ارشيف من : 2005-2008

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2006

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2006

ملخص

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2006

الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

 

معلومات النشر:

العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2006

تحرير: د. محسن محمد صالح

الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

توزيع: الدار العربية للعلوم، ناشرون – بيروت، موقع النيل والفرات دوت كوم

عدد الصفحات: 330 صفحة

تاريخ الصدور: يونيو 2007

 

 

مقدمة:

يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني سنوياً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي تركيزاً خاصاً على الشأن الفلسطيني. وللمركز هيئة استشارية من كبار الباحثين والخبراء.

ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز) القضية الفلسطينية خلال سنة 2006 بالرصد والاستقراء والتحليل. ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق علمياً ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية. وقد جاء تقرير هذا العام في 330 صفحة.

وقد شارك في كتابة التقرير مجموعة من المتخصصين هم د.بشير نافع، ود.محسن صالح، وأ.د.حسن نافعة، وأ.د.أحمد سعيد نوفل، وأ.د.عبد الله الأحسن، ود.محمد نور الدين، ود.طلال عتريسي، وأ.د.وليد عبد الحي، وأ.د.إبراهيم أبو جابر، وأ.عبد الله نجار، ود.أحمد مشعل. وقد شارك في مراجعة التقرير أ.د.أنيس صايغ وأ.د.عبد الوهاب المسيري، والأستاذ منير شفيق.

 

الوضع الداخلي: سنة التغيير والحصار:

  1. افتتح عام 2006 على الصعيد الفلسطيني الداخلي بمفاجأة نتائج الانتخابات البرلمانية، التي أعطت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فوزاً كبيراً في مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني(74مقعداً مقابل 45 مقعداً لفتح). وأعطت المقاومة من خلال ذلك، شرعية إضافية، هي شرعية صناديق الانتخاب. وقد وجّهت النتائج ضربة قاسية للسياسة الأمريكية – الإسرائيلية وحتى الأوروبية، التي تعدّ حماس خصوصاً، وفصائل المقاومة الأخرى عموماً منظمات إرهابية، وتعدّ المقاومة إرهاباً.
  2. ولا شك أن نزاهة الانتخابات وحياد الأجهزة، يجب أن يُسجّلا في مصلحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وعلى الرغم من أن النتائج شكلت صدمة بالغة لقيادة السلطة الفلسطينية، إلا أن عباس أعلن أنه لن يتردد في تكليف حماس تشكيل الحكومة الفلسطينية.  وبذلك دخل الوضع الفلسطيني السياسي مرحلة جديدة، حيث فرضت حماس نفسها شريكاً مع فتح في السلطة. وأكدت نهاية تفرد فتح في قيادة الشأن الوطني الفلسطيني.
  3. كان خيار حماس الأول تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم فتح والقوائم والتنظيمات الفلسطينية الأخرى.، لكنها لم تنجح في ذلك طوال 2006، وربما يمكن القول أن الأطراف الفلسطينية التي أسهمت في إفشال جهود تشكيل حكومة الوحدة تتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة. ففي مرحلة تغيير انتقالية بالغة الحساسية، وفي مواجهة الأعباء الثقيلة للقضية الوطنية، لم يكن هناك مفر من حكومة وحدة.
  4. سعت قيادة السلطة وحركة فتح إلى اتخاذ عدد من القرارات والتعديلات التي استهدفت تعزيز سلطات الرئيس وإضعاف الحكومة والمجلس المنتخب، فقام ممثلو فتح في آخر جلسة للمجلس التشريعي السابق  بأعطاء الرئيس سلطة مطلقة في تشكيل المحكمة الدستورية، وعلى ديوان الموظفين. وأصدر الرئيس مراسيم يضع فيها الأجهزة الإعلامية التابعة للسلطة تحت الإشراف المباشر للرئيس. وعلى الصعيد الأمني، أصدر مرسوماً بتأسيس هيئة خاصة لإدارة المعابر الحدودية ووضع معبر رفح تحت سيطرة أمن الرئاسة، ومرسوماً آخر بتعيين رشيد أبو شباك، مديراً للأمن الداخلي، مشرفاً على الأمن الوقائي والدفاع المدني والشرطة، وهي الأجهزة التي كانت سابقاً تتبع وزارة الداخلية؛ كما عُيِّن سليمان حلس مديراً لجهاز الأمن الوطني .وهو ما فسرته حماس بأنه محاولة إسقاط وإفشال لحكومتها حتى قبل أن تبدأ عملها. كما اشتكت الحكومة بمرارة من عدم تعاون الكثير من المسؤولين التنفيذيين الموالين للرئاسة أو لفتح.
  5. ليس ثمة من شك في أن الأزمة التي عاشها الوضع الفلسطيني الداخلي كانت في جذورها أزمة سياسية، أزمة الرفض الإسرائيلي – الأمريكي للتحول الديموقراطي الذي شهدته الساحة الفلسطينية، وأزمة رفض أركان السلطة الفلسطينية السابقة التخلي عن الحكم والسيطرة على القرار الفلسطيني للحكومة الجديدة التي تقودها حماس. هذا، فضلاً عن الاختلاف على الخط السياسي بين حماس وفتح. وفي ظل هذه الأزمة، تصاعد الحصار الدولي على الحكومة والشعب الفلسطيني.
  6. كان الانفلات الأمني، وتكرار الصدامات المسلحة بين القوى التابعة لحماس والأخرى التابعة للرئيس أو المحسوبة على أجنحة معينة في حركة فتح، هو أكثر مظاهر الأزمة استفزازاً لمشاعر الفلسطينيين. فقد قتل نتيجة الفلتان الأمني 322 فلسطينياً في الفترة                1/1 - 30/11/2006، منهم 236 في قطاع غزة و86 في الضفة الغربية، مقارنة بـ 176 فلسطينياً قتلوا طوال سنة 2005.
  7. أكدت تطورات أحداث 2006 أن دافع حماس من وراء المشاركة في الانتخابات، تجنباً لضربة عسكرية واسعة، وحماية لبرنامج المقاومة وإعطائه الشرعية، كان حقيقياً وواقعياً. غير أن حماس ربما لم تدرك الحجم الهائل من الضغوط والتحديات التي ستواجهها، عند مشاركتها في قيادة السلطة، أو عند محاولتها تنفيذ برنامجها في الإصلاح والتغيير.
  8. كانت قيادة السلطة الفلسطينية منذ تأسيس السلطة في 1994 قد عملت فعلياً وضمنياً على تهميش المنظمة وإهمالها، ربما في تحضير للرأي العام الفلسطيني للاتفاق النهائي حول القضية الفلسطينية. وكان ذلك  التهميش في جوهره تخلصاً من الشتات، بلاجئيه وفصائله. ولكن ما إن أعلنت نتيجة الانتخابات التشريعية، حتى سارعت قيادة السلطة إلى اللجوء لشرعية المنظمة من جديد، حيث سعت، من ناحية، إلى توكيد عزل حكومة حماس عن ملف المفاوضات، ومن ناحية أخرى، إلى فرض البرنامج السياسي للمنظمة على الحكومة. ولكنها من حيث لم تقصد، ربما، ضاعفت من أهمية التوجه الفلسطيني المتسع إلى إعادة بناء المنظمة وإعادة الحيوية لأجهزتها .
  9. وبالرغم من أن اتفاق مكة قد وفر فرصة كبيرة لإعادة التوافق الفلسطيني الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن استحقاقات فوز حماس في الانتخابات ومشاركتها القوية في سلطة الحكم الذاتي، يفرض استحقاقات تتجاوز تشكيل حكومة الوحدة. من هذه الاستحقاقات، ضرورة إدراك خطورة اعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات الأمريكية - الأوروبية، مما يعني الارتهان للإرادة الإسرائيلية. فهذا الارتهان يشكل خطراً على كامل القضية الفلسطينية، ولذلك فإن تحرير الإرادة الفلسطينية من هذا الارتهان، والعودة إلى الدعم العربي والإسلامي الرسمي الشعبي، يجب أن يكون من أولوية أولويات العمل الوطني. ومن هذه الاستحقاقات، إعادة بناء هيكل سلطة الحكم الذاتي على أساس وطني، بمعنى التخلص من الطبيعة السياسية الفئوية لأجهزة الأمن وللبيروقراطية الفلسطينية، التي جعلت مؤسسات السلطة وكأنها امتداد لحركة فتح. والأهم من ذلك هو بدء العمل الفعلي لإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها، وجعلها أكثر تمثيلاً لحقيقة الاتجاهات السياسية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ككل. وأخيراً، ضرورة التوصل إلى برنامج مقاومة وطني.

