ارشيف من : 2005-2008

تقليب المحطات المواكبة للاعتصام/ الحدث والنظر بعين.. وعينين

تقليب المحطات المواكبة للاعتصام/ الحدث والنظر بعين.. وعينين

القناع عن الاعلام "الأميركي" فمرده إلى المستجدات الميدانية، حيث أدت خطوة المعارضة اللبنانية في النزول إلى الشارع إلى طلب السفارات من و"سائلها" الإعلامية خوض المعركة حتى آخر فتنة أو طلقة.‏

وهكذا كان وبأسلحة من عيار الكذب الثقيل و"على عينك يا تاجر"، من دون الرجوع إلى كلمة واحدة من كتاب "أصول المهنة"، مهنة الإعلام التي عرفت بعض المنحازين في تاريخها لكن ليس إلى حد فلسفة النعامة الدافنة لرأسها في الرمل.‏

هنا نظرة عامة على وسائل الإعلام "العدوة" والصديقة، وكيفية تعاطيها مع الحدث الذي انطلق ظهر 1/12/2006.‏

المنار‏

مع اللحظة الأولى لتظاهرة الجمعة الحاشدة لأكبر تجمع بشري في الشارع اللبناني، كان تلفزيون المنار في كامل جهوزيته اللوجستية والفكرية، فكانت التغطية الميدانية من كل الزوايا والأبعاد بشكل يبتغي احتواء أكبر قدر من المشهد الجماهيري، لكن الوقائع أثبتت أن امتلاء الساحتين (الشهداء ورياض الصلح) وكل الشرايين المؤدية إليهما، يتطلب مئات العدسات للقبض على المشهد الكامل.‏

مواكبة المنار الممتدة على مختلف محاور الحدث ابتدأت من البرنامج الصباحي اليومي "صباح المنار" مع استضافات سياسية وغيرها من مكان الحدث في وسط بيروت، كذلك يمتد نشاط المنار مع البرامج السياسية المسائية (حديث الساعة، بين قوسين، ماذا بعد، قضايا الناس). وما بين الصباح والمساء هناك حوارات مع سياسيين ومتصلين ونشرات أخبار تغطي التظاهرات ويوميات المتظاهرين في الجزء الأكبر من مساحتها.‏

رسائل سريعة‏

جهوزية المنار أثبتت مواكبتها السريعة للمستجدات حتى المفاجئة منها، خاصة ضمن عنوان "الكليب" القصير الذي تتميز به المنار عموماً، لكن بخصوص التظاهرة قدمت المنار كليبات ظهرت أيضاً على شاشة الـN.B.N بتوقيع المعارضة اللبنانية، أحدها يستعرض كلمات وطنية من أقوال زعماء تاريخيين مثل سليمان فرنجية وكمال جنبلاط ورشيد كرامي، وأيضاً لزعماء حاليين مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب ميشيل عون والسيد حسن نصر الله. في كليب آخر يتم توضيح كلمة "نحن" التي عُنونت كشعار لتحرك المعارضة فظهرت كلمات: نريد حكومة نظيفة لتفسّر كلمة نحن من أول حرف من كل كلمة.‏

من وقت لآخر يقدم المنار أناشيد وطنية وبعضها جديد مع مادة مرئية مقتطعة من تظاهرة الجمعة.‏

N.B.N‏

الـ N.B.N احتلت مساحة واسعة من واجهة تغطية الحدث ومواكبته الدائمة، بل اللصيقة، فغطت التظاهرة وكل ما تلاها مع حوارات سياسية من وسط بيروت/ وسط المتظاهرين، ومساءً تفتح الـN.B.N اتصالات مباشرة مع سياسيين وإعلاميين للاطلاع على آرائهم كما انعكاسات التحرك شعبياً ومحلياً ودولياً.‏

من ناحيتها قدمت شاشة الـ N.B.N عدة كليبات سياسية حديثة سريعة، منها ما يتحدث عن اتفاق الطائف الذي يدعو إليه الجميع من خلال لقطات مصورة لزعماء لبنانيين من مختلف الأطياف، وفي كليب آخر تعمد الـN.B.N إلى تصوير مجلس الوزراء بدون الوزراء المستقلين لتقول إن الثلث الضامن هو ضمان الوحدة الوطنية. من ناحية أخرى تبث الـN.B.N أناشيد وطنية حديثة بشكل دائم. أيضاً اعتمدت الـN.B.N كلمة دائمة على الشاشة هي "المعارضة تعتصم معك يا لبنان" بالخط الأبيض على مساحة حمراء في استعارة موفقة من العلم اللبناني.‏

N.T.V‏

بدورها انحازت الـ N.T.V‏

للناس، لأكثريتهم الفعلية، فغطت الحدث، وواكبت تجلياته المختلفة يومياً، وهي تطل من وقت لآخر على كلمات تلقى من وسط بيروت، وكذلك تعتمد الـ N.T.Vفي برامجها السياسية وأخبارها مقاربة الحدث مع صناعته دون اهمال الرأي الآخر، فتفرد له مساحة، علماً أن قيادياً معروفاً بتوتره كاد يشتم الـ N.T.V على الهواء أثناء مشاركتها مع آخرين في نقل مؤتمره الصحافي.‏

يذكر أن الـ N.T.Vلم تقدم كليبات خاصة، كما تابعت إلى حد ما دورة برامجها المعتادة.‏

