ارشيف من : 2005-2008
المواجهة بين بوش والكونغرس : حاسمة أم غير حاسمة؟
العراق قبل مرور عام على بداية الغزو، هو شكل مهم من أشكال المحاسبة.
أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجنود الأميركيين، وكذلك في صفوف العراقيين، شكل مهم آخر، بمقدار ما حل استمرار العنف وتصاعده محل الديمقراطية والاستقرار اللذين وعد بهما الرئيس بوش.
وفضائح السجون والمعتقلات الأميركية والسرقات التي تقوم بها شركات كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، من تموين الجيش الأميركي نفسه، هي شكل من أشكال المحاسبة.
والهبوط المتواصل في شعبية بوش وارتفاع أسهم الديمقراطيين والعديد من الجمهوريين المناوئين لاستمرار الحرب، الذين بلغ بعضهم حد مطالبة بوش بعدم المشاركة في حملاتهم الانتخابية بسبب ما بات يثيره من نفور في الشارع، كل ذلك يمثل أشكالاً من المحاسبة.
وبرامج أميركا لتحسين صورتها في العالم، والمهل والموازنات الإضافية والزيارات المفاجئة لاعتبارات أمنية إلى العراق، واستقالات كبار المسؤولين الأميركيين واستخدام بوش المتكرر للفيتو في وجه الكونغرس، ورضوخ بوش رغماً عنه لمقررات لجنة بيكر هاملتون، والدخول في مفاوضات مع إيران، وتصريح بوش الأخير حول نيته خفض عديد القوات الأميركية في العراق، كل ذلك وغيره، وخصوصاً اللطمات التي تتعرض لها السياسة الأميركية في العالم مع عودة الحديث عن الحرب الباردة، وفي المنطقة مع فشل العدوان على لبنان، يشكل اعترافات بالإخفاق وأشكالا من المحاسبة.
كل تلك الأشكال من المحاسبة التي تفعل فعلها في تقويض أركان الإدارة الأميركية والهيبة الأميركية عموماً، وإن لم تترجم إلى إجراءات قانونية وسياسية مباشرة، تدخل مع جولة المواجهات الحالية بين بوش والكونغرس، منطقة حساسة من شأنها أن تفضي إلى اتخاذ مثل تلك الإجراءات.
جولة المواجهات الأخيرة بدأت الاثنين الماضي (10/9/2007) مع مثول قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال دايفيد بترايوس، والسفير الأميركي في بغداد ريان كروكر، أمام الكونغرس للإدلاء بشهادتيهما حول الوضع في العراق.
المحصلة النهائية لتلك الشهادات، أي القول بأن استراتيجية بوش قد حققت تقدماً أمنياً من دون أن تحقق تقدماً سياسياً، لا تخدم توجهات بوش، وإن كان هدفها المحدد سلفاً هو خدمة تلك التوجهات.
إذ ما الفائدة التي تجنيها أميركا من تقدم أمني مزعوم ليست له ثمار سياسية؟ أليست الحرب خادماً من خدام السياسة؟ ألا يحدث للكثير من الانتصارات العسكرية أن تنفلق عن هزائم سياسية؟ وكيف يكون الأمر لو اقتصرت تلك الانتصارات على مجرد تقدم مزعوم؟ مزعوم بدلائل منها أن أكثرية الأميركيين اعتبروا ـ وفقاً لأحد استطلاعات الرأي ـ أن بترايوس لن يقدم الحقيقة أمام الكونغرس، بل سيقول كل ما من شأنه أن يخفف الضغط عن بوش واستراتيجيته. أي انه بكلام آخر، سيكذب كما كذب بوش عندما قال إنه لم يكن على علم بقرار حل الجيش العراقي، الأمر الذي رد عليه قائد القوات الأميركية السابق في العراق بتكذيب مباشر لم يرد عليه بوش بأي تعقيب.
وعلى كل حال فإن الأكثرية الديمقراطية في الكونغرس تعرف مع بعض مؤيدي مطلب الانسحاب من الجمهوريين، أنها ستجد نفسها أيضاً في مواجهة مع الكذب.. وقد عبر عن ذلك زعيم تلك الأكثرية في مجلس النواب رام إيمانويل، بكلام تحدث فيه عن الإحصاءات "المبتكرة" وعن "الخيال العلمي".
وبعد قائد القوات والسفير سيأتي الأسبوع القادم دور بوش في المثول أمام الكونغرس.. والأكيد أن بوش سيكرر على مسامع النواب أسطوانته المعروفة، لأنه لا يزال مصراً على عدم الاعتراف بالهزيمة وعلى النية في مواصلة القفز في الفراغ.
لكن السؤال هو حول موقف الكونغرس: هل يحجب عنه تمويل الحرب ويجبره على جدولة الانسحاب، أم يمنحه مهلة جديدة؟ في الحالة الأولى سيكون على أميركا ما بعد الأسبوع القادم أن تجد طريقة أخرى في التعامل مع العالم غير طريقة الهراوة العسكرية التي لم تثبت ناجعيتها إلا إزاء المستعدين سلفاً للاستسلام.
وفي الحالة الثانية لن يكون أمامها غير مواصلة القفز في الفراغ، تمهيداً لارتطامها المؤلم بصخور الحضيض.
ع.ح.
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018