ارشيف من :أخبار لبنانية
الموسوي في ندوة "حوار الاديان": هذا المؤتمر بخلفياته وحيثياته ومجرياته، خطوة من ضمن تحرك يسعى لإنهاء القضية الفلسطينية

القى مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله السيد نوّاف الموسوي كلمة في الندوة التي عقدها المؤتمر الدائم للمقاومة اليوم، تحت عنوان "بيريز!! في حوار الأديان؟!!!
ومما قاله: "لا جدال في أهمية الحوار أو ضرورته أو مشروعيته. تُحدّثنا الآيات الكريمة عن حوار بين مؤمن وصاحبه الكافر، نعم صاحبه : "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً، لكنّا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا" (الكهف: 37- 38).
لكن السؤال:الحوار مع من وعمّ، ولمَ ؟
مع ملاحظة أن الاعتداء لا يواجه بالحوار.
أولاً : الخلفية السياسية للمؤتمر
لا علاقة للمؤتمر الذي عقد في الأمم المتحدة وسمّي الحوار بين الأديان، بالحوار بين الأديان. وعلى أي حال ففي المؤتمر الصحفي الختامي أعلن أن اسمه مؤتمر ثقافة السلام.
هذا المؤتمر بخلفياته وحيثياته ومجرياته، خطوة من ضمن تحرك يسعى لإنهاء القضية الفلسطينية دون الحد الأدنى من الحقوق السياسية والوطنية الفلسطينية.
هدف هذا التحرك تغيير المشهد السياسي في المنطقة ليتلاءم مع واقع سياسي غير معلن أو شبه معلن. فالمشهد لا يزال أميناً إلى حد ما لفكرة أن الصراع المركزي هو ضد إسرائيل المحتلة أراضي عربية. أما الواقع فهو أن ثمة من بات يعتبر هذا الصراع منتهياً، وصار الطرف الآخر فيه حليفاً موضوعياً إن لم يكن مباشراً، وصيّر عدوّه من يرفض إنهاء هذا الصراع وإحلال صراعات أخرى مصطنعة مكانه. ولكي يحوّل الواقع إلى مشهد لا بد من القضاء على وعي الصراع بتشتيته وكيّه.
إثارة الفتنة المذهبية عبر التحريض الدعائي والدعوي هي من ضمن هذا التحرك التصفوي. كما أن منه اصطناع صراع عربي – فارسي. هكذا يراد إحلال صراع مختلق هو صراع شيعي فارسي – سني عربي، محل الصراع الحقيقي، الصراع ضد "إسرائيل"، الصراع ضد الصهيونية، وهنا تشتيت الوعي.
ومن ضمن هذا التحرّك أيضاً، الحصار الظالم غير الإنساني المفروض على الشعب الفلسطيني بقصد إرغامه على القبول بما سبق للمفاوض الفلسطيني أن رفضه في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000. ينتظر الساعون لإنهاء القضية الفلسطينية مبادرة أمريكية جديدة للتسوية. لكن هذه المبادرة التي ستقودها وزيرة الخارجية المعيّنة هيلاري كلينتون لن تحمل سوى مقترحات كلينتون الزوج التي لا تتضمن إزالة مستوطنات أو سيادة فلسطينية على القدس أو حق الشعب الفلسطيني في العودة. وهنا كيّ الوعي.
إذن التحرك التصفوي يسلك ثلاثة مسارات:
التطبيع النفسي مع إسرائيل كمقدمة للتطبيع السياسي والاقتصادي.
إثارة انقسامات وصراعات موازية تلغي الصراع الأساسي.
قهر إرادة الشعب الفلسطيني المقاومة وإخضاعه لشروط تسوية تقضي على الحد الأدنى من حقوقه.
المؤتمر في نيويورك وإن أتى في المسار الأول إلا أنه يتكامل مع المسارين الآخرين ويعضدهما.
غير أن هذا التحرك مكتوب له في خاتمة سعيه وكيده الفشل والخيبة. فاليمين الإسرائيلي القادم إلى القبض على أزمّة الحكم في الكيان الصهيوني لن يمكّن حتى من تسوية دون الحد الأدنى. وعليه فإن كل هذه التنازلات التي تُقدم عليها جهات عربية هي مكاسب مجّانية للإسرائيليين.
