ارشيف من : 2005-2008

الطريق إلى الاستحقاق الرئاسي مليء بالحفر والمطبات السياسية

الطريق إلى الاستحقاق الرئاسي مليء بالحفر والمطبات السياسية

"نحن لا نتدخل في الاستحقاق الرئاسي.. القرار في يد اللبنانيين أنفسهم.. نتمنى أن يتوصل اللبنانيون إلى خيار موحّد حول رئيس توافقي.. نأمل أن تجري الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية.. ليس أمام اللبنانيين سوى الحوار للتوافق وإيجاد الحل"..
هذه المواقف ـ التمنيات ترددت ولا تزال على ألسنة الدبلوماسيين العرب وغير العرب من أصحاب التمثيل والتأثير في لبنان، وهم يقولونها برومانسية سياسية مفرطة في الظاهر، وبحدة شديدة في الاتصالات عبر الهاتف أو عبر الوسائل الإلكترونية، وفي الصالونات المغلقة واللقاءات الخاصة وفي النقاشات التي تجري وجهاً لوجه، أو في الاجتماعات المنقولة مباشرة عبر شبكة الانترنت صوتاً وصورة.
وفي موازاة ذلك تزداد الساحة الانتخابية رسوخاً على مستوى الترشيح والتصريح، عبر التشبث بالمواقف المضمرة منها والمعلنة، وتأكيد التمسك بمعطيات وثوابت تصب في مصلحة الوطن والوطن أولاً، في حين تبرز الممارسات الميدانية بشكل وبآخر، ارتباط الاستحقاق الرئاسي بمعادلات خارجية وتسويات إقليمية ودولية، تضع لبنان ضمن خارطة التحوّلات الراهنة والمستقبلية، وتترجم مواقع التأثير ولو بنسب متفاوتة الحجم والامتداد واختلاف الأهداف والتطلعات.
توزع عوامل التأثير في خارطة الملف الرئاسي تضع العنصر الأميركي في طليعة العناصر التي تضغط بقوة على الساحة اللبنانية لفرض أجندة تتجاوز ببنودها الملف الداخلي باتجاه ربط لبنان بالمنطقة وتفاعلاتها، والتزامه بميزان حرارة التطوّرات الجارية في كل من فلسطين والعراق، وحبال الشد بين واشنطن وكل من سوريا وإيران. ولعل المعضلة التي تواجه الادارة الأميركية هي في كيفية ترجمة معادلة "الرئيس التوافقي"، فلا بد لهذا الرئيس من أن يرضي طرفي الموالاة والمعارضة، وهو ما قد لا توافق عليه الادارة الأميركية التي تعارض بشراسة رئيساً قريباً من حزب الله أو متعاوناً معه، ويؤمن بمشروع المقاومة من منطلق حاجة لبنان إلى قوة قادرة على الدفاع عنه إلى جانب الجيش اللبناني في مواجهة التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية. ولا ينفصل هذا الاتجاه عن المصلحة الإسرائيلية التي تعمل على إبقاء لبنان في حالة عدم استقرار، خاصة بعد الانتصار الإلهي والاستراتيجي في عدوان تموز.

واشنطن لرئيس بالحد الأدنى
ومن هذا المنطلق يمكن فهم التردد والمماطلة التي تمارسها الادارة الأميركية على صعيد حسم الموقف بما لا يسمح بالاجتهاد والتأويل من الاستحقاق الرئاسي، وهي لذلك فتحت المجال أمام فرنسا وتالياً الفاتيكان لأخذ دور لإيجاد حل للأزمة، وذلك بهدف كسب الوقت وصولاً إلى الأيام العشرة الأخيرة من الموعد الدستوري للانتخاب. وهي بذلك أيضاً تحتفظ لنفسها بأهلية الموافقة أو النقاش في أي صيغة مقترحة، وفي حال تعارض مشروع الحل مع مصالحها في لبنان يمكنها أخذ زمام المبادرة وإعلان فشل المسعى الأوروبي، وطرح نفسها مرجعا نهائيا للحل. ويبدو أن هذا الحل الذي يسوّق له بعض أقطاب الموالاة قد يتمثل في عقد جلسة لنواب السلطة بنصاب النصف زائداً واحداً، أو أقل من ذلك، سواء داخل لبنان إذا أمكن أو خارجه إذا تعذّر ذلك، لانتخاب موظف يرتدي سمة رئيس، دون الالتفات إلى الانعكاسات المدمّرة على لبنان، ما دام ذلك ينسجم مع سياسة الفوضى الأميركية "البنّاءة".
فرنسا والدور المنشود
وفي ظل هذه الظروف يأتي العنصر الفرنسي المستجد بقوة مع ارتداء باريس ثوباً دبلوماسياً خارجياً تخطى المدارس التقليدية السابقة في تناول القضايا الداخلية والخارجية، وشكّل الاستحقاق الرئاسي كعنوان للأزمة اللبنانية، مجالاً لعودة فرنسا إلى فرض نفسها لاعباً أساسياً على الساحة الداخلية، واستنفرت رجالات السياسة والاستخبارات لديها في بذل المساعي لإيجاد حل يضمن حضورها ولا يغضب حلفاءها ولا يعادي أخصامها، وهي بذلك لا تتجاوز واشنطن في اتصالاتها وتنسيق خطواتها، ويحدوها في ذلك همّ عنوانه منع تأجيل أو تطيير الانتخابات وإدخال لبنان في الفراغ وبالتالي في الفوضى. وقد سجّلت باريس في هذا الإطار موقفاً متقدماً تمثل في تأييد المبادرة الوطنية التي أطلقها الرئيس نبيه بري واعتبار أنها في الاتجاه الصحيح لتحقيق توافق حول استحقاق الانتخابات الرئاسية.

