ارشيف من : 2005-2008

ما بعد "اختراق" المقاتلات الإسرائيلية الأجواء السورية : "إسرائيل" تترقب الرد ونقل الكرة إلى ملعبها

ما بعد "اختراق" المقاتلات الإسرائيلية الأجواء السورية : "إسرائيل" تترقب الرد ونقل الكرة إلى ملعبها

سواء كان خرقا للأجواء السورية قامت به المقاتلات الإسرائيلية، أو كان غير ذلك.‏

الحديث الاسرائيلي، يتطور يوما بعد يوم، وفقا للمؤشرات الواردة من الخارج في ظل الصمت الرسمي الاسرائيلي واطباق الرقابة العسكرية على الاعلاميين الاسرائيليين، بل ايضا على السياسيين والعسكريين. ويتمركز البحث ايضا بعد اكثر من اسبوع على الحادثة، تجاوزا لماهيتها، في الرد السوري المتوقع اسرائيليا، مع تقدير للجيش الاسرائيلي تسرب اخيرا للاعلام، بحسب ما ينقل المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل، ان سوريا معنية بالرد دون ايصال الوضع الى حرب شاملة، ولديها لتحقيق ذلك الكثير من الاوراق.‏

ابتداء، يمكن القول انه ولغاية بدء الرد او الردود السورية المتوقعة اسرائيليا، حقق الاسرائيلي بعض المسائل من خلال الخرق الجوي فوق شمال سوريا، سواء كان استطلاعيا وهو المستبعد، او انه هجوم وهو الاقرب اذا ما جرى اجمال للمعطيات والمؤشرات الواردة في الاعلام الاسرائيلي وطريقة تعاطيه مع المسألة، او تلك الواردة في الاعلام الدولي وتحديدا ما اوردته محطة "سي ان ان" الاميركية. يمكن القول ان اسرائيل حققت، مبدئيا، جملة من النتائج المصاحبة لاصل "الضربة" واستهدافاتها الخاصة بها:‏

من بين ما يمكن الحديث عنه اولا، كنتائج ظاهرة للعدوان، رسالة اسرائيلية مفادها ان للدولة العبرية القدرة على الوصول الى اهداف سورية والعمل داخل العمق السوري، حتى مع ما يمكن ان ينتجه هذا العدوان من رد فعل سوري يؤدي بدوره الى مواجهة عسكرية، برغم ان الحديث الاسرائيلي ان سوريا غير معنية بحرب شاملة.‏

بمعنى آخر، ارادت اسرائيل ان ترمم ردعها المنهك، وتظهر للسوريين ان قدرتها على اتخاذ القرارات، وإن كانت محفوفة بالمخاطر، ما زالت على حالها برغم القيود المفروضة على متخذي القرارات، نتيجة الفشل العسكري في لبنان في العام الماضي.‏

ايضا، يخدم العدوان الاسرائيلي على سوريا، ودوما من نواح أولية، صورة رئيس حكومة اسرائيل ايهود اولمرت باتجاه تحسينها، اذ لديه صورة متداعية امام شعبه تصر عليها استطلاعات الرأي المتكررة، كما ان للعدوان ان يخدم صورة وزير الحرب ايهود باراك، الذي يسعى بدوره الى تكوين صورة جديدة له امام الجمهور الاسرائيلي، تمكنه من قيادة حزب العمل كزعيم قوي وقادر على منافسة رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو على رئاسة الحكومة المقبلة، في حال اجراء الانتخابات للكنيست. مع الاشارة الى ان الاستثمار الشخصي للعدوان لم يستكمل الى نهايته بعد، ما دام ان المصلحة الامنية الاسرائيلية، كما يشير المعلقون الاسرائيليون في ظل الصمت الاسرائيلي، تمنعهما من الكشف عنه وعن تفاصيله.. بانتظار الهدوء المرتقب بعد حين.‏