ثانياً : عن المؤتمر صورة وأبعاد:
ثمة ملاحظات.
إذا كان اسمه مؤتمر الحوار بين الأديان:
لقد جعل من مجرم الحرب رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز ممثلاً للديانة اليهودية. إنه مجرم حرب وفقاً لتوصيف الأمم المتحدة نفسها. فالأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بطرس غالي أصدر تقريره حول المجزرة ضد المدنيين اللبنانيين التي اقترفتها القوات الإسرائيلية عام 1996 في قاعدة للأمم المتحدة، وقال في تقريره إن المجزرة ارتكبت عمداً وقصداً. إذن هي جريمة حرب، والمسؤول عنها هو المسؤول الأول عن القرار "الإسرائيلي" وهو ما يجعل من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك الذي كان بيريس مجرم حرب، على الأقل بسبب هذه الجريمة، فضلاً عما ارتكبه ويرتكبه بحق الشعب الفلسطيني.
فكيف يعقل أن يمثّل دين ما يفترض أنه يدعو إلى قيم سامية، بمجرم وجزّار؟
إيكال التمثيل اليهودي إلى مسؤولين صهاينة هو مساواة بين اليهودية والصهيونية. لقد كان ثمة إصرار دائم على التمييز بينهما؛ لأن الصهيونية حركة عنصرية عدوانية توسعية تهجيرية استيطانية، وهو ما عليه قرارات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجمعية العام للأمم المتحدة، قبل أن يجري التعديل القسري بفعل التدخل الأمريكي، وهو تعديل لم يحظَ بموافقة المجموعة العربية على ما هو مدون في محاضر الجمعية العامة.
إن المساواة بين الصهيونية واليهودية هو تبرئة للصهيونية من العنصرية والعدوانية وجرائمها التي لازالت مستمرة، وتحويل كل منتقد للسياسات الصهيونية إلى معادٍ لليهودية أو ما يصطلح على تسميته في الغرب، معادٍ للسامية. إذن فهو تعزيز مجاني للدعاية الصهيونية إذ نالت تأييداً عربياً في محاولاتها كتم أصوات غربية تنتقد الممارسات والمواقف الإسرائيلية. وتالياً فهو إضعاف للجهد العربي الرامي إلى محاصرة العدوانية الإسرائيلية على الصعيد الدولي، في المجالين الفكري والإعلامي، إن كان متعذراً في المجال السياسي.
الإعتراف بأن المسؤولين الإسرائيليين ممثلون للديانة اليهودية يعني الاعتراف بأن إسرائيل هي دولة للشعب اليهودي، أو بحسب عبارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أن إسرائيل دولة يهودية. ومن المعروف أن هذه العبارة تساوي شطب حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم.
وهنا نتذكر منوّهين، أن الرئيس اللبناني إميل لحود قد أصرّ في القمة العربية في بيروت على حق العودة في مبادرة قد غيّبت هذا الحق.
استخدام الأمم المتحدة قناة تطبيعية يؤدي إلى مزيد من استغراق مسؤولين فيها في التأييد المطلق "لإسرائيل". إذ بدلاً من أن تدفع إلى قدر ما من الحيادية، يأتي استخدامها في مؤتمر من هذا النوع تعطيلاً لإمكانات الاستفادة العربية من التوازنات الدولية لمضايقة الموقف "الإسرائيلي"، إذا كانت محاصرته هدفاً لا يبلغ في هذه الآونة.
بدلاًَ من تحريك المنظمات الدولية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم التي يقترفونها، يجري غسل أيديهم وتنصيع صورهم بتقديمهم على أنهم محاورون دينيون؟
مرة أخرى، مكسب إسرائيلي مجاني على حساب المصالح العربية حتى وفق لرؤية أصحاب نهج التسوية نفسه.
حاول المؤتمر تقديم صورة من شأنها كسر الحواجز النفسية بل المحرّمات التي تحول دون الاتصال بين مجتمعات محافظة والعدو الصهيوني. إن المعصية بلوى الأولى الاستتار بها وهو أقل سوءاً من إشهارها والاشتهار بها، ولو أن ثمة وجاهة في اعتبار النفاق الأدهى أشد سوءاً من الكفر الصراح.
