ارشيف من : 2005-2008

الإدارة الأميركية وضعت ضوابط الحرب وحددت وجهتها والجيش استبعد الخيار البري

الإدارة الأميركية وضعت ضوابط الحرب وحددت وجهتها والجيش استبعد الخيار البري

جهاد حيدر

ما زالت فصول الكشف عن المسارات التي سلكتها الحرب التي شنها جيش العدو على لبنان تتوالى

تباعا، وجديدها نشر تفاصيل المراحل والمحطات الفاصلة بين تنفيذ عملية الاسر الناجحة التي نفذها مجاهدو حزب الله، وبلورة قرار شن الحرب الشاملة والعوامل السياسية والعسكرية التي ساهمت في تحديد الاستراتيجية التي اعتمدها كيان العدو. ومن ابرز ما اظهره هذا الكشف المتجدد كيف ان الادارة الاميركية حددت مسارات الحرب، والاتصالات الاميركية الاسرائيلية التي سبقت اتخاذ القرار النهائي؟ وكيف ان المستوى السياسي هو الذي حدد بشكل نهائي مسارات الحرب بعيدا عن توصيات المؤسسة العسكرية.‏

وفيما يلي عرض موجز للمشاورات والاتصالات التي سبقت قرار الحرب وبعض الملاحظات ذات الصلة:‏

الرد الاول الذي صدر على لسان رئيس اركان الجيش دان حالوتس، مباشرة بعد وصول خبر اسر الجنديين ومقتل ثمانية جنود وتفجير دبابة الميركافا، كان سؤاله لزملائه في قيادة الجيش: "ماذا نفعل؟". فأجابه رئيس شعبة التخطيط اللواء اسحاق هرئيل "نهاجم بيروت. فمنذ عام ونحن نقول إننا سنحمّل مسؤولية ما يجري على الحدود للحكومة اللبنانية، وقد حان الوقت لتنفيذ ذلك"، أجاب حالوتس: "حسناً، فهمت"، وحدد الساعة الثانية موعدا للتداول حول خيارات الرد المتاحة أمام الجيش. وعقد الاجتماع حيث حدد فيه حالوتس الوجهة العامة للجيش بالقول: "نحن ذاهبون إلى حرب نارية إلى أن يتقرر أمر آخر". والمقصود بذلك قصف ناري عن بعد وخاصة عبر سلاحي الجو والمدفعية. واوضح أنه لا ينوي المصادقة على دخول الأراضي اللبنانية، ولم يواجه بأي اعتراض حتى من قبل قادة سلاح البر...‏

ومما قاله حالوتس "أقترح أن نضرب لبنان في خاصرته الرخوة، أي في الاقتصاد"، مضيفا انه "إذا أدى ذلك إلى هجوم صاروخي (من قبل حزب الله)، أقترح أن ندفع اللبنانيين للعمل على تحميل حكومتهم المسؤولية". وأوصت خطته المفصّلة باستهداف "20 إلى 50% من البنى التحتية للكهرباء في لبنان. أما التوصيات الأخرى، فكانت مهاجمة هدف واحد داخل الضاحية، وهو مطار بيروت، وكذلك التعرض بشكل قاسٍ للبنى التحتية المتعلقة بالمواصلات والنفط. ومما ذكره حالوتس: " يجب ضربهم بأقصى قوة، ويمكننا ان نتسبب لهم بأضرار بالمليارات، وأن نقطع الكهرباء عنهم ليبقوا عاماً في الظلام". ولكي يوضح ما يعنيه أضاف حالوتس: "يمكن أيضاً أن نستهدف مطار بيروت أو قصر الرئاسة في بعبدا، وهكذا تفهم الحكومة اللبنانية أن هناك ثمناً لعدم مكافحتها حزب الله". لكنه أوضح "أن هناك ثمناً، لأن الرد سيكون كاتيوشا وصواريخ فجر".‏

