ارشيف من : 2005-2008
آية الله فضل الله: البعض يخشى من تحجيم دوره إذا ما تم التوصل إلى أي حل واقعي للبنان
والاجتماعية والدينية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية عن الوضع في لبنان أن "المسألة السياسية في لبنان، الذي استطاع جيشه إنهاء الحرب المجنونة المتحركة في خط الإرهاب، لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الناس الذين تحاصرهم الخلفيات المعقدة في الواقع اللبناني والتدخلات الإقليمية والدولية في خصوصيات الأوضاع الحيوية والمصيرية، والخطابات اليومية التي يتحرك بها الإعلام الذي يدخل المواطنين في متاهات الخطوط الطائفية والحزبية والشخصية، إضافة إلى العناصر السياسية المرتبطة بأزمة المنطقة وبمشاريع الدول الكبرى التي تعتبر لبنان ساحة مفتوحة لأكثر من لعبة دولية في نطاق لعبة الأمم، وموقعا من مواقع تحريك الأرصدة المالية الضخمة التي تشترى بها الضمائر، وتباع فيها المواقف، وتثار فيها الفتن، ويلعب فيها الإعلام. وتبقى حال التعقيد السياسي لدى من لا يريد للأزمة أن تنتهي إلا لحسابات طموحاته وخططه، وهكذا تنطلق اللعبة السياسية من هنا وهناك، لإسقاط أية مبادرة عربية أو دولية أو محلية، لأن البعض يخشى من تحجيم دوره إذا ما تم التوصل إلى أي حل واقعي للبنان، لأن المطلوب من هؤلاء أن يبقى الوطن في حال اهتزاز سياسي أو اقتصادي أو تخوف أمني، ولا مشكلة لدى بعض الذين استطاعوا في كل تاريخهم الرسمي والسياسي أن يضخموا ثرواتهم من المال العام والكسب الحرام، ولا مشكلة في أن يبقى الناس جياعا محرومين ما دام الزعيم الطائفي ينعم بمدخراته وثرواته الكبيرة".
وقال سماحته "في المشهد الإسرائيلي، يتحدث العدو عن شن عدوان عسكري واسع على غزة، وتصفية قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وفرض عقوبات على القطاع بحجة وقف إطلاق الصواريخ على كيانه، فقد هدد رئيس وزراء العدو بفرض عقوبات على غزة، وبشن الجيش الإسرائيلي عملية عدوانية واسعة على القطاع، كما يتحدث العدو عن شكوى سيقدمها ضد جهة لم يحددها أمام مجلس الأمن الدولي احتجاجا على إطلاق الصواريخ، وهو ما ينذر بمجازر مقبلة ضد الشعب الفلسطيني".
اضاف:" إن الجميع يعلم بأن المقاومة الفلسطينية تقوم بعملية رد فعل على الاحتلال الصهيوني، وعلى المجازر التي يقوم بها ضد المدنيين والمجاهدين من خلال قصف طائراته ودباباته الأميركية الصنع، لأنه يريد للفلسطينيين أن يتقبلوا كل عدوانه الأمني والسياسي بكل طيبة خاطر، لأن المطلوب هو استسلام الشعب الفلسطيني من دون قيد أو شرط على أساس فرض إسرائيل لشروطها القاسية التي تمنع هذا الشعب من المطالبة بحق العودة، والقبول بإذلال الناس المستضعفين على الحواجز في الضفة الغربية وفي منعطفات الجدار، ومصادرة الأراضي المحتلة، هذا فضلا عن السيطرة على مصادر المياه والكهرباء. الأمر الذي يجعل هذا الشعب ـ حتى في قطاع غزة ـ في سجن دائم كما هو الحال في الضفة الغربية الواقعة ـ رسميا لا واقعيا ـ تحت حكم السلطة الفلسطينية التي يجتمع رئيسها برئيس وزراء العدو من دون جدوى، حيث لم تؤد تلك اللقاءات إلى أي تغيير في الممارسات الهمجية الإسرائيلية. ويتحرك مندوبو ما يسمى المجتمع الدولي من أجل التحضير للمؤتمر الدولي المقترح من الرئيس الأميركي بوش الذي يستخدم الاتحاد الأوروبي لتهيئة المناخ لخدعة السلام المنشود الذي لا تؤمن به إسرائيل إلا بشروطها التعجيزية التي تحقق لها استراتيجية السيطرة على أكثر فلسطين، من دون ضغط أمريكي أو أوروبي أو عربي".