يخشى بعد هذا المؤتمر أن تشيع الاتصالات مع العدو، وتصدّح بها الألسنة وتجري بها الأقلام، ويتبارى "مشرّعون" في تسويغ مقاصدها.
أما إذا كان اسمه ثقافة السلام:
هل صار شيمون بيريز مثقفاً نزّاعاً للسلام بين ليلة يقضيها ابن غزة في ظلام دامس، وضحى فيه يتلظى بحرِّ الشمس ابن الضفة على حاجز الإهانة "الإسرائيلي" أو يقرّض جنوبه برد قارص؟
أي سلام هذا الذي يُعلن عن ثقافته، قبل أن تبرم التسوية حتى بحسب سالكي متاهاتها؟
إن المبتغى هو تشديد العمل على إزهاق روح المقاومة والقضاء على ثقافتها. إن الاسم الفعلي لهذا المؤتمر، إن حق وصفه بحقيقته، هو ثقافة القضاء على المقاومة. ويا للصدفة (؟!)، فإن المؤتمر الذي شكّل غطاءاً دولياً وعربياً للعدوان الإسرائيلي الذي قاده شيمون بيريز ضد لبنان في عام 1996 والذي ارتكب خلاله مجزرة قانا، كان اسمه "مؤتمر صانعي السلام".
إن هذا المؤتمر هو تغطية دولية عربية للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، عدوان قتله وحصاره وقهر إرادته الحرة وليِّ ذراعه عن التمسك بحقوقه.
ثالثاً: مقترحات نظرية - عملية في مواجهة حملة التصفية:
مواصلة التمييز بين الصهيونية واليهودية، ورفض إعطاء الصراع، أي صراع كان، طابعاً دينياً، وتقديمه بحقيقته كصراع بين الاستضعاف والاستكبار، بين المقاومة والاحتلال، بين العدوان والدفاع.
حث العمل على إبقاء تعريف الصهيونية بأنها حركة عنصرية، ولاسيما في المنتديات الدولية التي تعقد لمكافحة التمييز العنصري.
رفض الاعتراف "بإسرائيل"، وتأكيد أنها كيان صهيوني قام على العدوان والإرهاب والتهجير.
إسقاط المحاولات التطبيعية مع كيان العدو.
الحؤول دون استشراء النزاعات المذهبية والطائفية والعرقية، ومحاصرتها.
تفعيل الأنشطة التي تعكس وحدة الأمة السياسية في مقاومة الاحتلال والعدوان الصهيونيَين.
تعزيز ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام.
التشديد على محورية الصراع مع العدو الصهيوني.
الحث على دعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الكاملة، لاسيما في هذه المرحلة الإصرار على التمسك بحق العودة.
وقف السجالات المذهبية وتوجيه الجهود نحو الانخراط في مقاومة العدوان الصهيوني بأشكالها كافة، والتأييد العملي للمقاومة والصمود الفلسطينيين.
تقديم أولوية المواجهة السياسية المباشرة مع الهيمنة الأمريكية على رفع التوتر مع القوى السياسية الحليفة لها، الساعية إلى القضاء على القضية الفلسطينية.
تعزيز الخطاب الوحدوي وتكامل مجالاته.
على الهامش:
سيفهم الكثير من بعض العرب واللبنانيين الذين يرتاعون من واقع هزيمة الإدارة الأمريكية واضطرارها إلى تغيير سياساتها لتكون أكثر واقعية في تحقيق المصالح الأمريكية، سيفهمون من توصية منظومة الأمن الإسرائيلي بدعم ما سمّي الاعتدال اللبناني، دعم هو امتداد لتحالف غير معلن مع ما يسمّى الاعتدال العربي، على أنه دفع للسياسة الأمريكية الجديدة للاستمرار في سياسة زجّ ما يسمّى محور الاعتدال في وجه محور المقاومة. وسينظرون إلى هذه التوصية نظرة أمل في أن يستمر المحور المعادي للمقاومة على قيد البقاء. وهذا يؤول إلى أن الحرب التي يشنها هذا المحور للقضاء على المقاومة مستمرة، ما يفترض بالمقاومة في مواقعها جميعاً أن تتعاطى مع هذه الحرب بجدية كاملة فتواصل خوضها حتى تضع أوزارها بالانتصار على العدوان "الإسرائيلي" الذي ينهي أوهام البعض التي تبدّد معظمها ويترنّح آخرها".