 

المشهد الإسرائيلي الفلسطيني: سنة الارتباك وخلط الأوراق:

  1. من الناحية الاستراتيجية، تميزت سنة 2006 اسرائيلياً بإعادة تشكيل الخريطة السياسية الحزبية، وبتراجع خيار الانسحاب الأحادي الجانب، وبالفشل النسبي في إدارة الملفات الأمنية والعسكرية. 
  2. لقد كانت سنة "ارتباك" و"أوراق مختلطة" بالنسبة للإسرائيليين، فقد بدأوا سنة 2006 بآمال كبيرة في القدرة على فرض تصوراتهم الخاصة بالتسوية على الفلسطينيين، وتنفيذ مشروع الانسحاب أحادي الجانب. غير أن فوز حماس في الانتخابات، والفشل الإسرائيلي الذريع في الحرب على حزب الله ولبنان، قد أربك الإسرائيليين، وخلَط الأوراق، وأفقد القيادة الإسرائيلية القدرة على تحديد الاتجاهات، وأضعف شعبيتها؛ مما أدّى إلى تراجعها عن تنفيذ الانسحاب أحادي الجانب، وإلى إعادة النظر في خياراتها وأولوياتها.

12.شهدت الساحة السياسية الداخلية الإسرائيلية "غيبوبة" الجنرال أريل شارون، و"غيبة" الإرادة عن تنفيذ برنامج الانسحاب الأحادي الجانب، و"تغييب" أكبر وتراجع أكثر لدور الجنرالات في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، و"غياب" أوضح للقادة التاريخيين عن قيادة المشروع الصهيوني والدولة العبرية. وتزايد مظاهر الفساد في الأوساط السياسية، وتراجع الثقة في المؤسسات الحكومية والجيش. وهذا يعبر عن حالة من التأزم في المشروع الصهيوني.