وتابع:"إن المطلوب دوليا وأميركيا هو تقديم الشعب الفلسطيني التنازلات من أرضه ومن حريته، فيما يصر هذا المجتمع الدولي ـ كما يسمونه ـ على بقاء حركة حماس خارج نطاق المسألة السياسية، بإعطاء الفرصة لرئيس السلطة بابتداع قرارات تعزلها عن الواقع الفلسطيني، وتهديده بمنع المساعدات والتأييدات إذا أعاد العلاقة مع فصائل المقاومة ولا سيما حركة حماس".
وقال السيد فضل الله "إننا نحذر الشعب الفلسطيني الذي فرض عليه الاحتلال، كما منع من الوحدة في خطة انفصالية داخلية، من أن يثق بهذا المؤتمر الذي تلهث الأنظمة العربية ـ الواقعة تحت تأثير إسرائيل وأميركا ـ نحوه، فهو لن يحقق لهم أهدافهم الكبرى في الحرية والاستقلال وإرجاع أرضهم إليهم، وتأسيس دولتهم المستقلة القابلة للحياة. وليعلموا أن شرط إيقاف المقاومة الذي فُرض على بعض فصائلها من قبل حكومة السلطة لن يوقف الاجتياحات الإسرائيلية والاغتيالات للناشطين من المقاومة، ولن ينهي التعسف على الحواجز، ولذلك فإن المستقبل بحاجة إلى موقف قوي موحد منفتح على الممانعة والمقاومة، فذلك هو السبيل الوحيد لإرباك مخططات العدو وسقوط استراتيجيته الاحتلالية".
واضاف: " وفي المشهد الأميركي، لا يزال الرئيس بوش يعاني من الضغوط السياسية، سواء من الرأي العام أم من خلال الأغلبية الديموقراطية المعارضة له في الكونغرس التي تطالبه بالانسحاب من العراق انطلاقا من الخسائر البشرية في جنوده من القتلى والجرحى، فيما يستكمل شريكه البريطاني في الاحتلال للعراق انسحابه من مدينة البصرة الجنوبية لفشل جنوده في حماية أنفسهم وحفظ النظام وتركيز الأمن للناس هناك. وهذا هو ما دفع بالرئيس الأمريكي إلى زيارة العراق معلنا إمكانية خفض قواته هناك، في حركة تكتيكية للتخلص من مأزقه أمام المعارضة، في محاولة للحديث عن أن سحب قواته من العراق سيكون من موقع قوة وليس من موقع خوف أو إخفاق، محذرا من أن أي تجاوز سيزيد من احتمال تعرض الولايات المتحدة للهجوم داخل أراضيها، ونحن نعرف أن إدارته فشلت في احتلالها للعراق كما فشلت في احتلالها لأفغانستان، ما جعل سياستها في المنطقة تعاني حال تخبط وإرباك، ولذلك فإنها تهرب إلى الأمام لتتحدث عن احتمال هجومها على إيران وقصف مواقعها النووية، والعمل على إيجاد مناخ عسكري في منطقة الخليج، مما يدخل في نطاق الحرب النفسية فيما تمارسه الولايات المتحدة من عرض لعضلاتها العسكرية ونشر أكثر من حاملة طائرات في الخليج، لأن الحرب الفعلية قد تؤدي إلى إحراق مواقعها في المنطقة وتدمير الثروات الكبرى هناك، وهو أمر لا يتحمله حلفاؤها من دول الخليج التي تحاول إيران إيجاد علاقات أمنية وسياسية طبيعية معهم".
ودعا "الشعوب العربية والإسلامية إلى الصمود أمام هذه الحرب التي تسعى أميركا من خلالها إلى تمتين إمبراطوريتها الكونية وقيادتها الدولية للعالم، وإلى العمل على فرض استراتيجيتها الاستكبارية في إثارة الحروب المدمرة، وتحريك حال الخوف في نفوس الشعوب المستضعفة التي تملك الكثير من مواقع القوة التي لا بد من أن تتحرك بها في خط المواجهة التي قد تطرحها أميركا تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب، في الوقت الذي يعرف الجميع أنها حرب ضد معارضي السياسة الأميركية في العالم الإسلامي، وربما نكون بحاجة إلى المزيد من الصبر على الآلام الشديدة والعقوبات المفروضة علينا، كنتيجة لحركة أميركا الاحتلالية وحربها الاقتصادية وحصارها السياسي، لأن الحرب طويلة في مدى الزمن في قضايا الحرية للشعوب أمام الاستكبار الذي يصادر الحرية والأمن والاقتصاد".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018