داخل هذه القاعة وخارجها، وفي محيط قصر العدل للقضاة ولكلّ الموجودين فيه، وهذا ليس بالأمر الهيّن كما يتصوّر بعض المعنيين.
هذه عيّنة من الأسئلة المقلقة التي بدأ قضاة معنيون طرحها في الأروقة، وفي مجالسهم الخاصة، من دون أن يعثروا لها على أجوبة مناسبة، ولم تتنبّه لها السلطة السياسية التي اعتقدت خطأ أنّ إجراءات المحاكمة أمام المجلس العدلي أسرع من سواها، وأنّ الجريمة المقترفة بحقّ الوطن والجيش تستحقّ الإحالة على المجلس العدلي دون سواه من المحاكم، متناسية أنّ الغاية الأولى والأخيرة هي إنزال العقاب اللازم وبما تنصّ عليه حالة كلّ مدعى عليه.
ويتمنّى قضاة لو أنّ المحاكمة أبقيت من صلاحية المحكمة العسكرية، على غرار ما حصل خلال محاكمة ضبّاط وعناصر العميل أنطوان لحد بعد تحرير الجزء الأكبر من الجنوب في شهر أيّار من العام ,2000 حيث أنجز قضاة التحقيق العسكري ومن ثمّ الهيئات المدنية والعسكرية التي تناوبت على رئاسة وعضوية هذه المحكمة، استجواب ومحاكمة أكثر من أربعة آلاف شخص على دفعات.
إنّ ملفّات هؤلاء «اللحديين» كانت معقّدة أكثر ممّا يتوقّع أن تكون عليه ملفّات عناصر «فتح الإسلام»، لأنّ الأولى ضمّت المنضوين في صفوف ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي»، ونوعية خدماتهم وأعمالهم، والمنخرطين في شبكات تجسّس، والمجنّدين للقيام بمهام متعدّدة أمنية ولوجستية وإدارية ومالية، والجلاّدين في معتقل «الموت» في بلدة الخيام، والمنكّلين بالمدنيين بلا هوادة، والمسافرين عبر مطار تلّ أبيب، والعاملين في فلسطين المحتلة بموجب بطاقات خاصة بالمتعاملين يتقاضون مقابل تأجيرها أو تسهيلها مبلغاً مالياً.
بينما الثانية محصورة بمن قاتل الجيش اللبناني وقتل منه، وتدور كلّها في هذا الفلك وتحت هذا العنوان الرئيسي.
لذلك، فإنّ القول بأنّ المسألة أكبر من همّة المحكمة العسكرية وإمكانياتها، مبالغ فيه وغير صحيح، والدليل ما تقدّم ذكره والمستمدّ من واقع الحال.
ويقترح بعض القضاة، إنشاء محكمة عسكرية خاصة لتسهيل مهمّة المحاكمة وإجراءاتها وعدم المماطلة والإطالة كما هو جار لدى المجلس العدلي بحيث لا يسمح للسياسة أن تعيد ما فعلته في ملفّ أحداث جرود الضنّية بإصدار عفو عن المجرمين تذهب معه دماء شهداء الجيش هباء منثوراً.
وما يعزّز هذا الاقتراح، هو أنّ قضاة التحقيق في القضاء العسكري أنهوا استجواب أعداد وافرة من موقوفي «فتح الإسلام»، بينما الإحالة على المجلس العدلي تفرض إعادة الاستجواب والتحقيق من نقـــطة البدء، وبالتالي تكون جهود قضاة التحقيق قد ضاعت سدى، وصــــرفت في غير مكانها الصحيح مع ما تشتمل عليه من خوف وقلق متأتّيين في الدرجة الأولى من دقّة هذه القضية وحساسيتها.
ويبقى أخيراً، القول إنّ السلطة السياسية تخطئ، والسلطة القضائية تتحمّل الوزر والمسؤولية، وليس هنالك من يجرؤ على المحاسبة والمساءلة.
المصدر : صحيفة السفير اللبنانية
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018