  1. التقت الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية (بما فيها كاديما والعمل والليكود) في برامجها الانتخابية على معظم القضايا الحساسة المتعلقة بالتسوية:

§        رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة سنة 1948 "إسرائيل".

§        بقاء القدس الموحدة عاصمة أبدية لـ"إسرائيل".

§        رفض الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة سنة 1967.

§        إبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية.

§        إتمام بناء الجدار الفاصل.

§        رفض التفاوض مع السلطة الفلسطينية بقيادة حماس.

 وعلى ذلك، فلا تنبغي المراهنة كثيراً على التغيرُّات في القيادة السياسية الاسرائيلية، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالقضايا المفصلية.

  1. شهدت انتخابات الكنيست السابع عشر أقل نسبة عدد من المشاركين في الانتخابات في تاريخ "إسرائيل"، حيث بلغت 63.5%، وأعادت نتائج انتخابات تشكيل الخريطة السياسية الحزبية الإسرائيلية، فكانت صعوداًِ متوقعاً لكاديما الذي لم يتجاوز عمره ستة أشهر ، وهبوطاً مُدوِّياً لليكود الذي خسر نحو 70% من ناخبيه ومن مقاعده في الكنيست، وإعادة تموضع داخلي للعمل، واختفاءً لشينوي، وتصويتاً اجتماعياً فئوياً للمتقاعدين. وأظهرت الانتخابات في الوسط العربي شعبية كبيرة للقوائم العربية في المدن والبلدات العربية، غير أن الأحزاب الصهيونية حققت أغلبية كبيرة في الوسط الدرزي، وفي التجمعات البدوية في الشمال، وهو ما يستدعي وقفة تقييم ومراجعة.  
  2. شكل إيهود أولمرت الحكومة الحادية والثلاثين منذ إنشاء "إسرائيل" وحصلت على الثقة في 4/5/2006، وقد تضمن برنامج الحكومة سعيها إلى بلورة الحدود الدائمة لـ"إسرائيل" كدولة يهودية ديموقراطية، وأكدت أنه في غياب المفاوضات مع الفلسطينيين فإنها ستقوم بتحديد أراضي "إسرائيل"، كما أكدت الحرص على استكمال بناء الجدار العازل. وقد لاحقت الإخفاقات السياسية والعسكرية حكومة أولمرت، وضعفت شعبيتها، في الوقت الذي تصاعدت فيه شعبية التيارات اليمينية.
  3. بلغ عدد سكان "إسرائيل" في نهاية سنة 2006 سبعة ملايين و114 ألفاً، بينهم خمسة ملايين و392 ألف يهودي أي نحو 75.8% من السكان. واستمرت معدلات الهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" بالانخفاض، فهاجر  20,955 مهاجراً يهودياً جديداً فقط. كما تشير التقديرات إلى وجود 700–750 ألف إسرائيلي يعيشون خارج "إسرائيل". وتعيش "إسرائيل" هاجساً ديموغرافياً كبيراً مرتبطاً بنضوب مصادر الهجرة اليهودية، والتزايد السكاني الفلسطيني.
  4. تشير الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي حقق نسبة نمو بلغت 5% سنة 2006 مقارنة بنسبة 5.2% حققها سنة 2005، وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 140 ملياراً و472 مليون دولار سنة 2006، مقارنة 129 ملياراً و750 مليون دولار سنة 2005، بينما بلغ معدل دخل الفرد 19,900 دولار. ولا تزال أمريكا الداعم الأكبر والشريك التجاري الأول لإسرائيل. فقد تلقت "إسرائيل" سنة 2006 دعماً أمريكياً رسمياً بقيمة مليارين و630 مليون دولار. وخلال الفترة منذ سنة 1949 وحتى نهاية 2006 بلغ مجموع الدعم الأمريكي الرسمي لـ"إسرائيل" 96 ملياراً و766 مليون دولار.
  5. في سنة 2006 تعرضت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى الاهتزاز بسبب الفشل الذريع في الحرب ضد حزب الله ولبنان، وما تلا ذلك من انكشاف التقصير في العديد من أنظمة القيادة والعمل واستخدامات الأسلحة، وتدمير سمعة دبابات الميركافا، فضلاً عن استقالة العديد من ضباط الجيش وقياداته. وقد بلغت النفقات العسكرية الإسرائيلية لسنة 2006 ما مجموعه11 ملياراً و356 مليون دولار، غير أن إيرادات مبيعات السلاح عادة ما تذهب إلى ميزانية الجيش الإسرائيلي دون ذكرها في ميزانية الحكومة، حيث بلغت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لسنة 2006  أربعة مليارات و400 مليون دولار.
  6. الجيش الإسرائيلي العامل يبلغ مجموعه 176,500 عنصر، أما قوات الاحتياط  فيبلغ عددها 445 ألفاً، وهناك أيضاً 7,650 من قوات حرس الحدود. وفي سنة 2006 كان الجيش الإسرائيلي يملك 3,890 دبابة، و845 طائرة مقاتلة، و291 طائرة هليوكبتر، ونحو 200 قنبلة نووية، ويمتلك ثلاث غواصات و15 سفينة حربية...وغيرها. كما استلم الدفعة الأولى من طائرات إف-16 أي (سوفا) (Sufa) F-16I واستلم سلاح الطيران دفعة من طائرات الهليوكبتر الأباتشي لونجبو (سراف) الهجومية. كما ستستلم البحرية غواصتين ألمانيتين من نوع دولفين Dolphin بإمكانهما التسلح بسلاح نووي.
