ارشيف من : 2005-2008
الصوم في الإسلام ومعناه : قال الله تعالى في كتابه الكريم
وتعالى لعباده وجوب واحدة من أهم الفرائض التي بُني عليها الإسلام وهي "الصوم" الذي به يجمع الإنسان بين الكمال الفردي والاجتماعي والروحي، فضلاً عن الكمال الجسماني، باعتبار أنه تربية روحية وبدنية.
ولا يحتاج شهر رمضان الكريم إلى بيان فضيلته وأهميته وشرفه إذ يكفيه أنه الشهر الوحيد الذي ذكر الله تبارك وتعالى اسمه في كتابه الكريم ووصفه بأنه الظرف الزماني لنزول القرآن المجيد، الذي هو من أعظم العطايا الإلهية للمجتمع البشري.
ولعل بسبب هذه الفضيلة وصفت بعض الأحاديث الشريفة هذا الشهر بأنه "رأس السنة".
فعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "شهر رمضان رأس السنة".
واستناداً إلى ذلك صرّح بعض الأعاظم كالسيد ابن طاووس بكونه أول السنة العبادية.
ولا يتطرق الشك بحالٍ من الأحوال إلى المكانة الخاصة التي تحظى بها فريضة الصوم في الشهر المبارك وحتى في غيره من الشهور، والأهمية التي له في الشريعة الاسلامية وعند علماء الإسلام، فثوابه وأجره وخصائصه ومميزاته وفضائله أكثر من أن تعدّ وتحصى وفقاً لما ورد من روايات وأحاديث في هذا المجال، وانطلاقاً من ضرورة الإحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بفريضة الصوم نرى أنه من الضروري تسليط الضوء على بعض المفردات للتعريف بمعنى الصوم ولو بشكلٍ شبه اجمالي.
الصوم بين اللغة والشرع:
تدل مادة (ص و م) على السكوت والإمساك، وتستعمل في الجماد والحيوان والإنسان.
قال الراغب في المفردات: "الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل كان أو كلاماً أو مشياً، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف صائم.. وقيل للريح الراكدة صوم، ولاستواء النهار صوم، تصوراً لوقوف الشمس في كبد السماء". ثم قال: "والصوم في الشرع إمساك المكلف بالنسبة من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء والاستقاء، وقوله تعالى: "إني نذرت للرحمن صوماً" فقد قيل عنى به الإمساك عن الكلام بدلالة قوله تعالى: "فلن أكلّم اليوم إنسيا".
وقال ابن منظور:
"الصوم في اللغة الإمساك عن الشيء والترك له، وقيل للصائم صام لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح، وقيل للصامت صائم لإمساكه عن الكلام، وقيل للفرس صائم لإمساكه عن العلف مع قيامه، والصوم: ترك الأكل".
وبهذا المعنى اللغوي جُعلت مادة الصوم مورداً للاستعمال الشرعي مع زيادة شروط وقيود كما هو دأب الشارع في جميع موضوعات أحكامه كالصلاة والزكاة والحج والبيع ونحو ذلك، وبذلك لا يخرج المعنى الشرعي للصوم عن المعنى اللغوي.
معنى رمضان:
في قوله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان"
قال الراغب الأصفهاني في مادة (شهر):
شهر: الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءاً من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة، قال تعالى: "شهر رمضان ـ فمن شهد منكم الشهر ـ الحج أشهر معلومات، إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً ـ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر"، والمشاهرة المعاملة بالشهور، وأشهرت بالمكان أقمت به شهراً.
ومادة (شهر) تأتي بمعنى الظهور، ويسمى الشهر شهراً لظهوره، وهو جزء من اثني عشر جزءاً التي تحصل في دوران الأرض حول الشمس سواء عدت بالأهلة أو بغيرها، وجمعه في القلّة أشهر وفي الكثرة شهور، وقد ورد في القرآن مفرداً وجمعاً في موارد كثيرة.
وأضاف الباري تعالى شأنه الشهر اليه، لأن رمضان على ما وردت به الرواية من الفريقين اسم من أسماء الله تعالى، تنبيهاً على عظيم قدره وجليل خطره حيث ضمّنه فضيلة الانتساب المشعرة بفضيلة الذات.
سبب التسمية:
بالإضافة إلى ما تقدم قيل في سبب تسمية هذا الشهر بهذا الاسم وجوه عديدة أهمها:
أحدها:أنه اسم من أسماء الله تعالى وعلى هذا المعنى شهر رمضان شهر الله (كما تقدم).
الثاني: أنه مأخوذ من الرمض ـ بتسكين الميم ـ وهو حرّ الحجارة من شدّة الشمس، فسميّ هذا الشهر رمضان، لأن حدوث هذه التسمية (أي رمضان) كان في شدّة الحر، ووجوب صومه صادف شدة الحر.
الثالث: أنه علم للشهر كرجب وشعبان ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون.
الرابع: أنه مأخوذ من الرميض وهو السحاب والمطر ما كان في آخر القيظ وأول الخريف، فسمي رميضاً لأنه يدرأ سخونة الشمس، فسمي هذا الشهر رمضان لأنه يغسل الأبدان من الذنوب والآثام ويسقطها عن الصائمين، وبهذا المضمون حديث عن النبي (ص) يقول فيه: "إنما سمي رمضان، لأنه يرمض ذنوب عباد الله".
الخامس: أنه من قولهم: رمضت النص أرمضه رمضاً، إذا دققته بين حجرين برق، فسميّ هذا شهر رمضان، لأنهم كانوا في الجاهلية يرمضون أسلحتهم فيه ليقضوا أوطارهم منها في شوال قبل مجيء الأشهر الحرم، وعليه فهذا الاسم جاهلي وعلى ما سبقه من تفسيرات يكون إسلامياً وقبل الإسلام لا يكون له هذا الاسم.
والذي يجمع هذه التفسيرات كلها: أنه عزّ وجل يسقط ذنوب عباده ويغفر لمن يشاء، ويشهد له ما في بعض الأخبار والمرويات أنه شهر الله تعالى.
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018