ارشيف من : 2005-2008
صونوا دينكم بالورع
أفضل الأعمال في هذا الشهر يا رسول الله؟ فأجاب النبي (ص): "أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله". فما هو "الورع"؟ وكيف اكتسب أفضليته على سائر الاعمال مما امر به الله تعالى من بر وإحسان وجهاد وسواها، فضلاً عن الفرائض من صلاة وزكاة وصوم وحج، وهي بعينها أركان الدين كما في حديث عن الصادق (ع).
الورع في معناه الديني هو: "اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات". ويعبّر بعض العلماء عنه بقولهم: "ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس"، أو القول: "الورع كف النفس عن ارتكاب ما تكره عاقبته".
وقد بيّن رسول الله (ص) ذلك بقوله: "إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهاتِ فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل مُلك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، فراعوا المشتبهات". وفي السياق نفسه جاء عنه (ص): "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
وعن أبي عبد الله (ع): "الورع الوقوف عند الشبهة". وعنه في هذا الصدد أيضاً: "وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه". وعن أمير المؤمنين (ع): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة".
وهنا تحسن الإشارة إلى أن الورع غير التقوى، وقد خلط الناس كثيراً بينهما حتى حسبوهما شيئاً واحداً، وجعلوا كلمة "الورع" مرادفة لكلمة "التقوى" ومساوية لها في المعنى.. إلا أنهما ليسا شيئا واحداً، فالورع هو ترك "الشبهات"، والشبهات هي الأمور التي نجهل حكمها، حلال هي أم حرام.. بينما التقوى ترك "المحرمات" المعروفة لنا. لكن العلاقة بينهما شديدة الوثاقة، وقد حدّدها أمير المؤمنين (ع) بقوله: "الورع أساس التقوى". وبيّن هذا المعنى ما جاء في قول رسول الله (ص): "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس".
فالمؤمن الورِع يتحرج من الأمور التي لم يتضح فيها حكم الله، فيتوقف ويحتاط ويتجنب ويتقي ويبتعد، فيسلم من إثم مظنون في مأكل او مشرب او ملبس او مسكن او مكسب، فلا يهجم على شيء من ذلك قبل ان يسأل ويتأكد حتى يطمئن، صيانة لدينه وتثبيتاً لإيمانه.
وهذا ما أكّده أمير المؤمنين (ع) حيث قال: "عماد الدين الورع، وفساده الطمع".
وحين سئل (ع): ما ثبات الايمان؟ قال: "الورع".
وعنه (ع) أيضاً: "ثمرة الورع صلاح النفس والدين".
وقد كان من وصايا الإمام جعفر الصادق (ع) قوله: "اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع".
وعن الإمام زين العابدين (ع): "الورع نظام العبادة، فإذا انقطع ذهبت الديانة، كما إذا انقطع السلك اتبعه النظام".
وفي وصية للإمام الصادق عليه السلام يقول فيها لأحد أصحابه: "أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه".. لأن "الورع هو أشد العبادة"، كما قال الإمام الباقر (ع).. "ومن كان ورعاً كان أعبد الناس"، كما جاء عن رسول الله (ص).
وقد ناجى الله تعالى موسى عليه السلام فقال: "يا موسى أبلغ قومك أنه ما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع عن محارمي".
إذا عرفنا كل ذلك مما ورد عن أهل بيت النبوة والعصمة في الورع، أمكننا أن نعرف لماذا كان "الورع عن محارم الله" أفضل الأعمال، بما في ذلك الفرائض العبادية.
إن الفضائل العظيمة التي وضعها الله تعالى إزاء هذه العبادات والثواب الجزيل الذي كتبه لكل متعبّد بها، كل ذلك لا ينال إلا مع الورع. فعن رسول الله (ص) قال: "لو صليتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا، لم يقبل الله منكم إلا بورع".
يقول الله تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" "العنكبوت/ 45".. وجاء في الحديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً".. وفي حديث آخر: "من اغتاب مؤمنا أو مؤمنة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوما".
وفي الصيام قال رسول الله (ص) لجابر بن عبد الله "رض": "يا جابر، هذا شهر رمضان، من صام نهاره وقام وردا من ليله وعفّ بطنه وفرجه وكف لسانه، خرج من الذنوب كخروجه من الشهر". فقال جابر: يا رسول الله، ما أحسن هذا الحديث! فقال (ص): "يا جابر، وما أشد هذه الشروط"!
وجاء عن أمير المؤمنين (ع): "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء".
وهكذا سائر العبادات مثل تلاوة القرآن وذكر الله تعالى وسواهما، فإن قيمة كل منها تكون بمقدار ما تحققه في نفس المؤمن من ورع.
من هنا كان "الورع" أفضل الأعمال.
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018