  7. حاولت "إسرائيل" منع مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية إلا بعد تطويعها ونزع أسلحتها، لكن حماس فرضت نفسها نضالياً وشعبياً بحيث لم يعد من الممكن تجاوزها. وأصيبت إسرائيل بصدمة وارتباك وبلبلة، نتيجة فوزحماس، إذ لم يكن لدى حكومتها سياسة واضحة، لا على المستوى التكتيكي ولا الاستراتيجي. ورأت "إسرائيل" في صعود حماس تحدياً استراتيجياً، ولاحظ خبراؤها بأن "العملية السلمية التي هدفت إلى تخليص السلطة الفلسطينية من الإرهاب هي نفسها التي أحضرت قادة الإرهاب إلى السلطة".
  8. قررت "إسرائيل" مقاطعة الحكومة الفلسطينية التي ستشكلها حماس إلا إذا اعترفت بـ"إسرائيل"، ونبذت العنف و"الإرهاب"، ونزعت أسلحة المنظمات "الإرهابية"، ووافقت على الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين "إسرائيل" وبين م.ت.ف. والسلطة الفلسطينية. وقد أصبحت هذه المطالب هي المطالب نفسها تقريباً التي حددتها الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة) للتعامل مع الحكومة الفلسطينية. كما قررت تنفيذ حصار اقتصادي خانق ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. واستخدمت إمكاناتها كقوة احتلال في إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية الفلسطينية، ومنع نقل البضائع دون إذنها ومراقبتها وإشرافها. وتضمنت الإجراءات الإسرائيلية متابعة سياسة الاغتيالات، والسعي لإسقاط حماس بالقوة. وتؤكد هذه الإجراءات مدى النفوذ العالمي الذي لا يزال يتمتع به المشروع الصهيوني، تحت الرعاية الأمريكية؛ وتجاوزه لكافة المعايير والقيم، بغطاء دولي، عندما يتعلق الأمر بتحقيق مصالحه.
  9. اتسمت سنة 2006 من ناحية العدوان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بتصاعد عمليات الاغتيال والاجتياحات الإسرائيلية خصوصاً ضد قطاع غزة، ودخول إسقاط حكومة حماس وإفشال تجربتها ضمن الأجندة العسكرية الإسرائيلية. واتسام معظم الفعل الفلسطيني المقاوم بالسلوك الدفاعي وردود الفعل ضد الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية. وتضاعف اعتماد المقاومة على إطلاق الصواريخ، خصوصاً من قطاع غزة، فبلغت 1,700 صاروخاً سنة 2006، مقابل 400 صاروخ تم إطلاقها سنة 2005. غير أنه تم استفراغ الكثير من طاقات وإمكانات المقاومة الفلسطينية في الصراع الداخلي وخصوصاً بين فتح وحماس، وهو ما شوّه صورة المقاومة وأضعفها.
  10. استشهد سنة 2006 ما مجموعه 692 فلسطينياً، منهم 556 في قطاع غزة، وتم تنفيذ 85 عملية اغتيال استشهد فيها 189 فلسطينياً، بينهم 134 مستهدفاً. وبلغ عدد القتلى الإسرائيليين سنة 2006 (من دون احتساب حرب لبنان) 32. واعترف الإسرائيليون بتعرضهم إلى 2,135 هجوماً سنة 2006 انطلق نصفها من قطاع غزة، كما نفذت المقاومة الفلسطينية أربع عمليات استشهادية فقط خلال سنة 2006. وقد اعترف جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" بأنه اعتقل سنة 2006 نحو 279 شخصاً، ادعى أنهم منفذون محتملون لعمليات استشهادية مقارنة مع 154 تم اعتقالهم للسبب نفسه سنة 2005. وادعى جهاز الأمن الإسرائيلي أنه تمكن من منع 71 عملية استشهادية، من بينها 45 حالة كان أصحابها قد وضعوا فيها الأحزمة الناسفة على أجسادهم. وهذا يؤكد أن جذوة المقاومة لا تزال راسخة في الشعب الفلسطيني، لكنها تحتاج إلى تفعيل وتوجيه. 
  11. كان الاعتقال أحد وسائل الاحتلال الإسرائيلي في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتطويعه، كما استخدمها كورقة مساومة في المفاوضات، فضلاً عن كونها أسلوباً معتاداً في مواجهة المقاومة وفصائلها. وحسب الإحصاءات الفلسطينية الرسمية كان في سجون الاحتلال 9,200 سجين في مطلع سنة 2006، ومع نهاية السنة نفسها كان يوجد في سجون الاحتلال 11 ألف سجين. وخلال سنة 2006 تم اعتقال 5,671 فلسطينياً، منهم 5,425 من الضفة الغربية و246 من قطاع غزة، بقي من مجموع هؤلاء في السجون نحو 2,500. وإثر عملية أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، قام الإسرائيليون باعتقال عشرة من وزراء الحكومة الفلسطينية، بقي منهم في السجون حتى نهاية 2006 أربعة. ومع نهاية العام كان لا يزال في السجون 34 نائباً. ومن هؤلاء 24 نائباً اعتقلوا بعد أسر الجندي الإسرائيلي شاليط وجميعهم محسوبون على حماس.
