ارشيف من : 2005-2008
الأمر بالطاعات في خطبة الرسول (ص) في استقبال شهر رمضان وذكر مثوبتها
تعالى من خلالها، ويفوز بنواله الذي لا يخيب من ناله. وتتزاحم العناوين الواردة في هذه الخطبة المباركة في أهميتها وتنوعها، حيث فيها ما هو مختص بالعلاقة بين العبد ومولاه كتربية النفس وتهذيبها وحثها على فعل الطاعات واجتناب المحرمات والإتيان بالمستحبات، وفيها ما هو متعلق بما بين المرء وأخيه في الدين أو الإنسانية، كتفطير الصائم والتحنن على الأيتام ورحمة الصغار. وكلا الأمرين له أهميته التي تتكامل مع الأخرى لتشكل بمجموعها أداة تعمل على صقل شخصية الإنسان المؤمن الذي يمتثل فعل الطاعات على تنوعها، وينأى بنفسه عن الموبقات التي حرمها الله تعالى في كل يوم من أيام الحياة، وخاصة في أيام شهر رمضان المبارك. وما يلفت الانتباه في هذه الخطبة المباركة التي رُويت بسند معتبر عن الإمام علي الرضا (ع) عن آبائه (ع) وصولاً الى أمير المؤمنين علي (ع)، هو استعمال فعل الأمر المباشر في بعض الفقرات، ثم ذكر مثوبة الفعل نفسه لدى تحققه في فقرات أخرى، مثل: "وتحننوا على أيتام الناس يُتحنن على أيتامكم" في الفقرة الأولى، "ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه" في الفقرة الرابعة.. واقتصار بعض الأفعال على فعل الأمر فقط من دون ذكر المثوبة في الفقرة التالية مثل: "واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر اليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع اليه أسماعكم".. أو ذكر المثوبة على الفعل من دون الأمر المباشر بها مثل: "ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه".
إذاً، ومن هذا التقسيم الموضوعي تتبين لنا الخلاصة التالية:
ـ هناك أمر بفعل أو نهي عنه، مع ذكر مثوبته لاحقاً.
ـ هناك أمر بفعل أو نهي عنه، مع عدم ذكر المثوبة لاحقاً.
ـ هناك ذكر للمثوبة من دون الأمر المباشر بالفعل أو النهي عنه.
وعليه، فإنه بعد التمعن في الخطبة يتبين أن المسائل التي أمر بها الرسول (ص) ثم ذكر مثوبتها أو نتيجتها لاحقاً، سواء باللفظ المباشر أو بما يؤدي المعنى نفسه، هي جزء من مجموع هذه الطاعات التي ينبغي التركيز عليها، بدلالة التكرار للفعل المطلوب تحقيقه لاشتراكه في الحالتين: الأولى (فعل الأمر) والثالثة (ذكر المثوبة)، ما يفيد تأكيد هذه الطاعات، مع التسليم بأهمية ما ورد جميعاً ومن دون المفاضلة بين طاعة وأخرى، ومنها:
الصيام وتلاوة كتاب الله عز وجل.
الأمر:
"فسلوا الله بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه" (الأمر هو بالدعاء للتوفيق لأداء فريضة الصيام وتلاوة الكتاب الكريم).
المثوبة:
(ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور.. ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور).
التحنن على اليتيم وإكرامه.
الأمر:
"وتحننوا على أيتام الناس يُتحنن على أيتامكم".
المثوبة:
(ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه).
صلة الرحم.
الأمر:
"وصلوا أرحامكم".
المثوبة:
(ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه).
وقد ينطبق ذلك ضمناً (الأمر وذكر المثوبة) على عدد آخر من العناوين التي وردت في الخطبة الشريفة، لانطباق بعض المصاديق التي ذكرت مثوبتها على الفعل المأمور به أولاً، مثل: "وارفعوا اليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم"، (ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار).
إن خطبة الرسول (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك التي بدأها بقوله: "أيها الناس إنه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات"، وختمها بقوله: "أيها الناس إن أبواب الجنان مفتحة فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فسلوا الله ربكم أن لا يفتحها عليكم"، إن هذه الخطبة المباركة مع ما بين افتتاحتها وخاتمتها من مضامين أخلاقية وتربوية واجتماعية، لجديرة بالقراءة والتطبيق معاً.
عدنان حمّود
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018