سأل بيرتس "ما هي قدراتنا على شل صواريخ حزب الله باتجاه الخضيرة وحيفا؟". أجابه حالوتس بأن هناك قدرة على ذلك، وتحدث عن خطتين معدتين لدى الجيش لتدمير المنصات الصاروخية المتوسطة المدى، 45 إلى 70 كيلومتراً، الموجودة بحوزة حزب الله. الخطة الاولى "وزن نوعي"، هي خطة لتدمير المنصات الثابتة المتموضعة داخل البيوت في القرى، وخطة أخرى لمهاجمة المنصات المتحركة من خلال اصطيادها على الشاحنات خلال تنقلها. وقال حالوتس "في هذه المرحلة، لا أقترح مهاجمة صواريخ الفجر".‏

وفي السياق تحدث ايضا رئيس شعبة العمليات اللواء غادي ايزنكوت "الفكرة هي هجوم مشترك ضد حزب الله وضد البنى التحتية اللبنانية من أجل دفع السلطات إلى تحمل المسؤولية. لقد أعطينا أوامر بمهاجمة البنى التحتية الكهربائية في لبنان هذه الليلة". لكن حالوتس تدخل وصوَّب كلامه "لم يكن ذلك أمراً، وإنما توصية منا للمستوى السياسي". وخلال النقاش كرر آيزنكوت موقفه بأن الجيش لا يوصي بمهاجمة منظومة الفجر. وعلَّل آيزنكوت ذلك بأن القدرة على تدمير هذه المنظومة جزئية، ولذلك إذا حصل هجوم على القرى، فإن ذلك سيؤدي إلى تعرض العمق الإسرائيلي للصواريخ.‏

لكن بيريتس تعجب قائلاً "وإذا هاجمنا المطار، ألن يكون هناك رد؟".‏

أجاب آيزنكوت "أعتقد أنه سيكون أقل".‏

أصر بيرتس "لماذا لا يرد حزب الله بكل الوسائل التي يمتلكها عندما نهاجم المطار، وهو الذي يريد أن يظهر نفسه على أنه حامي لبنان؟"، مضيفا أنه "من ناحيتي، أهم شيء هو أن ننجح في منع إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولو جزئياً، لأننا إذا هاجمنا المطار وتعرضنا للقصف في العمق، فسنكون في وضع دوني".‏

وبعدها لخَّص حالوتس الآراء بأن "هناك توجها يقول بشن هجوم استباقي ضد صواريخ الفجر، وفي المقابل هناك توجّه آخر يقول إن علينا أن نهاجم أهداف بنى تحتية، وفقط إذا أطلقوا الصواريخ نقوم بمهاجمتهم".‏

وفي أعقاب المواقف المختلفة التي سمعها لخص بيرتس، باعتباره وزير الدفاع، التوصية الرسمية للمؤسسة الامنية بأنها ستكون بمهاجمة صواريخ الفجر. وهو ما يتعارض مع رأي الجيش واقتراحه.‏

والوحيد الذي ذكر في هذه الجلسة احتمال تنفيذ عملية برية في جنوب لبنان وفقاً لخطة الجيش الإسرائيلي المعدة سابقا هو رئيس القسم الأمني السياسي في وزارة الدفاع اللواء احتياط عاموس جلعاد، الذي قال "بوجوب الاستعداد لحرب طويلة"، وانه "يجب أن نكون مستعدين لتنفيذ عملية برية برغم أنها عملية غير شعبية".‏

ماذا جرى بعد ظهر يوم 12 تموز: تحييد أميركي للسنيورة وحصر الاستهداف بحزب الله‏

في اعقاب التطورات الدراماتيكية على الحدود بين لبنان وفلسطين سارع الرئيس الاميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، للوقوف الى جانب "إسرائيل" بشكل علني، وفي الخفاء أوضحت رايس لأولمرت أن "المس برئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة غير وارد في الحسبان. السنيورة يعتبر عزيز الغرب، برغم ضعفه السياسي في الداخل". واوضحت معاريف التي نشرت محاضر المشاورات والاتصالات بأن الغرض من ذلك كان دعم السنيورة للوقوف في مقابل المحور الآخر في لبنان، المقرب من سوريا وإيران. واعرب اولمرت عن التزامه بالمطلب الاميركي.‏