  12. يعترف الاستراتيجيون الإسرائيليون بأن معضلة "إسرائيل" تكمن في التوفيق بين الاستمرار في عملية الاحتلال، وبين السعي لإيجاد دولة يهودية تتمتع بأغلبية مريحة، ويُنبِّهون إلى أن عامل الوقت يسير ضد تحقيق هدف وجود "إسرائيل" كدولة يهودية ديموقراطية، كما يسير ضد مشروع الدولتين، حيث تشير التقديرات إلى أنه في سنة 2010 تقريباً سيتجاوز عددُ الفلسطينيين في حدود فلسطين التاريخية عددَ اليهود. وقد ينبني على ذلك "مخاطر" أن يتوقف الفلسطينيون عن المناداة بحلِّ الدولتين، ويعودون للمطالبة بالدولة الواحدة وبحقوقهم المدنية والسياسية، وبالسعي لإزالة النظام العنصري الإسرائيلي على طريقة نضال السود في جنوب أفريقيا، مما قد يفتح المجال، ولو من الناحية النظرية، لإنهاء الطبيعة اليهودية للدولة وفق قواعد واعتبارات قد يقبلها المجتمع الدولي.
  13. وتواجه "إسرائيل" تحدياً استراتيجياً معقداً بسبب فشلها في فرض الحلول التي تريدها على الطرف الفلسطيني، وتصاعد قوة حماس وحزب الله والحركات الإسلامية في المنطقة، وتنامي مخاطر التهديد النووي الإيراني، وتصاعد قوة المقاومة في العراق وأفغانستان، وانتشار ما يسمى "الإرهاب" المعادي بشكل مطلق لـ"إسرائيل" وأمريكا.
  14.  مع بدء سنة 2006 كانت القناعات الإسرائيلية تتزايد بضرورة تجاوز مشروع "خريطة الطريق"، والاتجاه بشكل أكثر وضوحاً وحسماً نحو فرض الحل الأحادي الجانب، الذي أخذ يجد له أشكال دعم متفاوتة لدى مختلف التيارات الصهيونية المحسوبة على اليسار والوسط واليمين، وإن كان ذلك بديباجات مختلفة. وقد تسربت أنباء (أكدتها شواهد عدّة) أن "اسرائيل" تسعى إلى تنفيذ خطة سياسية بديلة عن خريطة الطريق، تستند على أساس أن تشرع "إسرائيل" والولايات المتحدة في مباحثات سرية للاتفاق على الحدود الشرقية لـ"إسرائيل"، حيث تتولى أمريكا دور الوصي أو الوكيل عن الفلسطينيين. على أن يتم الإعلان عن الاتفاق باعتباره إنجازاً أمريكياً تاريخياً، وباعتبار أمريكا الوحيدة التي نجحت في دفع "إسرائيل" للانسحاب من أكثر مناطق الضفة، أو السماح بإقامة دولة فلسطينية ذات امتداد جغرافي في الضفة. وبعد ذلك يتم السعي لتوفير دعم وغطاء دولي للاتفاق.
  15. أصرَّ محمود عباس، على الرغم من فوز حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، على إمكانية متابعة المفاوضات، لكن الإسرائيليين اتهموا عباس بالضعف وعدم القدرة على تنفيذ التزاماته. وحافظت "إسرائيل" على خيط اتصالها بعباس، ومنحته حرية الحركة، وراوحت بين محاولات تشجيعه أو الضغط عليه لإسقاط حكومة حماس، وإجراء انتخابات جديدة. كما عملت في الوقت نفسه على إثارة الفوضى والفلتان الأمني والصراع الفلسطيني، في الوقت الذي رفضت فيه الدخول في أية مفاوضات حقيقية.
  16. في النصف الثاني من سنة 2006 بدأ الإحباط يَدبُّ بشكل سريع تجاه تنفيذ خطة الانطواء أو التجميع إثر فشل الهجوم على حزب الله ولبنان، وإثر تراجع شعبية أولمرت وحزب كاديما، والفشل في إسقاط حكومة حماس، وظهور قناعات بضرورة دعم محمود عباس ورئاسة السلطة، وظهور صعوبات عملية أمنية واقتصادية وقانونية عند دراسة تطبيقات الخطة على الأرض. وعلى الرغم من أن انتصار حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة قد عزز من فكرة عدم وجود شريك فلسطيني، في مشروع التسوية، وبالتالي زاد من مبررات الحل أحادي الجانب؛ إلا أن الانسحاب من مساحات واسعة من الضفة كان سيعدّ انتصاراً لحماس، وسيكون من الصعب جداً تسويقه.
  17. لا يزال الإسرائيليون قادرين فقط على الحوار أو التفاوض مع أنفسهم، ولكنهم لا يملكون الإرادة ولا الجدية اللازمة للتفاوض مع الفلسطينيين أو العرب، حتى وفق قرارات "الشرعية الدولية". ويرتبط جوهر مشروع التسوية بالنسبة إليهم بحل مشكلة الإسرائيليين وليس الفلسطينيين، حيث لم يستوعب الوعي الإسرائيلي حتى هذه اللحظة أن الفلسطيني إنسان يستحق أن يمارس إنسانيته في العودة إلى أرضه والعيش فيها بحرية وكرامة، ويستحق أن يقرر مصيره في دولة كاملة السيادة.
  18. اليمين والوسط واليسار الإسرائيلي يحاولون الهرب من الواقع بتقديم حلول غير واقعية، وهي فلسفة تميل إلى التحايل على الأزمة وليس إلى علاجها، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اتساعها وتزايدها، لتحمل في طياتها المستقبلية مخاطر حقيقية على المشروع الصهيوني. وبالتالي فإن سنة 2007 لا تحمل ما يبعث على التفاؤل بحدوث اختراقات أو إنجازات حقيقية في مسار الأحداث، طالما أن العقلية الإسرائيلية السائدة هي نفسها، وتلجأ تقريباً إلى استخدام الأدوات والوسائل نفسها.

