ارشيف من : 2005-2008

الأسير المحرر رأفت حمدونة : حكاية تحد وتفوق بددت عتمة السجون الصهيونية

الأسير المحرر رأفت حمدونة : حكاية تحد وتفوق بددت عتمة السجون الصهيونية

عاماً).‏

بدأت قصته عام 1990 حين اعتقل على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني وهو في العشرين من عمره بتهمة إصابة "إسرائيليين"؛ ليجد نفسه كغيره من الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم في سجون الاحتلال نحو 11 ألف أسير أمام واقع جديد من شأنه أن يغير نمط حياته.‏

وعن اللحظات الأولى التي شعر بها حين صدور الحكم بحقه بالسجن عشرين عاما، حدثنا رأفت: "في حينها تركز تفكيري على شيء واحد فقط هو كيف للإنسان أن يعيش مقدار ما عاش في حرية وراحة داخل زنزانة ضيقة مسلوب الإرادة؛ وعلى هذا الأساس اعتبرت أن السجن هو واقعي ونصيبي ولا خيار أمامي سوى أن أنجزه، وهنا حديثنا ليس على الأموال أو الرفاهية أو ما إلى ذلك، وإنما بناء إمكانياتي الذاتية من جهة، ومن جهة ثانية التصدي لمحاولات إدارة السجون الرامية إلى تفريغ الأسير من نضاله ومحتواه الوطني".‏

وعن الخطوات العملية التي اتخذها رأفت في سبيل تطوير نفسه والارتقاء بها، قال: المحرك الأول كانت انتفاضة الأسرى في أيلول/ سبتمبر عام 1992 والتي تمثلت في إضراب الأسرى الشهير الذي استمر لمدة 17 يوماً بمشاركة جميع القوى؛ حيث كان من بين إنجازاته إقرار التعليم الجامعي للأسرى، لكنه واجه جملة من الإشكاليات التي اعترضت طريقه ومن أبرزها: أن التعليم كان باللغة العبرية فقط وهناك الكثير من الأسرى لا يجيدونها، إلى جانب ارتفاع تكلفته حيث أن متوسط الحصول على البكالوريوس يساوي 8 آلاف دولار أميركي، بالإضافة إلى مزاجية إدارة ومصلحة السجون في السماح للأسرى بالالتحاق بالجامعات؛ لكن ذلك لم يدم طويلاً حيث تم تجاوز أهم هذه الإشكالات والمتمثلة في الجانب المادي حيث تعهدت وزارة الأسرى والمحررين بدفع التكاليف اللازمة لذلك.‏

عراقيل‏

وحول طبيعة النظرة التي كانت توجه إلى الأسير فور التحاقه بالجامعات العبرية يقول رأفت: "التعليم في الجامعة الإسرائيلية لا يمكن أن تنجزه بدون تأثير على ثقافتك وهويتك إلا إذا كان لديك رصيد من الثقافة الوطنية والدينية، بالإضافة إلى القدرة على التمحيص والنقد".‏

وعن تجربته الشخصية وحصوله على شهادة البكالوريوس تحدث رأفت: "في العام 1999 وقبل الإفراج عني بنحو ست سنوات اعتبرت أن لدي وقتا محددا لأن أكمل دراستي فالتحقت بالجامعة المفتوحة في "إسرائيل" ـ تخصص علوم سياسية وعلاقات دولية؛ إلا أن العراقيل الصهيونية حالت دون ذلك حيث كانت إدارة السجون وفي مرات عدة تقوم بإجبارنا على أخذ كورسات معينة، بالإضافة إلى منع بعض الكورسات بدعوى أن هذه المواد تفيد الأسرى مستقبلاً في نشاطاتهم، فاضطررت لدراسة تخصص علم اجتماع وعلوم انسانية وحصلت على شهادة الامتياز في العام 2001".‏

لم يكتف رأفت بالحصول على شهادة البكالوريوس بل واصل طريقه وبعزيمة لا تلين حيث حاول أثناء اعتقاله أن ينتسب لنفس الجامعة التي درس بها للحصول على شهادة الماجستير وبالفعل تم قبوله؛ إلا أن فجر الحرية بزغ وحال دون ذلك حيث كان هناك صعوبة في التواصل مع الجامعة بعد الإفراج عنه.‏

جامعة القدس ـ أبو ديس هي الجامعة البديلة التي اختارها رأفت لإكمال حلمه، وبالفعل بعد ثلاثة أشهر فقط من تحرره تم افتتاح فرع لهذه الجامعة في غزة؛ فما كان منه إلا أن التحق بها ليحصل هذا الشهر على شهادة الماجستير في الشؤون الإسرائيلية بمعدل 91%، وما زالت الطريق في بدايتها كما يقول رأفت حيث أنه يطمح للحصول على الدكتوراه في المستقبل القريب كطموح شخصي منذ القدم وليس مستجدا لتحقيق ذاته.‏

التميز لم يعرف حداً معيناً عند رأفت فخلال سنوات اعتقاله الخمس عشرة برع في الكتابة حيث تمكن من تأليف كتاب حمل عنوان "نجوم فوق الجبين" تحدث فيه عن الحركة الوطنية الأسيرة ونضالاتهم وظروف حياتهم وذلك بالاشتراك مع زميله الأسير محمد أبو جلالة الذي لا يزال خلف القضبان، كما ألف أربع روايات هي: عاشق جنين، الشتات، قلبي والمخيم، لن يموت الحلم، بالإضافة إلى كتيبين هما: صرخة من أعماق الذاكرة لعمداء الأسرى، وما بين السجن والمنفى حتى الشهادة عن حياة الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين د. فتحي الشقاقي.‏

رحلة التحدي والمعاناة الطويلة التي عاشها رأفت توجت بنجاحات أخرى عدا عن تفوقه في دراسته؛ فهو يعمل حالياً مستشاراً لوزير الأسرى والمحررين للشؤون الإسرائيلية، ومديراً لمركز الأسرى للدراسات والأبحاث، ومقدماً لبرنامج المشهد الآخر الخاص بتسليط الضوء على المجتمع الصهيوني، والذي يبث عبر إحدى الإذاعات المحلية.‏

ما لمسناه خلال حديثنا مع رأفت وبدون أي مبالغة قد نحتاج إلى وقت طويل لنجده عند الكثيرين ممن يملكون كل المقومات للنجاح والتميز؛ لكن ذلك ليس بالغريب على الأسرى الفلسطينيين الذين كان وما زال لسان حالهم يقول: لقد ضاقت بنا الدنيا ولكن... نرى في الأفق لاحت بارقات.‏

الانتقاد/ العدد1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر2007‏

2007-09-21