ارشيف من : 2005-2008

شهر الحرية

شهر الحرية
شهر رمضان المبارك هو شهر الأحرار الذين ينزعون فطرياً نحو الحرية ويكرهون الذل والتبعية والانصياع لغير الله تبارك وتعالى. لماذا؟ لقائلٍ أن يقول لأن العبودية لله تعالى بمعناها الحقيقي تنفي عبودية غيره، وترفض كل متعلق دون وجهه الكريم، وهذا الرفض ليس كلاماً يقال وشعاراً يرفع، إنه بحاجة إلى ممارسة وعيش وسير وسلوك يتدرب الإنسان فيه على الاستغناء والزهد عما في أيدي الخلائق على قاعدة أنهم عبيد لله مثله، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولعل أكثر ممارسة للاستغناء والعيش بحد الكفاف هي تلك الحالة التي يستغني فيها الإنسان عن طعامه وشرابه وهما أكثر الحاجات تمكناً من النفس البشرية وإلحاحاً عليها.
فشهر رمضان هو شهر العبودية لله فحسب، والعبودية لله تصقل النفس بالكمالات الخلقية وتعرج بها إلى مراقي ومراتب الفلاح والعمل البنّاء في طاعة الله ولأجل مرضاته حصراً، والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تؤكد هذا المعنى بل ويذهب بعضها إلى أن الله تعالى لا يقبل أي عمل إذا كانت النية والقصد فيه بالشراكة بينه وبين سواه، إنه النفي المطلق لما هو سوى لله طاعة وارتهاناً وعبودية وحباً.
يأتي شهر رمضان المبارك بجوعه وعطشه ليجلو صدأ القلوب مما راكمته الذنوب، يشعر الإنسان به وحده لا شريك له ليجد في كنفه الأمن والأمان والاستقرار والراحة الكاملة. كأن المؤمن الصائم محصن وملقح ضد الذنوب، فإذا ما دهمته لا تؤثر به لأنه يعبد الله حتى بقوت يومه، فهو يجوع ويعطش ابتغاء وجهه الكريم، إنه يعيش حالة عبادة مستمرة سواء أكان في المسجد أو في المدرسة أو في المصنع أو الحقل أو المختبر، إنه في حالة عبادة حتى ولو كان مضطجعاً في سريره أو في سيارته.
يقلّص الصيام لحظات الضعف الإنساني اتجاه الغرائز بتعزيزه فضيلة الصبر في النفس البشرية، فمن لا صبر له لا إيمان له، ومن لا حرية له لا دين له.
حسن نعيم
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
2007-09-14