 

 

 

 

الحرب الإسرائيلية على لبنان وحزب الله:

  1. اختلفت هذه الحرب عن كل حروب "إسرائيل" السابقة من زوايا عديدة: الأهداف التي سعت إليها، وطبيعة الخصم الذي واجهته، والفترة الزمنية التي استغرقتها الحرب، وكذلك النتائج والتداعيات التي ترتبت عليها محلياً وإقليمياً ودولياً.
  2. كان من الواضح أن الإعداد لهذه الحرب كان يجري منذ شهورٍ طويلةٍ سبقت عملية حزب الله، وأن تنسيقاً أمريكياً إسرائيلياً بدأ قبل وقت طويل ، واستهدف وضع خطط مشتركة لتدمير البنية العسكرية لحزب الله،  كمقدمة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وليس فقط على الساحة اللبنانية. وقد أقامت الولايات المتحدة حساباتها على أساس أن تحطيم حزب الله سيضعف النفوذ السوري في لبنان إلى الدرجة التي تدفعها لفك تحالفها مع إيران، وربما تقليص دعمها للمقاومة الفلسطينية أيضاً، والقبول في النهاية بشروط أكثر مرونة للتسوية مع "إسرائيل". فإذا ما نجحت الولايات المتحدة في تدمير برنامج إيران النووي، بالتوازي، فسيصبح الشرق الأوسط حينئذٍ مُهيأً برمَّتهِ لميلادٍ جديدٍ.
  3. وحين بدأت "إسرائيل" عملياتها العسكرية أعلنت أنها تبغي تحقيق الأهداف التالية:

§  تدمير البنية العسكرية لحزب الله ودفع ما تبقى من مقاتليه إلى ما وراء نهر الليطاني.

§  مساعدة الدولة اللبنانية على فرض سيطرتها على كامل التراب اللبناني، بما يسمح للجيش اللبناني بنشر قواته في الجنوب، وإخلاء المنطقة من أي عناصر مسلحة أخرى أياً كانت.

§  تمكين الحكومة اللبنانية من تنفيذ القرار 1559 الذي يتضمن نزع سلاح حزب الله وسلاح أي جماعات أو فصائل خارج نطاق سلطة الدولة، بما في ذلك سلاح الفصائل الفلسطينية.

  1. قام سلاح الطيران بحوالي 15,500 طلعة جوية وقام الأسطول بتحركات قتالية نفذ خلالها 2,500 عملية قصف على أهداف ثابتة، وأحكم حصاره على ساحل لبنان طوال فترة الحرب. غير أن حزب الله كان ما يزال قادراً على ضرب العمق الإسرائيلي بمئات الصواريخ يومياً، حتى اللحظة الأخيرة للحرب، مما مثل أكبر دليل على أن "إسرائيل" لم تتمكن من تحقيق أهم أهدافها وهو تدمير بنيته العسكرية.
  2. أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 973 ألف شخص في لبنان، واستشهاد نحو 1100 لبناني، بينهم 400 طفل، وقدرت الخسائر المادية بثلاثة مليارات و612 مليون دولار. وبلغت الخسائر الاقتصادية  الإسرائيلية نحو خمسة مليارات و227 مليون دولار، غير أن التداعيات الأمنية والاستراتيجية البعيدة المدى أهم بكثير من هذه الخسائر. فلأول مرة تجد "إسرائيل" نفسها،  مضطرة للاستمرار في حرب طويلة على هذا النحو (33 يوماً)، ومع استمرارها كانت تتقلص وتتآكل الأهداف التي حددتها لنفسها في البداية، ولأول مرة ينجح الخصم في نقل المعركة إلى أراضيها هي، ويجبر أكثر من مليون إسرائيلي من العيش في رعب داخل الملاجئ أياماً طويلة.   
  3. سعت الولايات المتحدة إلى عرقلة أي محاولة لطلب انعقاد مجلس الأمن، ومنح "إسرائيل" كل ما تحتاجه من وقت لإنجاز أهدافها، كما حرصت على التأكد من أن أي قرار يتخذه مجلس الأمن، حين تصبح الظروف مهيأة لانعقاده، سيلبي كل الشروط الإسرائيلية والأمريكية. وقد جاء قرار مجلس الأمن رقم 1701 محصلةً لتفاعل موازين القوى العسكرية والسياسية للأطراف المشتبكة في الصراع على نحو مباشر أو غير مباشر. وكان إلقاء الولايات المتحدة بكل ثقلها السياسي وراء "إسرائيل"، قد مَكَّنَها من الحصول على مكاسب سياسية أكبر مما سمحت به موازين القوى على ساحة القتال. حيث يظهر من القراءة القانونية للقرار أنه منحاز بشكل واضح للموقف الإسرائيلي. غير أن قراءة سياسية مبنية على موازين القوى الفعلية على الأرض،  تظهر أن أي تسوية وفق موازين القوى الراهنة، سوف تؤدي حتماً إلى مبادلة الأسرى الإسرائيليين بالأسرى اللبنانيين، وإلى عودة مزارع شبعا إلى السيادة اللبنانية، وهما المطلبان الرئيسيان لحزب الله.
  4. وعلى الأرجح، سوف تصُبّ نتائج الحرب لصالح اليمين الإسرائيلي ، وهو ما من شأنه تعقيد فرص التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وما قد يؤسس لحرب جديدة ليس ضد حزب الله أو لبنان هذه المرة، وإنما ربما ضد سوريا وإيران أيضاً.

