ارشيف من : 2005-2008
"منبر الوحدة":صمود لبنان في حرب تموز انتصار مبين على اسرائيل
لنهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف العام 2006.
يعز علينا أن تحل هذه الذكرى واللبنانيون منقسمون فريقين: فريقاً يزهو بالصمود الأسطوري الذي أنجزه بلدنا الصغير في وجه أعتى قوّة في الشرق الأوسط، ومن ورائها أعظم قوة في العالم، وفي المقابل فريق قرر، لسبب أو لآخر، الا يرى في الحرب الإسرائيلية سوى أن لبنان كان المفتري بأسر جنديين على الحدود، وسوى ما أسفرت عنه الحرب الوحشية من ضحايا ومن دمار حلّ بالممتلكات والبلدات والمرافق العامة، ومن شقاء تعرضت له جموع المهجرين والمشرّدين الذين بلغوا نحو ربع الشعب اللبناني.
لم يكن في الإمكان الجزم ما إذا كانت تلك الهجمة الهمجية حرباً إسرائيلية دعمتها أميركا، أم كانت حرباً أميركية نفذتها إسرائيل. فلم يصدر موقف شاجب عن أي مسؤول أميركي طوال الحرب، وحال المندوب الأميركي دون صدور قرار بوقف النار عن مجلس الأمن ثلاث مرات، وأعلنت الإدارة الأميركية خلال الحرب تزويدها إسرائيل الأسلحة الذكيّة. كانت حربا بين قوة الحق وجبروت القوة".
واضاف: "المؤلم أن الحرب الغاشمة أضحت في منزلة وجهة نظر يختلف تقويمها باختِلاف الهويات والانتماءات والعصبيات المتحكّمة في النفوس.
تلام المقاومة على أسر جنديين بقصد مبادلتهما بالأسرى اللبنانيين. وقد أخذ المضللون على قيادة المقاومة إقرارها بحقيقة أنّها، عند أسرها الجنديين، لم تكن تقدّر أنّ ردّة الفعل الإسرائيلية ستكون في حجم حرب همجية شاملة. والمقاومة معذورة نظراً إلى أن إسرائيل عوّدتنا على مبادلة الأسرى بالأسرى. كان ذلك مع مصر ومع الاردن، لا بل كان كثير من ذلك مع المنظمات الفلسطينية، وكان ذلك حتى مع المقاومة اللبنانية ومع لبنان. والمقاومة معذورة أيضاً لكون التبادل هو السبيل الوحيد المُتاح للإفراج عن الأسرى اللبنانيين الذين كتب عليهم أن يبقوا في المعتقلات الصهيونية مدى الحياة، ما لم تجبر الدولة الصهيونية على مبادلتهم بأسرى صهاينة. والذين يعترضون على أسلوب المبادلة فليدلّونا على طريقة ناجعة أخرى للإفراج عن الأسرى اللبنانيين. وماذا فعلوا هُم في هذا السبيل؟ وماذا فعلت السلطة اللبنانية لتحرير الأسرى اللبنانيين؟ علماً انها التزمت السعي للافراج عنهم في بيانها الوزراي ،هذا مع العلم أن إسرائيل تحتجز في معتقلاتها نحو عشرة آلاف أسير فلسطيني، بينهم نواب ووزراء، وليس بين العرب من يسأل عنهم.
ثم إن الفريق اللبناني المضلل الذي لا يرى في الحرب سوى تكلفتها الباهظة يتعامى عن الحقيقة، وهي أن صمود المقاومة كان في منزلة الانتصار المبين. القتل والتشريد والتدمير هي سنّة الحرب. أي حرب، ولكنها لا تحجب صورة الانتصار عن رؤية المنتصر. هاك فرنسا، التي خاضت حربين عالميتين خلال القرن العشرين كان من جرائها إلحاق أفدح الخسائر بها، ولكن الشعب الفرنسي في نهاية الحرب احتفل بالنصر وما زال يباهي بمقاومته وصموده وتضحياته.
كان صمود لبنان في الحرب الغاشمة انتصاراً مبيناً. مع انعِدام التكافؤ في القوة العسكرية بين الجانبين. كانت أطول حرب في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، إذ دامت 33 يوماً أعقبها ثلاثة أسابيع من الحصار الخانق، وانتهت الحرب حيث بدأت، أي على تخوم القرى الحدودية، وهذا منتهى الإخفاق للجيش الذي كان يُقال إنّه لا يُقهر. حاول العدو مُستميتاً خلال اليومين الأخيرين من الحرب احتلال نقطة على خطّ الليطاني كي يسجّل بها تقدّماً فما استطاع.
أهم ما في حصيلة تلك الحرب الغاشمة أنها أحدثت تبدلا تاريخيا في معطيات الصراع العربي الإسرائيلي. فظهر جليا أن العدو الصهيوني لا يواجه بحروب تقليدية، فهو الرابح دوما في المواجهات بين جيش نظامي وجيش نظامي آخر نظراً لتفوّق العدو عدّة وعديداً ودعما دولياً لا حدود له. فقد قُهر هذا الجيش الذي لا يُقهر ثلاث مرات : مرّة في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي ما زالت منذ النكبة في عام 1948 تُناضل داخل أرض فلسطين، وأحياناً على تخوم عاصمة الكيان الصهيوني، ولم تستطع القوّة الصهيونية الغاشمة القضاء عليها.
وفي المرة الثانية كان تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000 (ما عدا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) من دون قيد أو شرط. فلم يكن على لبنان أن يفاوض أو يوقّع على صكّ يسمى تسوية أو صلحاً منفرداً، وما كان عليه أن يُفرّط في حق من الحقوق العربية في فلسطين.
وكانت المرة الثالثة في حرب تموز، في صيف العام 2006. التي يصرّ بعض اللبنانيين الموتورين أن حصيلتها كانت هزيمة للبنان، فيما العدو الإسرائيلي نفسه يعترف بهزيمته. فقد زلزلت الحرب أوضاعه الداخلية وفجّرت أزمة سياسية عميقة أدّت إلى تنحّي عدد من كبار المسؤولين العسكريين.
وختم: "إن الانقسامات الفئوية في لبنان تعمي أبصارنا حتى عن حقيقة انتصارنا. فإلى متى هذه الانقسامات العبثيّة؟ الانتصار الكبير سيكون يوم تدفن انقساماتنا الداخلية فتحيا الوحدة الوطنية.
لن تكون حرب عربية إسرائيلية بعد اليوم. بل ستكون الكلمة الفصل للمقاومة العربية بإذن الله".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018