بعد ذلك وصل الى المشاورات في مكتب اولمرت، كل من بيرتس وحالوتس وكبار ضباط الجيش، وكذلك مسؤولا الموساد (مئير دغان) والشاباك (يوفال ديسكين). أما وزيرة الخارجية ليفني فلم يتم دعوتها. وخلال النقاش قدم بيرتس التوصية الرسمية للمؤسسة الامنية. وعقّب اولمرت على ملاحظات بيرتس وزاد من خطورتها، وأيد ضرباً محدوداً لرموز الحكومة اللبنانية، وقرر أولمرت أنه لن يهاجم أهدافاً لها علاقة بالسلطة اللبنانية. اما بخصوص ضرب بعض اهداف البنى التحتية، فقد صادق اولمرت على ضرب أهداف يمكن التوضيح من خلالها للعالم بأنها تستهدف مباشرة حزب الله. ضرب المرافئ الثلاثة في أنحاء لبنان، بما في ذلك المطار الدولي، يتم عرضه بأنه وسيلة لمنع إخراج الجنود المخطوفين من لبنان وإحباط محاولة تدفق الأسلحة إلى المخربين. وان يكون استهداف المطار بطريقة يسمح بإصلاحه بسرعة. وكذلك تقرر مهاجمة جسور في أنحاء لبنان من أجل وضع صعوبات على حركة قوات حزب الله، لكن عدم تخريب الطريق البحري اللبناني، كي يستطيع سكان جنوب لبنان الفرار شمالاً... وقبل كل شيء شن هجوم على صواريخ الفجر.‏

ومما تقدم يمكن تسليط الاضواء على بعض الخلاصات والعبر التي يمكن استنتاجها:‏

- ان قرار الحرب وتحديد وجهتها ومساراتها، لم يُصنع داخل الحكومة وانما عبر المشاورات الامنية والاتصالات السياسية التي حددت ضوابطها رايس لدى اتصالها بأولمرت، وطالبت بتحييد الاهداف التي تضعف الحكومة اللبنانية وحصرها باستهداف حزب الله وما يخدم فقط إضعافه. ولم يكن دور الحكومة الاسرائيلية سوى التوقيع ووضع الختم على القرارات التي تبلورت خارجها.‏

- ان الاعتبارات العسكرية ومخاوف قادة الجيش من سقوط خسائر كبيرة من أي تغلغل بري واسع اضطر القيادتين السياسية والعسكرية لوضع خيار العملية البرية جانبا، والرهان كان بشكل اساسي على سلاح الجو والمدفعية، ولكن اسرائيل وجدت نفسها في الايام الاخيرة مضطرة للاندفاع بريا بقوة، وجهت خلالها ضربة قاسية جدا لسلاح المدرعات وشكلت احدى محاور التحقيق مع القيادتين السياسية والعسكرية من قبل لجان التحقيق.‏

- وبدا من خلال العرض الذي تقدم عدم حصول نقاش فعلي داخل قيادة الجيش للخيارات العسكرية، فالخطط كانت جاهزة وتحمل عناوين متعددة، وتحاكي عدة سيناريوهات، وبدا أيضا ان رأي حالوتس كان هو المتحكم في بلورة توصية قيادة الجيش، إذ حدد في بداية جلسة القيادة اننا امام حرب نارية يرتكز فيها على استخدام سلاح الجو والمدفعية.‏

والملاحظة الأخيرة انه بعد قرار الحكومة وقراءة حالوتس لمضمونه على قيادة الجيش، بعد منتصف ليل 12 تموز 2006، اقترب رئيس شعبة التخطيط اللواء غادي ايزنكوت من رئيس شعبة التخطيط اسحاق هرئيل وهمس في أذنه: "يجب ان نوقف كل شيء، إنهم لا يدركون معنى القرار الذي اتخذوه"، اما هرئيل فأجاب: "لقد تأخرنا، ولا يمكننا أن نوقف الطائرات"، مضيفاً إن "كل من اتخذ قرار الهجوم كانت لديه رؤية خاصة به، وأقصى ما يمكن القيام به هو محاولة السيطرة على الوضع، بحيث تكون له نهاية".‏

الانتقاد/ العدد 1209 ـ 6 نيسان/أبريل 2007‏

2007-04-06