ومما قاله: "لا جدال في أهمية الحوار أو ضرورته أو مشروعيته. تُحدّثنا الآيات الكريمة عن حوار بين مؤمن وصاحبه الكافر، نعم صاحبه : "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً، لكنّا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا" (الكهف: 37- 38).
لكن السؤال:الحوار مع من وعمّ، ولمَ ؟
مع ملاحظة أن الاعتداء لا يواجه بالحوار.
أولاً : الخلفية السياسية للمؤتمر
لا علاقة للمؤتمر الذي عقد في الأمم المتحدة وسمّي الحوار بين الأديان، بالحوار بين الأديان. وعلى أي حال ففي المؤتمر الصحفي الختامي أعلن أن اسمه مؤتمر ثقافة السلام.
هذا المؤتمر بخلفياته وحيثياته ومجرياته، خطوة من ضمن تحرك يسعى لإنهاء القضية الفلسطينية دون الحد الأدنى من الحقوق السياسية والوطنية الفلسطينية.
هدف هذا التحرك تغيير المشهد السياسي في المنطقة ليتلاءم مع واقع سياسي غير معلن أو شبه معلن. فالمشهد لا يزال أميناً إلى حد ما لفكرة أن الصراع المركزي هو ضد إسرائيل المحتلة أراضي عربية. أما الواقع فهو أن ثمة من بات يعتبر هذا الصراع منتهياً، وصار الطرف الآخر فيه حليفاً موضوعياً إن لم يكن مباشراً، وصيّر عدوّه من يرفض إنهاء هذا الصراع وإحلال صراعات أخرى مصطنعة مكانه. ولكي يحوّل الواقع إلى مشهد لا بد من القضاء على وعي الصراع بتشتيته وكيّه.
إثارة الفتنة المذهبية عبر التحريض الدعائي والدعوي هي من ضمن هذا التحرك التصفوي. كما أن منه اصطناع صراع عربي – فارسي. هكذا يراد إحلال صراع مختلق هو صراع شيعي فارسي – سني عربي، محل الصراع الحقيقي، الصراع ضد "إسرائيل"، الصراع ضد الصهيونية، وهنا تشتيت الوعي.
ومن ضمن هذا التحرّك أيضاً، الحصار الظالم غير الإنساني المفروض على الشعب الفلسطيني بقصد إرغامه على القبول بما سبق للمفاوض الفلسطيني أن رفضه في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000. ينتظر الساعون لإنهاء القضية الفلسطينية مبادرة أمريكية جديدة للتسوية. لكن هذه المبادرة التي ستقودها وزيرة الخارجية المعيّنة هيلاري كلينتون لن تحمل سوى مقترحات كلينتون الزوج التي لا تتضمن إزالة مستوطنات أو سيادة فلسطينية على القدس أو حق الشعب الفلسطيني في العودة. وهنا كيّ الوعي.
إذن التحرك التصفوي يسلك ثلاثة مسارات:
التطبيع النفسي مع إسرائيل كمقدمة للتطبيع السياسي والاقتصادي.
إثارة انقسامات وصراعات موازية تلغي الصراع الأساسي.
قهر إرادة الشعب الفلسطيني المقاومة وإخضاعه لشروط تسوية تقضي على الحد الأدنى من حقوقه.
المؤتمر في نيويورك وإن أتى في المسار الأول إلا أنه يتكامل مع المسارين الآخرين ويعضدهما.
غير أن هذا التحرك مكتوب له في خاتمة سعيه وكيده الفشل والخيبة. فاليمين الإسرائيلي القادم إلى القبض على أزمّة الحكم في الكيان الصهيوني لن يمكّن حتى من تسوية دون الحد الأدنى. وعليه فإن كل هذه التنازلات التي تُقدم عليها جهات عربية هي مكاسب مجّانية للإسرائيليين.
ثانياً : عن المؤتمر صورة وأبعاد:
ثمة ملاحظات.
