ارشيف من : 2005-2008
"الانتقاد" تنشر أسماء القضاة المطروحين للمحكمة الدولية : القصّة الكاملة لعزل القاضي عيد ومنع الإفراج عن الضبّاط الأربعة
كتب علي الموسوي
عرقل الوكيل القانوني الرسمي للنائب سعد الدين الحريري المحامي محمّد مطر عملية استكمال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعدما أزاح بقرار قضائي يحمل في طيّاته نكهة سياسية، المحقّق العدلي القاضي إلياس عيد عن مهامه التي أحرز فيها تقدّماً ملحوظاً، وذلك على أبواب تعيين الأمم المتحدة قضاة في المحكمة ذات الطابع الدولي.
وقد أحدث قرار الغرفة السادسة لمحكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي رالف رياشي الذي سبق له أن شارك ضمن وفد لبنان الثنائي لإعداد نظام المحكمة الدولية في هذه الجريمة، ضجّة واسعة، سواء في صفوف القضاة وقصور العدل أو لدى الرأي العام، وذلك لسببين اثنين: أولهما أنّه انطوى على إساءة متعمّدة إلى سمعة عيد بداعي تلقيه كمّية من المحروقات من المديرية العامة للأمن في عهد مديرها السابق اللواء الركن جميل السيّد، وهو أمر يطاول عدداً آخر من القضاة، وثانيهما أنّ قرار محكمة التمييز صدر لتحقيق غاية محض سياسية تتمثّل في الحؤول دون الإفراج عن الضبّاط الأربعة المعتقلين منذ شهر أيلول/ سبتمبر من العام 2005، بعدما تناهى إلى الأسماع أنّ القاضي عيد كان ينوي تخلية سبيل اثنين منهم على الأقلّ، وهو ما اعترض عليه النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا الذي لم يستطع أن يفعل أيّ شيء إزاء هذه الخطوة المتأخّرة جدّاً، لأنّه لا توجد سلطة له على المحقّق العدلي ولا يستطيع بحكم القانون استئناف قرارات تخلية السبيل، مؤكّداً ما سبق للواء الركن جميل السيّد أن اتهمه به في مذكّراته العديدة المقدّمة للقضاء ولجنة التحقيق الدولية، من أنّ ميرزا قال للقاضي البلجيكي سيرج برامرتز انّ الاعتبارات السياسية لمصلحة السلطة السياسية تمنعه من الإفراج عن المعتقلين، وخصوصاً عن اللواء السيّد.
أيدٍ سياسية
وبغضّ النظر عن الكيدية السياسية في إبقاء الضبّاط الأربعة قيد التوقيف الاحتياطي والاعتباطي فترة تجاوزت الحدّ المطلوب، إلاّ أنّ ثمّة أسئلة برأي مصادر متابعة لهذا الملفّ عن كثب، تلوح في الأفق عن وجود أيدٍ سياسية وراء ما حصل وتسهيل حدوثه، ويمكن اختصارها بالتالي:
أولاً: كيف أمّنت وزارة الداخلية جدول توزيع المحروقات المعتمد في المديرية العامة للأمن العام وهو من الأوراق السرّيّة الرسمية غير المعلنة، وسلّمته للمحامي محمّد مطر بدلاً من أن تتكتّم عليه وترفض إخراجه من خزائنها ووضعه حيّز التداول والتناول الإعلامي وعلى ألسنة المواطنين؟ ولو كان الشخص الساعي وراء هذا الجدول مواطناً عادياً أو محامياً موكّلاً بدعوى عادية، فهل كان وزير الداخلية غير الشرعي حسن السبع يجيز للأمن العام التصرّف بأوراق رسمية غير معدّة للتداول ويعطيه مبتغاه؟ والأنكى أنّ مطر لم يكتفِ بإرفاق الجدول بدعواه، بل دعمه أيضاً بنسخ عن تسليم دفتر الذمّة الموقّع من القضاة عند حصولهم على "بونات البنزين"، وهذا دليل آخر على التسهيل السياسي لمهمّة مطر.
وهذا التصرّف غير المسؤول يعيد إلى الأذهان الخوف الذي عاشه وزراء ونوّاب وشخصيات من قوى 14 شباط/ فبراير غداة تقديم اللواء السيّد استقالته من منصبه، وذلك خشية أن يستخدم ما في خزائنه من أسرار وألغاز تدينهم، ولكنّ بمجرّد استخراج جدول المحروقات إلى دائرة العلن فإنّ اللواء السيّد صار أكثر حرّيّة وهو خلف القضبان، في تحريك ما يختزنه في ذاكرته من مآثر عن هؤلاء الشباطيين وتقديمه للرأي العام لإدانتهم وتوريطهم وكشف حقائق مجهولة عنهم.
ثانياً: ما هو موقف هيئة التفتيش القضائي من مضمون هذا الجدول الذي يشمل عدداً من القضاة المتقاعدين والعاملين الذين كانوا يتقاضون كمّية من الوقود شهرياً وبمعدّلات خيالية تتراوح ما بين ثلاثمئة وستمئة ليتر، أيّ ما يوازي نصف صفيحة بنزين في اليوم الواحد أو صفيحة كاملة، على الرغم من أنّ مقدار الاستخدام لا يتعدّى نطاق المنزل وقصر العدل وزيارات قريبة لا يستوجبها العمل القضائي!
