ارشيف من : 2005-2008

جنون

جنون

التي تصل إلى: هل"سنزمط" من حرب داخلية، أم نكتفي بعنف متنقل؟ سيكون لدينا رئيس أو رئيسان، ثم حكومتان، ثم شعبان، ثم ما تبقى من لبنان.‏

من يستطيع الاجابة عن هذه الأسئلة، آثرت أن أطنش، وأن أحذف منك هذه الأسئلة، وأهتم فقط بطرح أسئلة أخرى، لا تمت إلى الواقع بصلة، ماذا لو نغيّر اسماءنا؟ كأن يختار كل واحد منا، اسماً خاصاً به؟ أي فوضى جميلة سوف تحصل، تنادي شخصاً باسمه، فيجيبك آخر، تتحدث عن "فلان"، فيظن آخر أنك تحكي عن "علتان". وهكذا يتحول البلد بكامله، إلى "بابلستان"، هذا ما كان يدعى لبنان، الذي يتعرض سكانه إلى سيل من الأسئلة الواردة أعلاه، والتي لا يستطيع أحد الإجابة عنها.‏

وجدت السؤال مجنوناً ولكنه أكثر معقولية، من الكلمات المتقاطعة اللبنانية، ثم قلت ماذا لو نؤلف كلبنانيين، شبكة كلمات متقاطعة، بشرط أن تكون بلغات متعددة؟ مستحيل؟ لم لا! فنحن نجيد اللغة العربية بلهجاتها ولكناتها ولفظها المتعدد، والفرنسية أفضل من برنارد كوشنير، والأميركية بلهجة جون بولتون، وربما نجد من يجيد الانتماء إلى العبرية، وقد نصل إلى أن نتبوأ المرتبة الأولى، في كتاب غينيس، بالفعل، يمكن أن نصل إلى تأليف الشبكة، والى تقدم الكثيرين في مباريات حلها.‏

قد يعترض البعض على أن مثل هذه التجربة، قد تفجر المشاركين في تأليف هذه الشبكة، وتحمسهم للاشتباك بالأيدي والأقلام والجمل المضادة. أرى أنني تحمست لهذه التجربة لأن عبقرية انتاجها، ستتفوق على عبقرية اللبنانيين المقيمين في الأقنية السياسية الذين سدوا فيها كل المنافذ والمعابر، وأقاموا فيها يندبون من خلال طرح الأسئلة الواردة أعلاه.‏

ثم تبين لي أن الأفضل أن نسأل: لماذا لا نوزع عدداً من حبوب التفاؤل، فتتحول الأسئلة إلى المستوى التالي: لماذا لا نتظاهر من أجل رغيف الخبز؟‏

لماذا لا نكتب عريضة ونوقع عليها للمطالبة بطقس جميل معتدل يوفر علينا الكثير من عناء انتظار الكهرباء المنقطعة؟ أو، لماذا لا نقترح على مجلس الأمن الدولي اصدار قرار يمنع اللبنانيين عن الكلام، وتعميم موجة الخَرَس الطوعي، ومعاقبة المخالف، بالبند السابع، لكمّ صوته نهائياً أو إلى الأبد.‏

ثم جاء من اقترح عليّ، أن المطلوب في هذه المرحلة، تدوير الطرقات اللبنانية، فيتأمن الالتقاء بين اللبنانيين، ولو أراد أحدهم أن "يزمط" من الآخر، فإنه لن يستطيع ذلك أبداً، فهو محكوم بأن يدور ويدور ويدور حتى يدوخ، وهكذا يمكن تأليف وحدة وطنية شاملة، ويكون المتوحدون فيها شعباً داخ من الدوران حول نفسه.‏

على أن البعض استنكر هذه العقلية العبثية واخترع لنا جنوناً ابيض، كأن نعلن على الملأ من يرغب في الإقامة في "العصفورية" أو في "دير الصليب" أو في أي "مصح عقلي" وعلى كل لبناني راغب في الانتماء إلى حلقة الجنون أن يتقدم بطلب رسمي مرفق بصورة غير شخصية، واخراج قيد ليس له، ويتوقع هذا البعض، أن يبلغ عدد الراغبين في الانتساب إلى هذه المصحات، قد يصل إلى ثلاثة ملايين وتسعمئة وتسعة وتسعين الف لبناني، أي أربعة ملايين، ناقص واحد.‏

وسيوزع المواطنون البيض، على كامل الأراضي اللبنانية، لأنه، "ما فيه أحسن" من العدل، وهكذا يشفى اللبنانيون من أحقادهم، وعصابهم، وانفصامهم، وتعصبهم، وتطيفهم، وتوزعهم، ويتوقع خبراء نفسيون أن يعمّ السلام اللبناني بالكامل.‏

إلى أن نبلغ هذا الجنون الأبيض، علينا أن ننتظر كثيراً، ففيما أنا أكتب هذا المقال وقع انفجار كبير في بيروت وتعرفون التتمة.‏

يا إلهي! ما هذا البلد؟ ألا يشفيه غير الجنون؟‏

نصري الصايغ‏

الانتقاد/ العدد1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر2007‏

2007-09-21