ارشيف من : 2005-2008

انتخابات المغرب : مقاطعة واسعة ونتائج مفاجئة

انتخابات المغرب : مقاطعة واسعة ونتائج مفاجئة

الرباط ـ عبد الحفيظ السريتي

انتهت العملية الانتخابية بإعلان النتائج النهائية لاقتراع السابع من أيلول/ سبتمبر 2007 والتي تصدّرها حزب الاستقلال بـ52 مقعدا، يليه حزب العدالة والتنمية بـ46 مقعدا، بينما تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي إلى المرتبة الخامسة بـ38 مقعدا، وبفارق 12 مقعدا عن استحقاق عام 2002. لكن نسبة المشاركة المتدنية والتي لم تتجاوز 37 بالمئة تركت سيلا من الاسئلة وسط صنّاع القرار وداخل معظم قادة الاحزاب السياسية. فالمشاركة وعلى خلاف انتظارات السلطات والاحزاب مثلت انعطافة فارقة باعتبارها النسبة الاضعف في تاريخ الانتخابات المغربية. فحوالى عشرة ملايين ناخب فضلوا عدم الادلاء بأصواتهم لمصلحة 33 حزبا سياسيا تنافسوا على 325 مقعدا بالمجلس النيابي. وهو ما اعتبر من قبل المراقبين ظاهرة تلزم الدولة والأحزاب بإعادة النظر في كثير من المسلَّمات، حيث ان الامتناع  والعزوف مثّل موقفا صريحا وواضحا اتجاه العملية الانتخابية كونها لا تقدم ولا تؤخر عندما يتعلق الامر بقضايا الناس وهمومهم المتراكمة في رفوف ودهاليز مختلف الوزارات.
فمباشرة بعد ظهور النتائج وأنت تجول في شوارع الرباط العاصمة وتتحدث الى الناس تكتشف ان غالبية الناخبين ارادوا من خلال امتناعهم عن التصويت ايصال رسالة واحدة عنوانها الابرز ان المغاربة يستحقون احزابا حقيقية ولها القدرة على تنفيذ برامج تحد من التدهور الحاصل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وخاصة منهم الشباب الذين لم تعد تنطلي عليهم الشعارات الفارغة والمجردة من  المصداقية وحس المسؤولية بحسب تعبير الكثيرين.
غريمان في السياسة فشلا في تحقيق أهدافهما
من بين المفاجآت التي حملها اقتراع السابع من سبتمبر ان الحزبين اللذين ظلا يتصارعان طيلة الحملة الانتخابية لم يتمكنا من تحقيق اهدافهما وإن اختلفت. فحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية لم يتمكن من تحقيق فوز كاسح في هذه الانتخابات، على شاكلة حزب العدالة والتنمية التركي الذي حقق فوزين متتاليين، الاول في الانتخابات التشريعية والثاني عندما انتزع عبد الله غول منصب رئاسة الجمهورية، هذا مع الفارق بين التجربتين المغربية والتركية. فحزب العدالة والتنمية المغربي وبالنظر الى النتيجة التي حصل عليها وصنفته كثاني قوة سياسية في البلاد خذلته كل استطلاعات الرأي الأجنبية والمحلية، والتي رشحته لانتزاع المرتبة الأولى وبحصد أكثر من ضعف ما حصل عليه الحزب، وكشفت عنه النتائج النهائية للانتخابات التشريعية لعام 2007. ولفهم ما جرى وربما للتهدئة من هول الصدمة توالت التفسيرات من لدن قادته البارزين الذين ألقوا باللائمة على توزيع الاموال وطريقة الاقتراع واختيار الموعد الذي لم يكن موفقا بنظر حزب العدالة والتنمية لكونه جاء متزامنا مع الدخول المدرسي والاستعداد لشهر رمضان المبارك، فهذه الاسباب مجتمعة حالت دون تحقيق الحزب لمراده، وخاصة ان أمينه العام الدكتور سعد الدين العثماني لم يتردد في التأكيد على أن حزب العدالة والتنمية سيحتل المرتبة الأولى بحوالى 70 مقعدا في المجلس النيابي. ربما كان مرد ذلك للثقة الزائدة في استطلاعات الرأي ولعدم الاخذ باعتبارات متعددة تكون لها في كثير من الحالات الكلمة النهائية في الفصل في القضايا الكبرى.
