ارشيف من : 2005-2008
فلاّح.. الاليزيه
يكاد الناظر إلى صورته، بالكوفية الفلسطينية.. يتدافع مع جنود العدو على أبواب المقاطعة في رام الله أيام حصار "ختيارها" يعتقد انه
واحد من أبناء الثورة "العتق"، خاض غمار معركة "الكرامة" التي مرت قبل أيام ذكراها.. أو "فدائي" من "الكفاح المسلح" أيام حصار بيروت، وقصف الفاكهاني.. وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إثر اجتياح العام 1982..
أنه فلاح من غرب فرنسا.. ذاع صيته يوم فتحت العولمة الاميركية حربها على اقتصاد بلاده (في العام 1999). يومها جبن الكثيرون لكنه دخل ومعه حشد من المزارعين الفرنسيين البسطاء إلى أحد فروع مطاعم "ماكدونالدز" في أول هجوم رمزي يسجل ضد العولمة، اقتحموا المطعم في قرية "ميو"، وبهدوء شديد قاموا بفك وحمل كل ما يحتويه المطعم بعناية وتوجهوا به سلميا إلى مركز الشرطة الفرنسية واقترحوا أن تعاد إلى الغول الاميركي. 
يومها استحق لقب: "عدو الولايات المتحدة رقم 1".
يشن ومنذ سنوات حرباً ضد التعديلات الجينية على الأغذية التي تحاول اميركا الترويج لها، من أجل زيادة مداخيلها المالية على حساب صحة الأمم والشعوب.. ويعتبرها رعباً يفوق الرعب النووي..
يومها دخل التاريخ وسمع الناس باسم جوزيه بوفيه..
رجل أحمر الشعر، كث الشنب، يرخيه حول فمه، وينتعل جزمة الفلاحين.. يدخن "الغليون".. ويهتف ضد العولمة..
نادراً ما تفقده في تظاهرة لفلاحي فرنسا.. يقف في أول المسيرة.. يحمل اللافتة، ويهتف بأعلى الصوت..
اقتحم على شارون قلعته المحصّنة، صمد مع عرفات في مقر المقاطعة، إلى أن أحس شارون أن هذا القادم من الريف الفرنسي سيؤلّب العالم على الكيان الغاصب.. فأمر جنوده باعتقاله، واستصدر أمراً منعه من العودة الى الاراضي المحتلة.. لكن عزيمته لم تثبط.. ذهب الى أقاصي المعمورة دعماً لحق الشعب الفلسطيني بالحرية.. وقال: "إن إسرائيل تقوم بحرب تطهير عرقي في الأراضي الفلسطينية، وكل ما شاهدناه يؤكد بوضوح تامّ أن شارون يريد إجبار الناس على الرحيل".. تطهير عرقي وصل إلى حد رمي الصواريخ من المروحيات على شيخ الانتفاضة الجليل المقعد على كرسي مدولب.. الشيخ الشهيد المجاهد أحمد ياسين.. في مثل هذه الايام أيضاً.. ليبقى دولاب كرسيه يدور ويطحن المحتل يومياً..
بوفيه.. البالغ 53 عاماً، خريج جامعة مونبيلييه بجنوب فرنسا في الفلسفة، ويحمل درجة الدكتوراه فيها.. واحد من مؤسسي حركة "اتاك" المناهضة للعولمة والليبرالية الجديدة..
ناضل ضد حرب فيتنام ورفض الالتحاق بالجيش الفرنسي. وشارك عام 1974 مع 50 ألف مواطن في حملة "محصول زراعي من أجل العالم الثالث".
خاض معارك ضارية ضد الجيش الفرنسي مع فلاحي منطقة "لارزاك" في جنوب فرنسا يوم قررت الحكومة حينذاك الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لإنشاء قاعدة عسكرية. ونظم تظاهرات واختراقات للمعسكر بالجرارات الزراعية، وقاد حملات تواقيع للعرائض إلى أن تم إرجاع الأرض إلى الفلاحين، فكان أول انتصار لحركة الفلاحين ضد الدولة.
اليوم.. قرر خوض غمار الانتخابات الرئاسية، مع العلم انه في أحسن التوقعات لن يحصل على أكثر من 3% من الأصوات، إلا انه قرر رفع صوته وصوت الفلاحين ومناهضي العولمة الى أعلى مرتبة يمكن الوصول اليها.. لم يجبن وهو ما تعوّد الجبن.. جمع التواقيع المطلوبة.. وقدم الطلب في آخر يوم من المهلة الدستورية.. وأحكم التبغ الفرنسي في قعرغليونه، وأشعله بانتظار يوم الحسم..
بوفيه نموذج للرجل المثابر، والمناضل المستقيم.. والحر في زمن قلّ فيه الاحرار حتى في دولة الحرية..
تستحق منا صوتاً قد لا ينفعك في صندوقة الاوراق التي تعد.. ولا تحصى، لكن لك معنا تاريخ يجعلنا نقف إلى جانبك.. على أمل الوصول الى عالم تسوده "الحرية والإخاء والمساواة".. معاً.
مصطفى خازم
الانتقاد/العدد1207 ـ 23 آذار/مارس 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018