ارشيف من : 2005-2008

اغتيال النائب غانم يخلط الأوراق الرئاسية : استهداف لمبادرة التوافق وتحضير لنقل ملف الرئاسة إلى مجلس الأمن

اغتيال النائب غانم يخلط الأوراق الرئاسية : استهداف لمبادرة التوافق وتحضير لنقل ملف الرئاسة إلى مجلس الأمن

المنطقة تسير على وقع مشروع الفوضى الخلاقة للإدارة الأميركية والكيان الصهيوني، وجاءت عملية الاغتيال على أبواب دخول الاستحقاق الرئاسي مرحلة حاسمة على أكثر من صعيد دستوري وسياسي، وكأن من يقف وراءها أراد الإطاحة ببداية بوادر التوافق التي يعمل عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.‏

مصادر متابعة لاحظت أن عملية الاغتيال جاءت بالتزامن مع العديد من المؤشرات الرئاسية، منها:‏

أولاً: حصلت قبل ستة أيام من موعد الجلسة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الثلاثاء المقبل في الخامس والعشرين من أيلول الحالي لانتخاب رئيس للجمهورية في مستهل المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي التي تستمر من الرابع والعشرين من أيلول حتى الرابع والعشرين من تشرين الثاني المقبل تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود.‏

ثانياً: جاءت في وقت كان رئيس المجلس نبيه بري قد قرر التوجه إلى بكركي اليوم الجمعة للقاء البطرك الماروني نصر الله بطرس صفير والبحث معه في تفاصيل الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من مبدأ التوافق والبحث في أسماء المرشحين التوافقيين لرئاسة الجمهورية في سياق مبادرته الوفاقية.‏

ثالثاً: جاءت بعد ساعات على نداء المطارنة الموارنة الثامن الذي أكد فيه ضرورة حصول الاستحقاق الرئاسي من ضمن عملية توافق، ورحب بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري وتمنى لها النجاح.‏

رابعاً: بعد ساعات على الموقف الهام الذي أطلقه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، حيث أعلن من الرياض أنه أبلغ رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة ضرورة التجاوب مع مبادرة رئيس المجلس نبيه بري التوافقية.‏

خامساً: بدا واضحاً أن عملية الاغتيال استفاد منها صقور فريق السلطة الرافضين لمبدأ التوافق بشأن الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وما لفت المراقبين هو تحقق النبوءات التي كان تحدث عنها الرجلان قبل أسابيع عن حصول عمليات اغتيال، وهو ما طرح علامات استفهام كبيرة بشأن حصول عمليات اغتيال في أعقاب هذه النبوءات.‏

وانطلاقاً من هذه المؤشرات السابقة اعتبرت المصادر المتابعة أن اغتيال النائب غانم استهدف بالدرجة الأولى ضرب المبادرة الوفاقية الرئاسية التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ودفع الاستحقاق الرئاسي باتجاه مجلس الأمن كما حصل مع المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث استمرت التفجيرات حتى جرى اقرارها بعيداً عن المؤسسات الدستورية بما يجعلها أداة سياسية بيد الولايات المتحدة، وقد بدا واضحاً هذا الاتجاه الجديد قبل أسابيع وتحدثت عنه أوساط دبلوماسية عديدة حيث يسعى فريق السلطة بتنسيق مع راعيه الأميركي لنقل ملف الاستحقاق الرئاسي إلى مجلس الأمن ليقوم هذا المجلس بانتخاب الرئيس بذريعة حصول عمليات اغتيال وعجز المؤسسات الدستورية عن القيام بمهامها، وبالتالي "تعيين" رئيس على قياس فريق السلطة يكون مرتهناً للارادة الأميركية وملتزماً تنفيذ أجندتها في البلاد بعيداً عن أي توافق لبناني ـ لبناني لأن هذا التوافق الذي تشدد عليه المعارضة لو حصل سوف يأتي بالتأكيد برئيس للجمهورية غير خاضع للاملاءات والمشاريع الأميركية والصهيونية.‏