لكن غريم إسلاميي العدالة والتنمية لم يكن أحسن حالا، فصدمته من نتائج الانتخابات كانت اشد مرارة. فحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يعتبر ركنا من اركان الائتلاف الحكومي السابق ادى ثمنا غاليا حينما سلبته انتخابات 2007 حوالى 12 مقعدا في المجلس النيابي وفشل بعض وزرائه في الظفر بمقعد نيابي، الى جانب رؤوس كبيرة في الحزب ظل اسمها مقرونا بالمجلس النيابي كما هو الحال مع رئيس الفريق النيابي للحزب ادريس لشكر.
فحزب الاتحاد الاشتراكي ظل طيلة الحملة الانتخابية يدافع عن الحصيلة الحكومية، وهي كانت على الاقل من وجهة نظر الفئات الفقيرة والمتضررة لم تحمل اليهم حتى رغيف خبز، فماذا عن ايقاف نزيف البطالة التي باتت تشمل حملة الشواهد العليا من دكاترة ومهندسين واطباء، وماذا عن نسب الامية في المجتمع القروي..الخ؟.
لكن مفارقات السياسة احيانا تصبح عصية على الفهم والاحاطة، حزبان حليفان، حكومة واحدة تجمعهما والاقتراع يفرقهما، حزب الاستقلال يقطف 52 مقعدا ويجني رضى الناس، بغض النظر عن نسبة المشاركة المتدنية، وحزب الاتحاد الاشتراكي يعاقب ويدفع الثمن غاليا. لعلها صورة مغايرة لا يحكمها منطق، اللهم الا من منطق الولاءات التي لا تزال مهيمنة في المجتمع المغربي حيث نجد الكثيرين يصوتون لاحزاب بعينها بغض النظر عن برامجها، كتقليد تتوارثه العائلات كما الاموال والمصالح لا فرق.
الحكومة القادمة بين الاستمرارية والتغيير
لا شيء يطغى في نقاشات النخبة السياسية على طبيعة ولون الحكومة المقبلة، وخاصة حول شخصية الوزير الاول، وهل سيكون من داخل الحزب الذي حاز المرتبة الأولى أم سيكون للمرة الثانية في عهد الملك محمد السادس من داخل عالم المال والأشغال. لا شيء يلزم الملك ما دام الفصل الرابع والعشرون من الدستور يعطي كامل الصلاحيات لملك البلاد باختيار من شاء لشغل منصب الوزير الأول.
مفاجأة الاشتراكيين كانت عقب انتخابات 2002 حينما حازوا المرتبة الأولى وعين الملك محمد السادس ادريس جطو من خارج الاحزاب السياسية على رأس الوزارة الاولى، يومها عبر حزب الاتحاد الاشتراكي عن موقف ضمّنه في بيان اعتبر فيه ان قرار تعيين الوزير الاول من خارج الاحزاب المتنافسة خروج عن المنهجية الديمقراطية، لكن مع ذلك تمكنوا من ابتلاع قسوة القرار وحافظوا على موقعهم في الائتلاف الحكومي. لكن اليوم الصورة مختلفة، فالحزب لم يحصل على نتيجة تمكنه حتى من دخول المشاورات من موقع قوة مع حلفائه فكيف بموضوع الوزارة الاولى التي لم تكن غائبة عن تطلعات حزب الاتحاد الاشتراكي. وبالرجوع الى حزب الاستقلال الذي فاز بالمرتبة الاولى فقد صرح امينه العام عباس الفاسي خلال حفل اقامه الحزب لمناسبة فوزه بأن مسألة الوزير الاول هي "من اختصاصات الملك". وقد يشرع الملك في اجراء مشاورات مع الامناء العامين للاحزاب السياسية بهدف تعيين وزير اول تعهد اليه مسؤولية اقتراح تشكيلة حكومية على الملك للحسم فيها بشكل نهائي.