وقد ضمّت لائحة المستفيدين الموضوعة بتصرّف القضاء عدداً من القضاة هم: النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا الذي لم يرد اسمه حرفياً في الجداول، وإنّما وضعت صفته التي تدلّ عليه تلقائياً، لأنّه لا يوجد مدعي عام تمييزي سواه، والنائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري، وعضو هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل القاضي انطوان البريدي، والنائب العام التمييزي السابق القاضي عدنان عضوم، والقضاة المتقاعدون رؤساء مجلس القضاء الأعلى السابقون: منير حنين ونصري لحود وطانيوس خوري، وعضو التفتيش القضائي فوزي داغر، والمستشار في مجلس شورى الدولة خليل أبو رجيلي، والقاضي سليمان عيد.
ثالثاً: الأهمّ من كلّ ما تقدم هو أنّ قرار إقصاء عيد عن الملف برمّته أتى نتيجة ردّ فعل على زيارة وفد من عائلات الضبّاط الأربعة ووكلائهم القانونيين عدداً من القيادات والمرجعيات الروحية والسياسية، ومنهم الرؤساء سليم الحص وعمر كرامي ونجيب ميقاتي وآية الله السيّد محمّد حسين فضل الله والبطريرك الماروني بطرس صفير بعدما رفض فريق السلطة التعامل مع هذا الملفّ بطريقة قانونية صرفة، والانقياد إلى ما أعلنه القاضي برامرتز مراراً وتكراراً من أنّ الضبّاط أبرياء، وأنّ صلاحية البتّ بتخلية سبيلهم تعود للقضاء اللبناني الذي يبدو أنّه لم يستطع التخلّص من التدخلات السياسية في عمله وشؤونه.
ألم يقل النائب وليد جنبلاط انّ تخلية سبيل الضبّاط هو خطّ أحمر؟! وألم يتهمّ اللواء السيّد القاضي ميرزا بعرقلة عملية تخلية السبيل لأسباب محض سياسية؟! وألم يقل آخرون انّ الغاية من الإمساك بالضبّاط هي لتحقيق إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وبدء رحلتها الطويلة؟
وبتغيير المحقّق العدلي عيد وتعيين القاضي صقر صقر مكانه، فإنّ الادعاء الشخصي ومن يقف خلفه نجح في إبقاء الضبّاط في زنازينهم في سجن "رومية" المركزي، إلى حين حصول انفراج سياسي على الساحة اللبنانية.
قضاة المحكمة الدولية
وتنتهي في 24 أيلول/ سبتمبر الجاري المهلة المعطاة من الأمم المتحدة لتلقّي الترشيحات الدولية للمحكمة ذات الطابع الدولي. ولئن كان لبنان قد سمّى اثني عشر قاضياً ورفعها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لاختيار أربعة منهم لعضوية محكمتي البداية والاستئناف، وقاض خامس لمساعدة المدعي العام الدولي في عمله، إلاّ أنّ عملية الاختيار لم تكن سهلة بعدما رفض بعض القضاة الانسياق وراء مخطّط بعض السياسيين في تسميتهم وتزكيتهم، لئلا يعطوا هذه المحكمة مشروعية الأمان والثقة بوجودهم داخلها.
ورفضت مصادر مواكبة لهذا الاختيار سرد قائمة هؤلاء القضاة الرافضين برغم رفع السلطة السياسية منسوب الإغراءات المادية والمعنوية لهم وتكبير المخصّصات المالية المفترض منحها لهم، وذلك لئلا يُنتقم منهم في أيّ تشكيلات قضائية.
وعلمت "الانتقاد" من هذه المصادر أنّ القضاة الاثني عشر الذين وقع الاختيار عليهم هم:
* رئيس الغرفة السابعة لمحكمة التمييز الجزائية القاضي سمير عاليه، والرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في الجنوب ورئيس محكمة الجنايات فيها القاضي أكرم بعاصيري، ورئيس الهيئة الاتهامية في الجنوب القاضي وليد العاكوم عن السنّة.
* رئيس الغرفة الثالثة لمحكمة التمييز الجزائية القاضي عفيف شمس الدين، ورئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان فيصل حيدر عن الشيعة.
* الرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في البقاع القاضي عصام أبو علوان عن الدروز.
* قاضي التحقيق الأوّل في البقاع طنّوس مشلب، ورئيس هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل القاضي شكري صادر عن الموارنة. علماً بأن إمكانية ردّ الأخير والطعن به لتنحيته واردة، لأنّه كان يحضر الاجتماعات بين القضاء اللبناني ولجنة التحقيق الدولية، ما جعله متمكّناً من الاطلاع على تفاصيل سرّيّة من التحقيقات الأوّلية وتكوين فكرة مسبقة عنها تتعارض ومبدأ الفصل النهائي في القضية برمّتها، ولأنّه شارك أيضاً في إعداد نظام المحكمة الدولية المذكورة.
* رئيس الغرفة السادسة لمحكمة التمييز الجزائية القاضي رالف رياشي، والمستشارة في الغرفة التاسعة لمحكمة التمييز القاضية ميشلين بريدي عن الكاثوليك. مع التذكير بأنّ الطعن وردّ رياشي وارد جدّاً لكونه يعمل منسّقاً بين وزارة العدل ولجنة التحقيق الدولية واطلع على تفاصيل كثيرة من التحقيق وشارك في إعداد نظام المحكمة.
* النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري، ورئيس الغرفة الثالثة لمحكمة الاستئناف في جبل لبنان وعضو مجلس القضاء الأعلى القاضي سعد جبور عن الروم الأرثوذكس.
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018