ارشيف من : 2005-2008

"الحكيم".. المحكوم لتاريخه

"الحكيم".. المحكوم لتاريخه

الفيدرالي.. زمن المحاصصة المناطقية، حين كان يخرج شاهراً جبروته على المشاهدين

جميعاً.. والسياسي الذي خلع البذة الزيتية ليضع ربطة العنق وينظّر للشراكة الحقيقية مطلع التسعينات، ثم المسجون الذي يقف امام قوس المحكمة يرافع عن قضايا الموت، وتهم لا احد يصدق انه بريء منها، ثم المعفو عنه زمن الوصاية الجديدة..‏

"الحكيم".. المحكوم لتاريخه

سمير جعجع "حكيم" في طلاته وفي غيابه عن الشاشة هذه الايام، فحين يشاء تجده الناسك الذي تعلّم في السجن طريقة النفاذ الى "ما الماورائيات" فيجزم في سقوط بعبدا ويحدد ساعتها، متنبئ اين منه "الحايك"، يبشر بجنازات ستعبر من بوابة المجلس والسراي، ثم يتقدم الى الامام في وثبة كأنه "ينط" من الأرز الى وسط بيروت مستحضراً شارعه "الحاشد" كما بدا في حاريصا، ثم يغيب ويغيب حتى يكاد يختفي ذكره وكأن الرجل لم يعد موجوداً.‏

أسئلة محيرة تطرح عن سرّ هذا الغياب.‏

المحير في الأمر أن جعجع غاب بعد سلسلة أحداث حصلت، بدءاً من اغتيال بيار الجميل وما رافقه من اتهامات عبّر عنها سياسيون والرأي العام أيضاً، وطالت بالتساوي أكثر من جهة، واحدة منها القوات اللبنانية.‏

الامر الاول هو السجل القواتي الحافل بالاغتيالات والذي اتخذه بعض اللبنانيين دليلاً يشير الى الشبهة، وعزّز هذا الاشتباه الذي لم يستند الى أي دليل حسي، الخلاف الذي بلغ حدّ القطيعة بين جعجع والشهيد الجميل على خلفية النزاع على جمهور الكتائب ومؤسساتها وبعضها اليوم في حوزة القوات كالمؤسسة اللبنانية للإرسال.‏

الأمر الثاني الذي دفع بعض اللبنانيين للاشتباه بدور القوات هو الحملة السياسية والشعبية وانتشار عناصر الشغب لاستهداف التيار الوطني الحر سياسياً ومادياً، فأنصاره لم يسلموا من "اعتداءات القواتيين" وأيضاً مراكزه كما قالت التقارير الأمنية وتصريحات المسؤولين في حينه.‏

الأمر الثالث (جاء بعد أيام قليلة من اغتيال الجميل) هو الكشف عن فرقة قواتية كانت تتدرب في جرود كسروان ومعها أسلحة متنوعة بينها ما هو إسرائيلي الصنع، إضافة الى صور للعماد عون وخرائط تؤدي الى الرابية حيث يسكن الجنرال.‏

يسأل كثيرون هل لذلك علاقة بما قاله وزير السياحة(!) جو سركيس قبل فترة وجيزة من بداية تحرك المعارضة من أن "جسمنا لبيس"، وبالطبع فإن "القواتي" كان يقصد ما فهمه كل اللبنانيين وأعادهم الى تاريخ القوات الشهير من البربارة الى الخنشارة.‏

يظن البعض ان سمير جعجع الذي ارتدى ثياب الكهنة وذهب الى التطهر من رجس ما اقترف في الثمانينات.. مع ان ذلك لم يقنع أحداً من خصومه او المحايدين وحتى حلفاءه، أخذ فريقه الى الاختباء عن الواجهة وجعل طلاته تذكيرية ليس أكثر، هادفاً الى حصر المواجهة السياسية بين السنة والشيعة، منتظراً ما تسفر عنه هذه المواجهة من نتائج، وبالتالي فهو بذلك يبعد الانتباه عن الحضور الشعبي المسيحي المعارض للحكومة وفريقها السياسي الاساسي في ساحات الاعتصام.‏

انه في موقع لا يحسد عليه، فمآل الامور هو في غير ما تشتهي رياح "الأرز"، ولا حتى صانعو ثورته في البيت الابيض، وبرغم التقاء الجبلين فإن رجل "الكرنتينا الحديدي" صاحب الدويلة الصغرى ونظرية الالغاء، كما شريكه الساكن في المختارة صاحب دويلة "الادارة المدنية" وحرب العلم، لم تعد تسعفهما الأيام حتى لو التقت معهم "دولة سوليدير" بمالها وسطوتها، وكل "المخترات" الملحقة (يقصد بها مشتقات التنظيمات الأصلية والمتزعمون الجدد..)، لصناعة دولة مشتركة بينهم وفق تلك النماذج، ليس فيها مكان للآخرين.‏

انه حلم، ثم فكرة.. كونفدرالية جديدة بغطاء ديمقراطية "14 آذار"، أي أن يحققوا في السلم ما عجزوا عنه في الحرب، وطبعاً برعاية واشنطن بعدما خاب الرعاة القدامى من قدرة حلفائهم على تحقيق أهدافهم كما في 17 أيار.‏

برغم ذلك نسأل لماذا يغيب "الحكيم" ما دام حلمه يتحطم أمام مدّ المعارضة الذي يجتاح أحلام الجماعات هذه وإقطاعييها، وليجرف أفكارهم المتوارثة، مقدماً الى الأمام مشروع الدولة الواحدة الموحدة.. دولة لبنان بكل أطيافه وملله.‏

يظن بعض "السذّج" ممن يراقبون ظواهر الامور ان جعجع مشغول هذه الايام بالانتقال من الارز الى بيت جديد شمال بيروت، وربما لا يعنيه انتقال الوطن من مرحلة الوصاية الاميركية الى مرحلة السيادة والاستقلال الحقيقيين.. فهو حين انتقل لبنان من الحرب الى السلم لم يغير غير بذته.‏

ألم تقل ذلك المحاكم اللبنانية؟‏

أمير قانصوه‏

الانتقاد/ العدد 1194 ـ 22 كانون الاول/ديسمبر2006‏

2006-12-22