الفاتيكان على خط المساعي
ويواكب هذا المسعى جهد فاتيكاني حثيث يتوافق مع الحرص الفرنسي على الحضور المسيحي بالدرجة الأولى الذي يتمثل بكرسي الرئاسة الأولى، وهو ما دأب البطريرك الماروني نصر الله صفير على تأكيده في كل محطة، ورفع الصوت من أجله عالياً عند كل مفترق يرى فيه خطراً على مصلحة المسيحيين في لبنان، في ضوء ما يُحكى عن مشروع مبطّن لتوطين الفلسطينيين في لبنان تحت عناوين متعددة، خصوصاً في الفترة التي سبقت أحداث مخيم نهر البارد وما تلتها من تصريحات ومواقف دعت إلى تجنيس الفلسطينيين بأكثر من ذريعة. وكان لافتاً زحمة الزيارات لدى الكرسي البابوي بدءاً من البطريرك الماروني نصر الله صفير مروراً بنائب الرئيس السوري فاروق الشرع ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والمبعوث الفرنسي جان كلود كوسران وصولاً إلى الزيارات الأخرى التي تتحضر لها أروقة الفاتيكان بانتظار تصاعد الدخان الأبيض، دون الخوض في بحث فعالية تأثير هذا الدخان في تغيير أو تعديل الموقف الأميركي.
مرشحون بين بين
وفي محاكاة للتوجه الفرنسي ـ الأوروبي ـ الفاتيكاني، بدأت أسماء جديدة بالتداول على مسرح الترشيحات الرئاسية، على أساس عدم احتسابها على أي من طرفي الموالاة، كالوزير ميشال اده والوزير دميانوس قطار، دون إسقاط اسمي العماد ميشال سليمان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة كخيارات جدّية تستلزم تعديلاً في الدستور يقف دونه رئيس الحكومة الفاقدة للشرعية فؤاد السنيورة عقبة كأداء، في حين يحاول المرشح بطرس حرب تكريس موقعه الوسطي بين طرفي الصراع دون أن يفلح في إزالة صورته الشباطية، من خلال تأكيده عدم ترشحه "باسم فريق من اللبنانيين ضد فريق آخر، إنما باسم كل اللبنانيين"، فضلاً عن تفرّده المبكر في الثناء على مبادرة الرئيس نبيه بري ودعوته "إلى تأييدها بإيجابية.. وقيامه بدور للتقريب بين الأفرقاء حولها". وكذلك فعل المرشح روبير غانم الذي وجد نفسه في حلقة "هلامية" منذ أن وجد نفسه مستبعداً من على طاولة اجتماعات "لقاء معراب"، دون أن يتوصل إلى تسويق نفسه كمرشح فعلي ومنافس، وتقوية حظوظه الطامحة إلى كرسي الرئاسة. أما على البيدر الشباطي فيبدو أن نسيب لحود قد اطمأن إلى وقوف قوى الموالاة خلف ترشيحه، وسيحاول جاهداً في المرحلة المقبلة التمظهر باللباس الوطني، سعياً إلى استخراج وجه جديد له يأخذه إلى معادلة التوافق، ويبعده عن عقدة "الرسوب" في امتحان النيابة. في حين تنتظر الوزيرة نايلة معوّض فرصة قد لا تبدو قريبة المنال، وليست بيدها في مطلق الأحوال.

في الطريق إلى 25 أيلول
أعلن الرئيس نبيه بري موعد الجلسة النيابية العامة في 25 أيلول الجاري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويبدو أن الوصول إلى هذا الموعد لن يكون معبّداً أو مفروشاً بالزهور، بل سيكون حافلاً بالحفر والمطبات السياسية، دون أن نسقط ضرورة وواقعية أن يتخذ المسار طرقه نحو اتجاهات مطلوب استكشافها واحترامها والأخذ بثوابتها. فلا يمكن لرئيس لبنان أن يدفئ كرسيه دون أن يضبط حرارة العلاقات الحيوية مع أشقائه وأصدقائه، ولا يتجاوز دوراً أساسياً وفاعلاً في الحياة اللبنانية فرضته ظروف ووقائع التاريخ والجغرافيا والانتماء العربي والاسلامي.
محمد الحسيني
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007

2007-09-14