ارشيف من : 2005-2008
صعوبات عديدة تعترض التوافق : بعد الخوض في المواصفات.. هل يبدأ الخوض في الأسماء؟
الاستحقاق الرئاسي. هذا الاستحقاق الذي يتجاوز في هذه المرحلة طبيعة موقع الرئاسة الأولى التي فقدت مع اتفاق الطائف بعض سمات الدور الممتاز والفائق الحدود، إلى القيمة السياسية في الصراع الدائر في لبنان ومن حوله. ففريق الرابع عشر من شباط يريد الإتيان برئيس منه ليكمل به عملية الاستحواذ على كل مكوّنات السلطة، وبالاتجاه الذي يثبت لبنان في دائرة الخيار السياسي الأميركي في المنطقة. في المقابل تدافع المعارضة عن الخيار المناهض للمشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة، الذي يضع نفسه على خط صدام مباشر وقوي وعنيف أيضاً مع الخط المناهض والمقاوم له، ويكفي، من باب الإتيان بشاهد هنا، الوقوف عند المواصفات التي أخذ كل طرف يضعها للرئيس المقبل!
لقد سبق لدايفيد ولش أن أعلن صراحة أن واشنطن تريد رئيساً لا يناهض مشروعها في لبنان والمنطقة، وأن لا يكون قريباً من حزب الله، وهنا بيت القصيد الأميركي، والإشكال الأميركي أيضاً، فما يهم واشنطن هو الإتيان برئيس في الخيار السياسي المناوئ للمقاومة، أي رئيس يكون على أتمّ الاستعداد للانخراط في مواجهة مفتوحة مع تيار المقاومة في لبنان. وأما الإشكال فإن طلبا اميركيا كهذا ليس في الحقيقة إلا مشروع فتنة داخلية، حيث ان رئيساً بهذه المواصفات سيكون مع حلفائه في الخندق المعادي لأغلبية الشعب اللبناني.
من جهته ذهب نائب الرئيس السوري بالاتجاه المضاد تماماً، حيث أشار إلى ضرورة أن يكون الرئيس المقبل عربي الانتماء وداعماً للمقاومة.
أما داخلياً فتتراوح المواصفات بين من يريدها على قياس فريق بعينه كفريق 14 شباط، الذي يبدو أنه وجد في النائب نسيب لحود تجسيداً لهذه المواصفات.. وهناك من يطرح مواصفات عامة كالبطرك صفير، تنطبق أكثر على مواصفات مرشح فوق توافقي اذا جاز التعبير، أي مرشح يكون من خارج الأفرقاء المتصارعين، ويكون في الوقت نفسه قادراً على مخاطبة الجميع وعلى مسافة واحدة منهم. هذا الطرح يستهدف في خلاصته توسيع مروحة الخيارات لتشمل من هم خارج دائرة هذا الفريق أو ذاك، ولا بأس أن يكون مرشحاً مغموراً.
وهناك من يدعو إلى مرشح توافقي، أي مرشح يحظى برضا الأطراف السياسية المتنازعة، أي يكون محل اطمئنان لديها جميعاً، وقادراً على الوقوف في منطقة الوسط، والإمساك بالعصى من نصفها.
من الواضح أن كل طرف يضع المواصفات التي تلائم مصالحه السياسية وتعكس توجهاته الخاصة. فواشنطن تتعامل مع الاستحقاق الرئاسي كجزء لا يتجزأ من معركتها مع المقاومة في لبنان والمنطقة، وبالتالي كاستمرار سياسي لعدوان تموز.
وأما الأوروبيون فيتعاملون معه انطلاقاً من قلقهم العام على مصالحهم في لبنان، وعلى الموقع المسيحي فيه، ولهذا هم أميل إلى رئيس تسوية مرنة أكثر من أي شيء آخر.
وأما فريق 14 شباط فيحاول حتى الآن الظهور بمظهرين: مظهر من يتبنى الطرح والأهداف الأميركية حتى النهاية كجعجع وجنبلاط، ومظهر هو أقرب إلى محاكاة الموقف الأوروبي كتيار المستقبل، وإن كانت حكمة التجارب تجعلنا متحفظين على هذا الاستنتاج، وبالتالي أن نحتاط للعبة توزيع الأدوار وسياسة تطبيع الوقت، واعتماد تكتيك التهدئة والحرص على الوفاق، حتى إذا ما حانت ساعة الحقيقة يتم الذهاب إلى الخيار الصدامي على قاعدة أن المعارضة هي من يتحمل مسؤولية عدم التوافق.
وفي مطلق الأحوال، فإن الانخراط في لعبة المواصفات بقدر ما يعكس التوجهات السياسية لكل طرف، ويعكس بالتالي طبيعة الخيارات السياسية المتنافسة داخلياً وخارجياً، فإنه يعكس انتقاداً عملياً باتجاه البحث في الاستحقاق الرئاسي، اذ للخوض في المواصفات وجه آخر، هو تحديد السقوف العليا للتفاوض مع كل فريق، وصولاً إلى تحديد المواصفات المنسجمة مع توازنات القوة ومعادلاتها في لبنان والمنطقة عموماً، وهي توازنات أقل ما يقال فيها انها لا تسمح بالإتيان برئيس طرف، بل رئيس قادر على عكس هذه التوازنات بدقة، ولعل أبرز معالمها الخطوط الرئيسية التالية:
أولاً: أن يكون شخصية مسيحية ذات حيثية تمثيلية مقنعة للشارع المسيحي، يرى فيها تطلعاته، لا سيما بعد اصرار البطرك على رئيس قوي وقادر على تعويض ما يراه الموارنة إضعافاً لموقفهم الأول في السلطة.
هنا يكمن محل الاشتباك الأول، لا سيما في ظل وجود الجنرال عون كمرشح لا يستطيع أحد تجاوزه مسيحياً وفق المواصفات الآنفة.
ثانياً: أن يكون رئيساً قادراً على مخاطبة المجتمع الدولي، وعلى بناء علاقات أخوية مع سوريا.
ثالثاً: أن لا يكون في الخط المعادي لخط المقاومة، وأن يكون قادراً على تفهم متطلباتها وإقامة حوار ايجابي وبناء معها.
بعد هذا كله، هل يمكن الإتيان برئيس يستطيع الحفاظ على توازنه في منطقة التجاذب المعقد داخلياً وإقليمياً ودولياً؟ لا تبدو الأمور سهلة، وإن أخذت تلوح في الأفق مؤشرات تفاؤل أولية، ويبقى وضوح الأمور رهن المقبل من الأيام.
الانتقاد/ العدد1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018