ارشيف من : 2005-2008

هل تُرجأ جلسة 25 أيلول الى منتصف تشرين لإنضاج الحل؟

هل تُرجأ جلسة 25 أيلول الى منتصف تشرين لإنضاج الحل؟

قبل أسبوع على موعد الجلسة العامة لمجلس النواب التي حددها رئيس المجلس نبيه بري في الخامس والعشرين من أيلول الحالي لانتخاب رئيس للجمهورية مع انطلاق المهلة الدستورية للاستحقاق في الرابع والعشرين منه، كانت البلاد تزدحم بحركة الموفدين الدوليين والعرب في محاولة لإخراج الأزمة الرئاسية من عنق الزجاجة واستكشاف آفاق المرحلة المقبلة ومخاطرها إذا لم تنجح الوساطات في الوصول إلى توافق على الملف الرئاسي، وسيرها بالتالي نحو خيارات المواجهة.
وفي هذا السياق صبت زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الى بيروت أمس الخميس، حيث يزور لبنان للمرة الثالثة في غضون ثلاثة اشهر. وكذلك زيارات الموفدين الأوروبيين الآخرين على كثرتهم.
وترى مصادر متابعة لملف الاستحقاق ان هناك مناخا قويا للتسوية والتوافق بشأن الاستحقاق الرئاسي أوروبيا لتفادي انزلاق الوضع في لبنان إلى ما لا تحمد عقباه، وانعكاس ذلك سلبا على المصالح الأوروبية في لبنان، ومن بينها أمن قوات "اليونيفل" في الجنوب.
وهذا المناخ الأوروبي يلاقيه مناخ عربي مماثل يفضل التسوية على المواجهة في موضوع الاستحقاق الرئاسي نظرا للتداعيات الخطيرة التي يحتمل حدوثها في حال عدم التوافق على الرئيس. لكن هذا الميل الأوروبي والعربي نحو تفضيل خيار التسوية لم يلاقه حتى الآن توجه أميركي مماثل، حيث تفضل واشنطن بحسب الأوساط أن تلعب ورقة الاستحقاق الرئاسي في الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وهي ليست معنية منذ الآن بكشف توجهاتها بهذا الصدد، وهو ما يعكس مماطلة فريق السلطة وتضييعه الوقت وإعطاءه ردودا جزئية وغامضة على المبادرة التوافقية للرئيس نبيه بري الذي يستعجل التوافق، منبها انه كلما ضاقت المهل صعب الوصول إلى تفاهم.
لكن برغم هذا الرد الضبابي لفريق السلطة وسعيه لكسب الوقت انطلاقا من إيعاز أميركي بهذا الشأن، فإن المصادر  المتابعة تلحظ حالة ارتباك قوية وخلافات داخل فريق السلطة على أعتاب دخول المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي أظهرها العديد من المعطيات، تجعله يميل نحو قبول التسوية منها:
اولا: تأكيد التكتل الطرابلسي تمسكه بالأصول الدستورية للاستحقاق الرئاسي، وخصوصا نصاب الثلثين في جلسة انتخاب الرئيس، وهو ما أكده الوزير محمد الصفدي مؤخرا.. مضيفا  عبارة "انه لو تراجع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير عن نصاب الثلثين فالتكتل الطرابلسي لن يتراجع". ويضاف الى هذا الصمود في الموقف الوسطي للتكتل الغياب اللافت للوزير الصفدي عن جلسات الحكومة اللاشرعية في السراي ثلاث جلسات متتالية، وهو ما توقف عنده المراقبون باهتمام.
ثانيا: حال التململ لدى أوساط تيار المستقبل وميلها نحو قبول تسوية تجعلها تحافظ على ما حققته من مكتسبات سياسية دون أن تخسرها في المرحلة المقبلة إذا استمر التيار يسير وراء صقور فريق الرابع عشر من شباط، لا سيما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، اللذين يعتبران أي تسوية تصغر من حجمهما المنفوخ وتعيدهما الى حجمهما الطبيعي الثانوي في المعادلة الداخلية. وقد عبرت أوساط شعبية وإعلامية وسياسية في تيار المستقبل عن هذا المنحى من خلال ابداء الامتعاض من دعوات جنبلاط وجعجع الى اكمال المعركة العسكرية التي خاضها الجيش ضد فتح الاسلام في مخيم نهر البارد ونقلها مباشرة الى باقي المخيمات لنزع السلاح الفلسطيني.
