ارشيف من : 2005-2008
قانا... على موعد مع الشهادة
بين 1996 و2006 عشر سنوات ظلت خلالها حية، مشاهد ذلك اليوم الذي شنت فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها القاتلة على مركز قوات الطوارئ الدولية الذي احتمى فيه قرابة 800 مدني غالبيتهم من الأطفال والنساء ظناً منهم ان علم الامم المتحدة قادر على حمايتهم.
سنوات لم ننسى خلالها مجزرة قانا حتى يحيي العدو مشاهدها من جديد في عدوانه الأخير. فماذا حصل في ذلك اليوم 18 نيسان/ أبريل 1996؟
بعد ظهر يوم 18 نيسان 1996 اطلقت المدفعية "الاسرائيلية" المتمركزة على الحدود اللبنانية ـ "الاسرائيلية" مزيجا فتاكا من القذائف على قاعدة قوات الطوارئ الدولية في قانا، فكان أن رفعت قاعدة قانا "تقريرا عن الحادث" إلى قيادة "اليونيفيل" واصدرت تحذيرا عبر اجهزة الميكروفون الى جنود القوة الدولية بأن عليهم ان يرتدوا السترات الواقية من الرصاص، وبدأت تسقط أولى القذائف قرب موقع الهون بعد انقضاء حوالي 8 إلى 10 دقائق على التحذير الموجه عبر الميكروفون، وذلك في الساعة 2.08 او 2.10 تقريبا بعد الظهر، ثم تعرضت القاعدة ذاتها إلى القصف، وسقطت القذيفة الاولى على محيط المجمع، قرب المدخل الرئيسي، ودمرت بنايتين من النوع المسبق الصنع. وادت القذائف الثلاث الاولى إلى تدمير خطوط الكهرباء والاتصالات. وفي حينها قال كولونيل في القوة الدولية "كانت مواقعنا في التلال تنقل الينا ما يجري كنا هنا في انتظار الموت. لم يكن هناك اطلاقا ما يمكن ان نفعله". واضاف "كان هناك الكثير من الصراخ، وكانت المباني تشتعل ومنظر القتلى يفوق حدود الوصف. كانت هناك اشلاء في كل مكان". 
هكذا ينقل الضابط الدولي المشهد وهو أقل بكثير مما يمكن نقله عن مجزرة قانا الأولى التي أدت الى استشهاد اكثر من 100 مدني أعزل من الأطفال والنساء والشيوخ فيما واصيب بعض الناجين بجروح خطيرة ووصلوا إلى المستشفيات بأجساد مشوهة ومحروقة ومصابة بشظايا. وأشارت التقارير إلى أن القذائف التي استخدمت في القصف هي قذائف شديدة الانفجار مصممة لتنفجر فوق الارض وتنشر الشظايا على امتداد منطقة واسعة بهدف زيادة حجم الاصابات على الارض إلى اقصى ما يمكن. 
وعقب مجزرة قانا ادعى العدو الصهيوني عدم معرفته بوجود مدنيين في مركز القوات الدولية إلا أن واحداً على الاقل من كبار المسؤولين العسكريين "الاسرائيليين" اعترف بأن الجيش كان يعرف فعلا ان مدنيين يحتمون في قواعد للامم المتحدة في انحاء الجنوب حيث قال "كان اجلاء مدنيين من القرى إلى منشآت تابعة للامم المتحدة معروفا لدينا منذ اليوم الثاني للعملية. ولم يجر أي نقاش في جناح الاستخبارات حول ما اذا كان هناك 200 او 600 من المدنيين في قانا. السؤال المناسب هو هل كان صائبا ان تطلق النار في مثل هذه الظروف؟. على حد تعبيره.
مع هدوء القصف كان المشهد في قانا أصعب من أن يوصف، أشلاء أطفال وجثث محترقة لنساء وسط ركام المكان، مجزرة قانا كانت مجزرة دولية وفق القانون الدولي الامر الذي يفضي حكماً الى محاكمة منفذيها. 
ويصف القانون الدولي الجريمة الدولية، بأنها تمس اساس المجتمع الدولي نفسه، ويمكن استخلاص خطورتها من طابع الفعل المميز بالقسوة الوحشية، او من اتساع اثاره الضارة، او من الدافع الى ارتكابه كجريمة ضد الانسانية. ومن الاسس المقررة في الجرائم الدولية، استبعاد الحصانات التي يتمتع بها رؤساء الدول والمسؤولين والبعثات الدبلوماسية.
وتتميز الجرائم الدولية عن غيرها، بأنها تنتج عن فعل مدبر من جانب دولة معينة، تعتمد في تنفيذها على قواتها العسكرية و قدراتها ووسائلها الخاصة. ومجزرة قانا التي ارتكبتها قوات العدو الصهيوني في نيسان العام 1996، تخضع لهذا الاطار.
صحيح أن 11 سنة مرت على مجزرة قانا إلا أن الاحداث لن تستطيع أن تطويها وستبقى قانا الأولى والثانية وكل المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي لم يستطع يوماً لا أن يحاسب ويحاكم "اسرائيل" بل حتى أن يدينها ولو لفظياً على جرائمها بحق الانسانية.
ميساء شديد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018