ولمنع هذا المخطط الخطير فإن ما صدر من مواقف خلال الساعات التي تلت عملية الاغتيال من قبل المعارضة شدد على الاستمرار في مبادرة التوافق، وهو ما أكد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ثبت موعد جلسة انتخاب الرئيس يوم الثلاثاء القادم بالتوازي مع مواصلة جهود التوافق بشأن الاستحقاق الرئاسي.‏

وكان الرئيس بري كرّس جهده الأسبوع المنصرم على المرحلة الثانية من مبادرته التي جرت وفق اطارين "دبلوماسي" و"محلي".‏

على الصعيد الدبلوماسي تتحدث المصادر عن كلام في العمق جرى بشأن الاستحقاق الرئاسي خلال استقبال رئيس المجلس لعدد من السفراء الأسبوع المنصرم، وفي مقدمتهم سفير الفاتيكان الذي زار عين التينة يوم الأحد الماضي أي يوم العطلة، وهذا كان له دلالته حيث التقى الرئيس بري وبحث معه الملف الرئاسي في اشارة اهتمام من قبل الفاتيكان بهذا الاستحقاق وتأييد لمبادرة رئيس المجلس التوافقية، مع الاشارة في هذا السياق إلى أن سفير الفاتيكان لا يتحرك إلا في المفاصل الهامة.‏

وبعده استقبال الرئيس بري السفير الإيراني محمد رضا شيباني العائد من طهران حيث أبلغ الأخير الرئيس بري تأييد قادة الجمهورية الاسلامية لمبادرته التوافقية بشأن الاستحقاق الرئاسي، وتشديده على الجذور اللبنانية لحل الأزمة.‏

أما على الخط المحلي فكان قرار رئيس المجلس بالتوجه إلى بكركي لكن جرى إرجاء موعد الزيارة التي كانت مقررة اليوم إلى موعد آخر بعد حصول جريمة اغتيال النائب غانم.‏

والخط الآخر المحلي الذي يسلكه الرئيس بري في سياق مبادرته هو الانفتاح على التواصل مع رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي أطلق مؤخراً عدة مواقف يرى أنها تنحو باتجاه الايجابية، وكانت البداية في التواصل بين الرجلين عبر الاتصال الهاتفي الذي أجراه الحريري ببري قبل أيام مع توقعات بأن يجري التحضير لعقد لقاء بينهما وفق ما كان ألمح اليه النائب ميشال المر بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الثلاثاء الماضي في عين التينة بعدما كان التقى قبل ذلك أيضاً النائب سعد الحريري. لكن المصادر تأخذ على الحريري دخوله في لعبة تضييع الوقت، وتسأل إذا كان مستعجلاً على الحوار كما أعلن في أحد خطاباته على موائد قريطم فلماذا تأخر في الإجابة على مبادرة الرئيس بري لنحو أسبوعين.‏

المصادر المقربة من الرئيس بري تشير إلى أن الأخير بصدد اطلاق مرحلة ثالثة من الاتصالات بعد جلسة الخامس والعشرين من أيلول دون أن تفصح عن طبيعة هذه المرحلة. لكن مصادر أخرى تستبعد حصول توافق على الاستحقاق الرئاسي إلا إذا جرى ما هو غير متوقع وفي اللحظة الأخيرة من المهلة الدستورية حيث لا زالت رهانات فريق السلطة تعتمد على تطورات اقليمية تسمح لها بإكمال انقلابها في الداخل وهي مرتاحة لتصعيد لهجة العدوان من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ضد كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا والتي أضيفت إليها مؤخراً اللمسة الفرنسية عبر تصريحات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قبل أن يتراجع عنها لاحقاً.‏

هلال السلمان‏

الانتقاد/ العدد1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر2007‏

2007-09-21