ثالثا: تراجع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عن تهديداته بالإعدام لحلفائه في فريق السلطة إذا دخلوا أي تسوية، واستبدالها بأنه لن يقبل أي تسوية، انما دون عرقلتها، وذلك من خلال التمسك بموقف معارض ضمن النطاق الحزبي وإعطاء الحرية لنواب اللقاء الديمقراطي الباقين لدخول أي تسوية ممكنة. وهذا يشير الى وجود مناخ تسوية يُعمل على انجازها ولا يستطيع جنبلاط اسقاطها او عرقلتها دون ان يتحمل مسؤولية ما قد يجري من عواقب في حال المواجهة.
وتسجل المصادر المتابعة من جهة ثانية استمرار الخطر السياسي والأمني خلال الفترة المقبلة، وخصوصا مع حركة انقلابية أوحى بها قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وغلفها بتوجية اتهامات الى حزب الله بتدريب عناصر من التيار الوطني الحر والمعارضة الدرزية لتعطيل الاستحقاق الرئاسي وتوقعه حصول اغتيالات. وتشير المصادر الى ان "تنبؤات جعجع الامنية عادة ما تتحقق، خلافا لتنبؤاته السياسية الخاسرة بشكل دائم". وتزامنت مواقف جعجع مع معلومات عن استمرار عمليات تشكيل مجموعات مسلحة تابعة للقوات تحت غطاء شركات أمنية خاصة، وحصول تدريبات والتزود بأسلحة متوسطة وثقيلة، وهو ما أشار اليه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون في معرض رده على تصريحات جعجع. وهو وجه له رسالة واضحة بعدم السماح له بالاعتداء على أنصار التيار الوطني الحر مرة جديدة كما حصل في الثالث والعشرين من كانون الثاني الماضي، محذرا إياه من أي مغامرة على هذا الصعيد.
في هذه الاثناء كانت المعارضة توسع من دائرة مشاوراتها بشأن الاستحقاق الرئاسي، ولهذه الغاية عقد لقاء موسع لممثلين عن كتل الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير والتغيير والإصلاح في مقر المجلس النيابي أمس الاول الاربعاء لتنسيق الموقف من الاستحقاق الرئاسي وتأكيد تبني مبادرة الرئيس نبيه بري لكونها الفرصة الاخيرة لإنقاذ البلد. ولا تزال المعارضة تؤكد ان تجاوز فريق السلطة للأصول الدستورية في ما خص انتخاب الرئيس سيدفعها نحو خياراتها التي تمنع فريق السلطة من اكمال الانقلاب ووضع البلد بالكامل ضمن المشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة. وفي هذا السياق ينقل عن قطب أساسي في المعارضة قوله انه في حال إسقاط الدستور من قبل فريق السلطة في انتخابات الرئيس فإن السيطرة هي للفريق الأقوى، والمعارضة بالتأكيد هي الأقوى على مختلف الصعد، وما على فريق السلطة الا التنبه الى عواقب ما قد يقدم عليه.
على أن ما رشح في الايام والساعات الاخيرة يشير الى جدية المناقشات والجهود الجارية لإيجاد توافق بشان الاستحقاق الرئاسي، ومن غير المستبعد اذا كانت الامور تسير بشكل ايجابي وإن كان بطيئا، ان يعمد رئيس مجلس النواب نبيه بري الى إرجاء جلسة الخامس والعشرين من أيلول الى منتصف شهر تشرين الأول المقبل، وذلك بالتوافق بين جميع الأطراف، ريثما يكون قد جرى انضاج الحل بشكل نهائي حتى ذلك التاريخ. لكن لا شيء محسوما في هذا الاتجاه او ذاك حتى الآن بانتظار التوجه الاميركي الذي سيربط موقفه من الاستحقاق الرئاسي تسهيلا او عرقلة بتطور وضع قوات الاحتلال الاميركي في العراق.
هلال السلمان 
الانتقاد/العدد 1232 ـ 14 ايلول/سبتمبر 2007

2007-09-14