كما ان للعدوان استخداما داخليا ضروريا في ظل تداعي وتراجع الثقة بالمؤسسة العسكرية الاسرائيلية وبقدرتها على الدفاع عن الاسرائيليين، اذ ان الفشل العسكري في لبنان في تموز/ يوليو 2006، يلقي بتداعياته السلبية على كل من الجيش والجمهور الاسرائيلي على حد سواء، ويكفي مراجعة استطلاعات الرأي التي تعيد تكرار نتائجها المظهرة لفقدان الثقة.‏

الفوائد الثلاث المذكورة انفا، بالطبع، مرهونة بالقرار السوري وكيفية الرد، الذي ترتقبه اسرائيل، اذ ان رد الفعل او ردود الفعل، كما اشار نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، يعيد خلط الاوراق من جديد ويصعّب على المسؤولين الاسرائيليين، وتحديدا اولمرت وباراك، مواصلة اكتساب الفوائد المرجوة من الخرق الجوي فوق سوريا. بل يمكنه، ان يستبدلها بأضرار قد لا ينجوان منها. سواء ادى الرد الى مواجهة محدودة او شاملة، او الى ابتلاع اسرائيل للرد وامتناعها عن الرد بدورها.‏

في مقاربة اخرى، وضرورية ايضا، يتوجب القول انه يصعب على المتابع للشأن الاسرائيلي ان يقفز فوق جملة من الحقائق الموضوعية التي سبقت وواكبت العدوان، اضافة الى حقائق اخرى لاحقة عليه. وكلها تشير الى ان الفعل العسكري الاسرائيلي يتجاوز ما اعلن عنه، باتجاه واقع اكبر بكثير من المتوقع الاعتيادي:‏

* الصمت الاسرائيلي الرسمي، المبالغ فيه، والذي لا يتناسب مع فعل عسكري محصور بمجرد طلعة جوية فوق الاراضي السورية، وحتى ضربة رمزية لهدف عسكري او غير عسكري سوري.‏

* الاداء الاعلامي الاسرائيلي وانقضاض الرقابة العسكرية عليه ومنعه من التطرق مباشرة لماهية العدوان واستهدافاته، بل منع السياسيين والعسكريين ايضا.‏

* تفنن المعلقين العسكريين والسياسيين الاسرائيليين في ارسال رسائل التلميح غير المباشرة بأن الحادثة تتجاوز المعلن عنه، باتجاه امر كبير جدا.‏

* اصرار وسائل الاعلام الاسرائيلية على مواصلة تغطيتها للخرق، برغم فقدانها الادوات الاسرائيلية المساعدة على مواصلة هذه التغطية، وسط اصرار المسؤولين الاسرائيليين، سواء السياسيون او العسكريون، على التزام الصمت.‏

* تشكيل "مطبخ سياسي مصغر" في اسرائيل مقتصر على رئيس الحكومة ووزير الحرب ووزيرة الخارجية، لمعالجة قضايا امنية وسياسية عاجلة، وعدم توسيعه كي لا يجري تسريب قراراته واستهدافاته منعا من الاضرار بالمصلحة الاسرائيلية، الامر الذي يشير إلى أن التداعيات المحتملة اسرائيليا ستكون كبيرة او كبيرة جدا.‏

على اي حال، استجماع المؤشرات يفيد ان الفعل العسكري الاسرائيلي يتجاوز الاعتيادي الى ما هو اكبر، ويفيد ايضا بأن الاسرائيلي في حالة ترقب لرد سوري ما، لا يتوقعون ان يكون عاديا بدوره، سواء قامت سوريا بنفسها في الرد او "عبر وكلاء"، كما يشيع اكثر من معلق ومحلل اسرائيلي في الايام الاخيرة. ما يعني، في هذه الحالة، نقل الكرة الى الملعب الاسرائيلي، الذي يستتبع قراءة خاصة اخرى.‏

يحيى دبوق‏

الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007‏

2007-09-14