 

القضية الفلسطينية والعالم العربي:

  1. أوجد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية لاعباً جديداً في الساحة الفلسطينية، يحمل رؤية نضالية وخطاباً سياسياً جديداً، لم تتعود الدول العربية التعامل معه من قبل. وقد قام وفد حماس بزيارات تفاوتت في مستويات نجاحها إلى مصر والسعودية واليمن والسودان وليبيا ودولة الإمارات العربية والبحرين والكويت وقطر وعُمان.
  2. أشادت جامعة الدول العربية بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، وبالنتائج التي أفرزتها‏، واعتبرتها نزيهة وشفافة. وطالبت بضرورة قبول واحترام نتائجها لأنها تعكس خيارات الشعب الفلسطيني وإرادته. غير أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لم توجه الدعوة الرسمية للحكومة الفلسطينية أو وزير خارجيتها للمشاركة في القمة العربية، بينما وجهت الدعوة لرئاسة السلطة الفلسطينية، والتي لم تشرك أحداً من حماس في وفدها المشارك في القمة.
  3. أكدت القمة العربية على تمسكها بالمبادرة العربية للسلام، وأشاد الملوك والرؤساء العرب، بالممارسة الديموقراطية في فلسطين ونزاهة الانتخابات التشريعية وشفافيتها. وأعربوا عن تأييدهم التام للسلطة الوطنية الفلسطينية وقياداتها ومؤسساتها في سعيها للحفاظ على الوحدة الوطنية، وطالبوا المجتمع الدولي باحترام إرادة الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ورفض الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب.
  4. تعاملت مصر بنوع من البرود مع الحكومة الفلسطينية، آخذة في الاعتبار الخلفيات الإخوانية لحماس، والتزاماتها في السلام مع "اسرائيل". غير أنها لعبت دوراً نشطاً في التوفيق بين فتح وحماس، ومنع الاقتتال الداخلي، وضبط الفلتان الأمني.
  5. قدمت سورية دعماً قوياً لحماس ولحكومتها، وعدّت انتصار حماس دعماً لخطِّها السياسي، ولدورها في الصراع العربي الإسرائيلي، كما قوى موقفها في مواجهة الضغوط الأمريكية.
  6. شاب العلاقات الأردنية مع حماس وحكومتها الكثير من الحساسية، التي تصاعدت في ربيع 2006 إلى درجة العداء واتهام الحكومة الأردنية لحماس بتهريب السلاح واستهداف أمن الأردن، وهو ما نفته حماس؛ غير أن العلاقة اتجهت إلى التهدئة، والسعي للوصول إلى تفاهمات مشتركة مع نهاية العام. وفي الوقت نفسه حافظت الأردن على علاقاتها المتينة مع رئاسة السلطة.
  7. استمرت السعودية في دورها الكبير الداعم للشعب الفلسطيني وفي التخفيف عن معاناته، وحرصت على لعب دور متوازن بين رئاسة السلطة وبين حكومتها. وتزايد دورها مع نهاية السنة في التوفيق بين فتح وحماس، والسعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ وهو ما تكلل في النهاية باتفاق مكة في فبراير 2007.  
  8. لم تنجح الدول العربية في فك الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني، ولم تبذل جهوداً جادة لكسره، وتعامل بعضها بحذر وعداء أحياناً مع حماس. ولا زال الضعف والتفكك العربي يعكس نفسه بشكل سلبي على الوضع الفلسطيني، ويوفر هوامش أوسع للجانب الإسرائيلي لفرض برامجه وتصوراته. وإذا كان الجرح النازف في العراق قد أسهم في تراجع الحالة العربية وتشتيتها، لكن المقاومة العراقية القوية، والمستنقع الذي وجد الأمريكان أنفسهم فيه، قد زاد من آمال الفلسطينيين في إضعاف الهيمنة الأمريكية في المنطقة وإفشال مخططاتها التي تخدم المشروع الصهيوني في المنطقة.
  9. وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية استمرت في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع "إسرائيل"، إلا أن الأغلبية العربية الشعبية لا تزال ترفض التطبيع وتقاطعه. ولذلك ظل التبادل التجاري والثقافي أدنى بكثيرمما يخطط له ويأمله الإسرائيليون. انظر الجدول التالي حول الصادرات والواردات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية (بالمليون دولار):  