العدالة والتنمية رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة
من الصعب التكهن بموقع حزب العدالة والتنمية بعدما فشل في تحصيل نتيجة قريبة من التوقعات التي رشحته لتسجيل نتيجة لافتة، فالحزب وبرغم دخوله القوي الى هذا الاستحقاق وعلى خلاف انتخابات عام 2002 التي اكتفى فيها بتغطية 56 دائرة انتخابية من اصل 91، قدم هذه المرة مرشحين في 94 دائرة انتخابية من اصل 95. بينما لم يتقدم الحزب سوى بشكل طفيف، أي بفارق 4 مقاعد جديدة على ما كان عليه الحزب في المجلس النيابي السابق.
فما هي الصورة إذاً؟
الجواب ان الخيارات جدّ محدودة، ويمكن إجمالها في سيناريوهين اثنين:
الاول هو ان الائتلاف الحكومي المشكل من خمسة احزاب وهي حزب الاستقلال 52 مقعدا، وحزب الحركة الشعبية 41 مقعدا، والتجمع الوطني للاحرار 39 مقعدا، وحزب الاتحاد الاشتراكي 38 مقعدا، واخيرا حزب التقدم والاشتراكية 17 مقعدا، بحوزتهم اغلبية مريحة ويمكن ان يعودوا ثانية الى وزاراتهم مع تغيير في المواقع، لكن السؤال الذي تتداوله العديد من الاوساط هو هل الامور تجري بهذه السلاسة وثلثا الكتلة الناخبة لم تتوجه الى صناديق الاقتراع؟ هل ما تريده الأغلبية الصامتة بتعبير الكثيرين هو الاستمرار على ذات النهج؟
الا يكون من الافضل لحزب الاتحاد الاشتراكي العودة الى المعارضة لاعادة بناء أداته الحزبية؟ سؤال طرحه اعضاء من داخل الحزب وليس من خارجه، في وقت تعرب فيه قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي انها باقية الى جانب حلفائها في الكتلة الديمقراطية التي تضم كلاً من حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية.
لذا يمكن القول ان الحكومة المقبلة لا تسع حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي، ليس فقط لأنهما على طرفي نقيض، فالسياسة كما فيها ثوابت وهي قليلة مع فساد النخبة، فيها متغيرات تمليها الحاجة الوطنية كما تمليها المصالح الحزبية، لكن ما مصير ساحة المعارضة في حالة ما اذا زج بالعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي في الحكومة؟
حتماً ستعاني من فراغ رهيب لن يساهم بإنقاد الممارسة السياسية واخراجها من ترهلها، وهذا ما عكسته نتائج الاقتراع ونسبة المشاركة المتدنية. هذا الى جانب التخوف من استغلال الفراغ من طرف قوى وجماعات لا تؤمن اصلا بالعملية السياسية.
الحكومة المقبلة قد تستمر بشكلها السابق مع تغييرات طفيفة في الشكل وليس في المضمون، اي ان حزب الاتحاد الاشتراكي سيكون من بين الاحزاب المشكلة لها، وهنا يصبح حزب العدالة والتنمية في المعارضة، واما ان يختار حزب الاتحاد الاشتراكي عدم المشاركة في الحكومة وهنا قد يتحالف حزب الاستقلال والعدالة والتنمية واحزاب اليمين السياسي ويشكلون حكومة قد تكون متجانسة اكثر مما كانت عليه في السابق. وتكون الفرصة امام الاشتراكيين لجمع شملهم ومعالجة ظاهرة باتت طاغية على المشهد السياسي المغربي وهي ظاهرة الانقسام والانشقاق عند اول خلاف سياسي. وبهذا قد يضمن المغاربة استحقاقا لعام 2012 بطعم السياسة والاختيارات والبرامج وليس بطعم الولاءات والمصالح الفئوية الضيقة. 
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007

2007-09-14