الجزيرة‏

إن أكثر ما يزعج "قوى" الأكثرية هو هذه المواكبة الدائمة من قبل وسائل الإعلام العربية والعالمية للاعتصام الدائم في وسط بيروت بشكل سوَّق الحدث وعمله عالمياً حتى على شاشات مثل C.N.N وB.B.C، لكن الازعاج الأكبر كان عن طريق قناة الجزيرة التي يبقى خبر الاعتصام في مقدمة نشراتها وبرامجها وتحليلات مراسليها من بيروت وغيرها من العواصم، والأرجح أن هذا هو ما أجبر محطات أخرى لإلغاء قرار التعتيم على الاعتصام واعتماد مواكبته حتى ولو من زاوية واحدة.‏

العربية‏

لا تستطيع قناة "العربية" أن تخفي مصادر تمويلها المباشرة، لكن بعض الأحداث تكشف ملامح التمويل والدعم بالصورة والصوت لأن الشاشة بطبيعتها تلفظ ما في أعماقها إلى السطح، من هنا كانت العربية طرفاً متناغماً مع حلف "المعتدلين" كما تحب رايس أن تسميهم.‏

المشاهد لقناة العربية يتلمس من الصورة الأولى "هول" ما تقوم به المعارضة في لبنان، حيث الاضرار الاقتصادية التي يسببها الاعتصام تصل إلى 70 مليون دولار يومياً، كخسائر أولية أعلنها الوزير أزعور، وقد احتكرت العربية حصرية البث والترويج والترويع للخبر.‏

في أحيان كثيرة انحاز بعض مراسلو العربية في بيروت في توصيف المشهد وتسميته وتقدير تأثيره، ومن جهة أخرى كان التقريع لكلمات بعض رجال السلطة غاية في المباشرة، كأن يصف مدير مكتب المحطة في بيروت كلمة السنيورة بالشفافة، أما مراسلة المحطة ريما مكتبي فتعمدت وصف التظاهرة الجماهيرية بتظاهرة 8 آذار، وهي تعلم أن التيار الوطني الحر لم يكن في 8 آذار، وهو الآن مكون رئيسي في اعتصام المعارضة.‏

المستقبل‏

تتعامل شاشة المستقبل مع تحرك المعارضة على أنه الطوفان الذي إن انهار السد أمامه سيجرف طبقة "الأكثرية" بمجملها، بما فيها المحطة عينها، لذلك نرى المستقبل مستشرساً في دفاعه ولا نقل هجومه، لدرجة أن تلعب المحطة على مختلف الأوتار، وأبرزها وتر المذهبية والشحن المناطقي في قالب ملحه الكذب وسكَّره الكذب.‏

فبعد أن فضحت الشاشات خواء تجمع فريق 14 شباط في ساحة الشهداء أثناء تشييع الوزير بيار الجميل، قامت المستقبل يوم تظاهرة المعارضة، يوم الجمعة الفائت، بتصوير ساحة الشهداء على أنها فارغة تماماً بعد أن استغلت بضعة أمتار بمحاذاة ضريح الرئيس رفيق الحريري، قامت الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع منظمي التظاهرة بعزلها بالأسلاك منعاً لأي التباس.‏

إذاً ردت المستقبل على صورة صحيحة بصورة كاذبة.‏

حتى بعد استشهاد الشاب أحمد محمود عمدت المستقبل لتغطية إشكال جرى في بشامون وتسليط الضوء على شاب قالت انه تعرض للضرب من فريق المعارضة، وفي الوقت نفسه روّجت المحطة "لخبرية" العمال السوريين الذين يرشقون الناس بالحجارة، هذا عدا عن كليبات المستقبل التي تتحدث عن القناع الذي سقط! و"حياة اللي راحوا ما رح ترجعوا".‏

L.B.C‏

من ناحية الـL.B.C كانت مجافاة الحقيقة في حالة ترنح ضمن مؤشر متذبذب لدرجة أن بعض مراسلي المحطة أشاعوا أن مدير مجلس إدارة الـL.B.C بيار الضاهر قد طلب منهم التخلي عن الحياد لمصلحة فريق "14 آذار"، وهو ما تجلى في التقارير الاخبارية وحتى البرامج السياسية، حيث إن برنامج مثل كلام الناس استضاف قبل ليلة من تظاهرة المعارضة مجموعة من الاقتصاديين ورجال الأعمال للحديث عن ضرر نزول الناس إلى الشارع. فيما بعد نقل عن مسؤولين في الـL.B.C أن الكلام عن انحياز المحطة بإيعاز من رئيس مجلس إدارتها هو خبر عار من الصحة، وواكب الأمر بعض التعديلات في بعض التقارير الإخبارية، فلم يتم التقليل من حشد التيار الوطني الحر أثناء القداس في كنيسة مارجرجس، ولو ان برنامج نهاركم سعيد لم يكن سعيداً بفورة جمهور التيار وبالطبع المعارضة عموماً.‏

إذاً الحديث عن الإعلام المرئي واتجاهاته لا يحتاج إلى مقدرات عراف أو قراءة كف وفنجان، فالأمر ابسط بكثير، ولا يحتاج سوى إلى "ريموت كونترول" وإصبع يقلب أرقام المحطات ومؤشراتها.‏

عبد الحليم حمود‏

2006-12-07