إذا كان اسمه مؤتمر الحوار بين الأديان:
لقد جعل من مجرم الحرب رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز ممثلاً للديانة اليهودية. إنه مجرم حرب وفقاً لتوصيف الأمم المتحدة نفسها. فالأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بطرس غالي أصدر تقريره حول المجزرة ضد المدنيين اللبنانيين التي اقترفتها القوات الإسرائيلية عام 1996 في قاعدة للأمم المتحدة، وقال في تقريره إن المجزرة ارتكبت عمداً وقصداً. إذن هي جريمة حرب، والمسؤول عنها هو المسؤول الأول عن القرار "الإسرائيلي" وهو ما يجعل من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك الذي كان بيريس مجرم حرب، على الأقل بسبب هذه الجريمة، فضلاً عما ارتكبه ويرتكبه بحق الشعب الفلسطيني.
فكيف يعقل أن يمثّل دين ما يفترض أنه يدعو إلى قيم سامية، بمجرم وجزّار؟
إيكال التمثيل اليهودي إلى مسؤولين صهاينة هو مساواة بين اليهودية والصهيونية. لقد كان ثمة إصرار دائم على التمييز بينهما؛ لأن الصهيونية حركة عنصرية عدوانية توسعية تهجيرية استيطانية، وهو ما عليه قرارات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجمعية العام للأمم المتحدة، قبل أن يجري التعديل القسري بفعل التدخل الأمريكي، وهو تعديل لم يحظَ بموافقة المجموعة العربية على ما هو مدون في محاضر الجمعية العامة.
إن المساواة بين الصهيونية واليهودية هو تبرئة للصهيونية من العنصرية والعدوانية وجرائمها التي لازالت مستمرة، وتحويل كل منتقد للسياسات الصهيونية إلى معادٍ لليهودية أو ما يصطلح على تسميته في الغرب، معادٍ للسامية. إذن فهو تعزيز مجاني للدعاية الصهيونية إذ نالت تأييداً عربياً في محاولاتها كتم أصوات غربية تنتقد الممارسات والمواقف الإسرائيلية. وتالياً فهو إضعاف للجهد العربي الرامي إلى محاصرة العدوانية الإسرائيلية على الصعيد الدولي، في المجالين الفكري والإعلامي، إن كان متعذراً في المجال السياسي.
الإعتراف بأن المسؤولين الإسرائيليين ممثلون للديانة اليهودية يعني الاعتراف بأن إسرائيل هي دولة للشعب اليهودي، أو بحسب عبارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أن إسرائيل دولة يهودية. ومن المعروف أن هذه العبارة تساوي شطب حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم.
وهنا نتذكر منوّهين، أن الرئيس اللبناني إميل لحود قد أصرّ في القمة العربية في بيروت على حق العودة في مبادرة قد غيّبت هذا الحق.
استخدام الأمم المتحدة قناة تطبيعية يؤدي إلى مزيد من استغراق مسؤولين فيها في التأييد المطلق "لإسرائيل". إذ بدلاً من أن تدفع إلى قدر ما من الحيادية، يأتي استخدامها في مؤتمر من هذا النوع تعطيلاً لإمكانات الاستفادة العربية من التوازنات الدولية لمضايقة الموقف "الإسرائيلي"، إذا كانت محاصرته هدفاً لا يبلغ في هذه الآونة.
بدلاًَ من تحريك المنظمات الدولية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم التي يقترفونها، يجري غسل أيديهم وتنصيع صورهم بتقديمهم على أنهم محاورون دينيون؟
مرة أخرى، مكسب إسرائيلي مجاني على حساب المصالح العربية حتى وفق لرؤية أصحاب نهج التسوية نفسه.
حاول المؤتمر تقديم صورة من شأنها كسر الحواجز النفسية بل المحرّمات التي تحول دون الاتصال بين مجتمعات محافظة والعدو الصهيوني. إن المعصية بلوى الأولى الاستتار بها وهو أقل سوءاً من إشهارها والاشتهار بها، ولو أن ثمة وجاهة في اعتبار النفاق الأدهى أشد سوءاً من الكفر الصراح.
يخشى بعد هذا المؤتمر أن تشيع الاتصالات مع العدو، وتصدّح بها الألسنة وتجري بها الأقلام، ويتبارى "مشرّعون" في تسويغ مقاصدها.