 

البلد

الأردن

مصر

المغرب

الصادرات الإسرائيلية

2006

136.8

125.8

11.1

2005

116.2

93.8

11.8

 

الواردات الإسرائيلية

2006

38.3

77.1

1.7

2005

60.9

49.1

1.4

 

 

 

القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي:

  1. لا يبدو أن سجل منظمة المؤتمر الإسلامي الحافل بالبيانات والتصريحات، والمفتقر إلى العمل والإنجازات قد اختلف في سنة 2006 عنه في السنوات السابقة. غير أن الأمين العام الجديد للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو، قد حاول أن يكون أكثر فاعلية ونشاطاً ضمن صلاحياته المحدودة، وضمن منظمة يتقاذف أعضاءها الـ 57 الكثير من الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث تصبح القواسم المشتركة التي يمكن أن تحركها قليلة، وفارغة المحتوى في كثير من الأحيان.
  2. أما تركيا فقد استمرت في علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية المميزة مع "إسرائيل". ولم تفلح حكومة حزب العدالة والتنمية، على الرغم مما تتمتع به من شعبية واسعة وأغلبية برلمانية كبيرة، من إحداث تغييرات ملموسة في العلاقة مع "إسرائيل"، في ظل النفوذ الراسخ للجيش والقوى العلمانية المؤيدة لاستمرار العلاقات معها. وكان استقبال العدالة والتنمية لوفد حماس، وبعض الدعم المادي للفلسطينيين، تعبيراً خجولاً عن مشاعر المساندة، ومحاولة للعب دور أكثر توازناً تجاه القضية الفلسطينية. ولا يتوقع أن تتغير هذه السياسة، على الأقل في بعدها الحذر تجاه حكومة حماس، قبل اكتمال استحقاقي الانتخابات الرئاسية التركية والانتخابات النيابية2007.
  3. حافظت إيران طوال السنوات الماضية على موقفها الثابت الداعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة والرافض للاعتراف بإسرائيل. وقد لعبت التهديدات المحتملة التي تتعرض لها إيران إسرائيلياً وأمريكياً، بسبب سياساتها ومواقفها أو بسبب ملفه النووي، دورها في تعميق الموقف الإيراني وتقويته؛ فاعتبرالامام الخامنئي أن "انتصار حماس هو تحقيق للوعد الإلهي بالانتصار للمجاهدين". كما أن مواقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من لا شرعية وجود "إسرائيل" وحتمية زوالها فاقم من الهجوم السياسي والإعلامي الغربي على إيران. وكان لإيران دور بارز في تقديم دعم مادي لحماس وحكومتها وللشعب الفلسطيني يزيد عن 250 مليون دولار. وعلى الرغم من العلاقة الحميمة مع إيران إلا أن حماس حافظت على استقلالها، كما احتفظت بعلاقات متوازنة مع عدد من الدول العربية والإسلامية.
  4. وفي باكستان يرى نظام الحكم بزعامة برويز مُشرّف أن علاقته بـ"إسرائيل" تفيده في تطوير علاقاته بالولايات المتحدة والحصول على دعمها، كما تفيد في تحقيق منافع اقتصادية وعسكرية، خصوصاً في ضوء تنافسه مع الهند، وفي ضوء تنامي العلاقات الهندية - الإسرائيلية. لكن الحكومة الباكستانية تتعامل مع الموضوع بالكثير من الحذر ، إذ إن قوة المشاعر الإسلامية في باكستان وعداءها المستحكم لـ"إسرائيل" وللتطبيع معها، فضلاً عن المعارضة الداخلية القوية التي يواجهها نظام حكم برويز مشرّف، يجعلان من الصعب على الحكومة الباكستانية القيام بأية خطوات جدّيّة في بناء علاقات مع "إسرائيل" في هذه المرحلة. ولذلك فإن العلاقات مع "إسرائيل"، اتسمت بمزيد من الحذر خلال سنة 2006، وخفّت اندفاعتها إثر الاحتجاجات الشعبية المحلية الواسعة. وهو ما دفع باكستان لتأكيد موقفها الرافض للتطبيع قبل قيام دولة فلسطينية .
  5. لم تستطع "إسرائيل" خلال سنة 2006 تحقيق اختراقات حقيقة جديدة، في مجال العلاقات أو التطبيع مع بلدان العالم الإسلامي. كما أن حصارها الخانق للشعب الفلسطيني، ومحاولتها إسقاط حكومته التي انتخبها ديموقراطياً، وحربها ضد لبنان وحزب الله، قد أثارت مشاعر الغضب والاستياء ضدها في العالم الإسلامي. لكن بلدان العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمرالتي تنضوي تحتها ظلت على المستوى نفسه تقريباً من العجز واللافاعلية وعدم القدرة على التأثير في الأحداث، وكانت، كالعادة، دون المستوى في التعامل مع فك الحصار عن الشعب الفلسطيني، أو في استخدام إمكاناتها المادية والدبلوماسية في دعم قضيته العادلة. والجدول التالي يوضح حجم التجارة الإسرائيلية مع عدد من البلدان الإسلامية (بالمليون دولار  :(

 

البلد

تركيا

نيجيريا

ماليزيا

كازاخستان

إندونيسيا

الصادرات الإسرائيلية

2007-06-18