ارشيف من : 2005-2008
تقرير كروكر ـ بيترايوس... إقرار ناقص بحقائق الواقع على الأرض
العلاقات الخارجية والقوات المسلحة قدم فيها كل من السفير الأميركي في بغداد رايان كروكر، وقائد القوات المتعددة الجنسيات الجنرال ديفيد بترايوس تقريرهما بخصوص العراق والذي على ضوئه ستتحدد اتجاهات ومسارات تعاطي الادارة الاميركية مع الشأن العراقي.
واشار كل من كروكر وبترايوس في سياق عرضهما المسهب عن التقرير الى انه من الممكن للولايات المتحدة رؤية أهدافها تتحقق، وأن الأهداف العسكرية لاستراتيجية زيادة عديد القوات (أو ما يطلق عليه بالطفرة) التي اتبعتها حكومة الرئيس بوش في الربيع المنصرم يتم تحقيقها بصورة عامة. وحذرا من تقليص أو التخلي عن الجهود الأميركية في العراق، لان ذلك سيفضي الى الفشل!.
ولعل من ابرز المسائل التي تضمنها تقرير كروكر ـ بترايوس هي:
-أن قادة العراق لديهم الإرادة لمعالجة مشاكل البلاد الملحة، برغم أن ذلك سيقتضي وقتا أطول مما توقعنا في الأصل بسبب البيئة وخطورة القضايا التي تواجههم، وإن رئيس الوزراء نوري المالكي والقادة العراقيين الاخرين يواجهون عقبات هائلة في جهودهم لمعالجة المشاكل والازمات.
- هناك مشاركة دولية وإقليمية واسعة مع العراق. ففي شهر آب/ أغسطس الماضي، منح مجلس الأمن الدولي، بطلب من العراق، بعثة منظمة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق انتدابا موسعا. وعمل الميثاق الدولي مع العراق يسير إلى الأمام، ويرأسه بصورة مشتركة العراق والأمم المتحدة، وقد تعهدت أربع وسبعون دولة بدعم إصلاحات العراق الاقتصادية في مؤتمر وزاري عقد في العاشر من شهر أيار/ مايو الماضي، وأعلنت الأمم المتحدة حدوث تقدم في 75% من المجالات الأربعمئة التي حددها العراق ليجري الإصلاح فيها. وسيرأس رئيس الوزراء العراقي والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا العام اجتماعا على مستوى وزاري في نيويورك لمناقشة مزيد من التقدم بموجب الميثاق، وكيف يمكن تنفيذ قرار مجلس الأمن المرقم 1770 بصورة فعالة.
- كان التقدم الامني في محافظة الأنبار رائعا. فقبل ستة أشهر، كان العنف واسع الانتشار، وقواتنا كانت معرضة لهجمات يومية، وكان العراقيون يرتجفون من تهديدات القاعدة، غير أن الاخيرة بالغت بالتدخل في الأنبار وبدأ اهالي هذه المحافظة برفض اعمالها ـ سواء بقطعها رؤوس أطفال المدارس أو قطعها أصابع الأشخاص كعقاب على التدخين ـ وقد أدركت العشائر أن بإمكان قوات التحالف أن تساعد على طرد القاعدة، وبدأت تقاتل معنا، وليس ضدنا، وكان من نتيجة ذلك أن تغير المشهد في الأنبار تغيرا دراماتيكيا".
- لا نستطيع أن نضمن النجاح في العراق. لكننا نعتقد، بأنه قابل للتحقيق. ونحن واثقون من أن التخلي عن جهودنا أو الحد منها بصورة صارمة سيجلب الفشل.
- إننا سنسعى لإيجاد طرق إضافية لشل التدخل الاقليمي وتعزيز الدعم الاقليمي والدولي، وسنساعد العراقيين على تعزيز التطورات الإيجابية التي حدثت على المستويات المحلية وتواصلها مع الحكومة الوطنية.
ولعله بدا واضحا ان السفير كروكر والجنرال بترايوس حاولا جهد امكانهما اظهار صورة ايجابية للوضع في العراق، وبالتالي اظهار ان السياسات والاستراتيجيات التي تم اتباعها من قبل ادارة الرئيس جورج دبليو بوش كانت صائبة الى حد كبير، واذا كانت قد حصلت اخطاء وبانت نقاط خلل وهفوات وثغرات، فذلك امر طبيعي في خضم واقع معقد وشائك يعيشه بلد مثل العراق.
ولا شك ان النقاط الانفة الذكر هي جزء صغير من تقرير مطول يتضمن تفاصيل وجزئيات كثيرة، ولكن ما هو واضح وجلي ان التقرير يتضمن اشارات غير قليلة الى جوانب اخفاق وفشل لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، واستحقاقات باهظة وصعبة، كذلك تستبطن بعض عبارات وفقراته تخويفا من اطراف اقليمية كإيران وسوريا وحتى حزب الله اللبناني.
فهناك فقرة في التقرير جاء فيها "ان تبعات الفشل في العراق يجب أن تكون مفهومة بوضوح، اذ إن عراقا يقع في فوضى أو حرب أهلية سيعني معاناة بشرية هائلة تتجاوز بكثير ما حدث حتى الآن داخل حدود العراق، إنه يمكن أن يستدعي تدخل دول إقليمية، ترى كلها أن مستقبلها متصل بمستقبل العراق بصورة أساسية، ولا ريب في أن إيران ستكون رابحة في مثل هذا الوضع، معززة تأثيرها على موارد العراق وربما أرضه. وقد سبق للرئيس الإيراني أن أعلن بأن إيران ستملأ أي فراغ في العراق، وفي مثل هذا الوضع، فإن المكاسب المحققة ضد القاعدة وجماعات متطرفة أخرى يمكن أن تتبخر بسهولة ويمكنها أن تنشئ قواعد لتستخدم كملاذات آمنة للقيام بعمليات إقليمية ودولية".
وكذلك هناك اشارة الى انه من بين الانجازات التي تحققت هي نجاح القوات الاميركية "بتعطيل المتطرفين الشيعة وأسر بعض من كبار قادة الميليشيات، وايضا عناصر من حزب الله وعناصر من ايران في العراق". ومن بين التحديات التي تواجه واشنطن في العراق هي "اعمال من قبل سوريا ومن قبل ايران تغذي العنف".
وهذا التخويف يراد منه التخفيف من حدة المواقف المتشددة للديمقراطيين الذين يشكلون اغلبية اعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وبعض الجمهوريين المعارضين والمستائين من سياسات الرئيس جورج بوش.
لكن يبقى الامر المهم الذي ينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار هو ان هذا التقرير لا يمثل في كل الاحوال وصفة سحرية لتخليص الادارة الاميركية الحالية من وضعها الحرج في العراق، ولا للمشكلات والأزمات العراقية التي تزيد من حدة الضغوط على الحكومة العراقية، التي باتت تبدو وكأنها ورقة سياسية يوظف المتصارعون في واشنطن أخطاءها وسلبياتها، بل ومجمل سلبيات الوضع العراقي في إطار التنافس السياسي على عرش البيت الأبيض، علما أن الكثير من هذه الأخطاء وربما الغالبية العظمى منها هي نتيجة لسياسة الاحتلال وتدخله المباشر ومنعه الحكومة العراقية من القيام بما تقتضيه مصلحة العراق وأبنائه وهذا ما يدركه ـ أو ينبغي أن يدركه ـ المعنيون بشؤون العراق في بغداد.
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018