أما إذا كان اسمه ثقافة السلام:
هل صار شيمون بيريز مثقفاً نزّاعاً للسلام بين ليلة يقضيها ابن غزة في ظلام دامس، وضحى فيه يتلظى بحرِّ الشمس ابن الضفة على حاجز الإهانة "الإسرائيلي" أو يقرّض جنوبه برد قارص؟
أي سلام هذا الذي يُعلن عن ثقافته، قبل أن تبرم التسوية حتى بحسب سالكي متاهاتها؟
إن المبتغى هو تشديد العمل على إزهاق روح المقاومة والقضاء على ثقافتها. إن الاسم الفعلي لهذا المؤتمر، إن حق وصفه بحقيقته، هو ثقافة القضاء على المقاومة. ويا للصدفة (؟!)، فإن المؤتمر الذي شكّل غطاءاً دولياً وعربياً للعدوان الإسرائيلي الذي قاده شيمون بيريز ضد لبنان في عام 1996 والذي ارتكب خلاله مجزرة قانا، كان اسمه "مؤتمر صانعي السلام".
إن هذا المؤتمر هو تغطية دولية عربية للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، عدوان قتله وحصاره وقهر إرادته الحرة وليِّ ذراعه عن التمسك بحقوقه.
ثالثاً: مقترحات نظرية - عملية في مواجهة حملة التصفية:
مواصلة التمييز بين الصهيونية واليهودية، ورفض إعطاء الصراع، أي صراع كان، طابعاً دينياً، وتقديمه بحقيقته كصراع بين الاستضعاف والاستكبار، بين المقاومة والاحتلال، بين العدوان والدفاع.
حث العمل على إبقاء تعريف الصهيونية بأنها حركة عنصرية، ولاسيما في المنتديات الدولية التي تعقد لمكافحة التمييز العنصري.
رفض الاعتراف "بإسرائيل"، وتأكيد أنها كيان صهيوني قام على العدوان والإرهاب والتهجير.
إسقاط المحاولات التطبيعية مع كيان العدو.
الحؤول دون استشراء النزاعات المذهبية والطائفية والعرقية، ومحاصرتها.
تفعيل الأنشطة التي تعكس وحدة الأمة السياسية في مقاومة الاحتلال والعدوان الصهيونيَين.
تعزيز ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام.
التشديد على محورية الصراع مع العدو الصهيوني.
الحث على دعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الكاملة، لاسيما في هذه المرحلة الإصرار على التمسك بحق العودة.
وقف السجالات المذهبية وتوجيه الجهود نحو الانخراط في مقاومة العدوان الصهيوني بأشكالها كافة، والتأييد العملي للمقاومة والصمود الفلسطينيين.
تقديم أولوية المواجهة السياسية المباشرة مع الهيمنة الأمريكية على رفع التوتر مع القوى السياسية الحليفة لها، الساعية إلى القضاء على القضية الفلسطينية.
تعزيز الخطاب الوحدوي وتكامل مجالاته.
على الهامش:
سيفهم الكثير من بعض العرب واللبنانيين الذين يرتاعون من واقع هزيمة الإدارة الأمريكية واضطرارها إلى تغيير سياساتها لتكون أكثر واقعية في تحقيق المصالح الأمريكية، سيفهمون من توصية منظومة الأمن الإسرائيلي بدعم ما سمّي الاعتدال اللبناني، دعم هو امتداد لتحالف غير معلن مع ما يسمّى الاعتدال العربي، على أنه دفع للسياسة الأمريكية الجديدة للاستمرار في سياسة زجّ ما يسمّى محور الاعتدال في وجه محور المقاومة. وسينظرون إلى هذه التوصية نظرة أمل في أن يستمر المحور المعادي للمقاومة على قيد البقاء. وهذا يؤول إلى أن الحرب التي يشنها هذا المحور للقضاء على المقاومة مستمرة، ما يفترض بالمقاومة في مواقعها جميعاً أن تتعاطى مع هذه الحرب بجدية كاملة فتواصل خوضها حتى تضع أوزارها بالانتصار على العدوان "الإسرائيلي" الذي ينهي أوهام البعض التي تبدّد معظمها ويترنّح آخرها".