ارشيف من : 2005-2008
فريضة الصوم.. آيات وأحكام
الصوم وأحكامه، وهذه العبادة لما كانت ثقيلة على النفس لما فيها من الامتناع عن أمور اعتادها الإنسان وتطلبها غريزته، أراد الله تعالى أن يهيئ النفوس لتقبل هذه الفريضة الشاقة فخاطبهم بنداء الإيمان (يا أيها الذين آمنوا) لما في أسلوب النداء من الأثر البالغ في الانقياد، وذلك ما عبر عنه الإمام الصادق (ع) بالقول: لذة ما في النداء أزال التعب والعناء وأريد للمؤمنين أن يلتفتوا إلى حقيقة، وهي أن الإيمان ليس فقط ما انطوى في الجنان، بل هو أيضاً عمل بالأركان يترجم ذلك الإيمان.
والصوم لغة هو الإمساك، ومنه يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام وهذا ما تؤكده الآية المباركة على لسان السيدة مريم (ع) "إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً". لذا فالصوم ليس شيئاً اختصت به الشريعة الإسلامية بل هو أمر مفروض في الشرائع السابقة كما تنص الآية المباركة: كما كتب على الذين من قبلكم، فالتشبيه بـ(كما) لبيان المشابهة في تشريع أصل الصوم لا في جميع حدوده، وهذا يدل على الأهمية العظمى لهذه العبادة وما لها من الأثر البالغ في تحقيق المقاصد الإلهية. والصوم في الشرع هو إمساك عن أشياء مخصوصة في زمن مخصوص كما سيأتي بيانه في الآيات.
وفلسفة الصوم يجب أن نعيها كما نعي سائر العبادات على ضوء ما قرره علماء الأصول من أن أحكام الشريعة الإسلامية تابعة للمصالح والمفاسد الفردية والاجتماعية للإنسان، فليس في الشريعة أحكام شرعت من أجل الله، فالله غني عن العالمين لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه، لذا قال الله تعالى: "يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد"، فالهدف هو الإنسان وبناؤه الروحي.
على ضوء هذا الفهم للعبادة نفهم فريضة الصوم ونمارس هذه العبادة، والآية الكريمة تصرّح "لعلكم تتقون"، الغرض الأسمى من الصوم هو تحصيل ملكة التقوى، نعم للصوم فوائد صحية وتحدثت الروايات عن ذلك كقوله (ص): صوموا تصحوا، وقد تحدث العلماء عن الفوائد الصحية للصوم، وتحدثت روايات أخرى عن آثار اجتماعية للصوم كما في رواية للإمام الصادق (ع) يقول فيها: إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك ان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، وأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.
لكن يبقى الغرض الأهم والأرقى وهو التقوى، فالصوم وسيلة من وسائل التقوى التي تعني تلك الحصانة المانعة من انجرار الإنسان وراء غرائزه واحتياجاته بلا ضوابط وحدود، ولكن كيف كان الصوم وسيلة للتقوى؟ الصوم كما ذكرنا هو عملية ردع النفس عن مشتهياتها الغذائية والجنسية وغيرها، إطاعة الله تعالى والالتزام بهذا الأمر يربي في الانسان قوة الارادة ويجعله متماسكاً أمام ضغوطات الغرائز والشهوات فتسمو روحه وتزداد ارتباطاً بالله عز وجل، ويمنعها ذلك من تجاوز حدود الله تعالى، هذا على الصعيد الفردي، ويتجاوز الصوم الفوائد الفردية ليطال المسلمين في مجتمعهم فيربي فيهم القوة والصلابة والتحمل والصبر أمام أعداء الإسلام والمسلمين، وليشكل حصانة للمجتمع أمام أعدائه من الداخل المتمثل في حدوث حالة الترف والركون اليه، ومن الخارج متمثلاً بأعداء الإسلام والمسلمين الذين يتحينون الفرص لإضعاف هذه الأمة وشل قدراتها، ثم توالت الآيات المباركات لتتحدث عن بعض أحكام الصوم نجمل بعضها:
1 ـ إن وجوب الصوم محدود بزمان معين لا يحتل مساحة كبيرة في قاموس الزمن بل هو (أياماً معدودات) لأن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، ولذلك ينبغي للمؤمن أن لا يتثاقل من القيام بها.
2 - المريض والمسافر معفوان من الصوم على نحو الإلزام، فلا يجوز للمريض الصوم إذا أضره بأن زاد في مرضه أو أخّر الشفاء، والمرجع في ذلك هو تشخيص الإنسان لحالته دون تحايل لذا سئل الإمام الصادق (ع): ما حد المرض الذي يفطر به الرجل ويدع الصلاة من قيام، قال بل الإنسان على نفسه بصيرة، هو أعلم بما يطيقه قال الله تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر"، ويؤكد مضمون الآية قوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، أي من كان حاضراً في بلده معافى من المرض فليصم، وأما لو كان مسافراً أو حاضراً مريضاً فليفطر وليقض في أيام أخر.
3 - تحدثت الآية المباركة "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" عن إيجاب الفدية التي حددت بمد من الطعام، على من يشق عليه الصوم كثيراً، وفسرت الآية في بعض الروايات بالشيخ الكبير والإنسان المريض بكثرة العطش والمرأة التي تخاف على وليدها إذا كانت حاملاً أو مرضعاً يؤثر الصوم سلباً على لبنها.
4 ـ نزلت الآيات في تحليل إتيان النساء ليلة الصيام بعد أن كان محرماً عليه ذلك، قال تعالى "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"، وروي في المجمع في سبب نزول الآيات عن الصادق (ع) كان الأكل محرماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم، وكان النكاح حراماً ليلاً ونهاراً في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول الله (ص) يقال له مطعم بن جبير، وكان شيخاً ضعيفاً وكان صائماً فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم عليّ الأكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله فرق له.
وكان المسلمون شباناً ينكحون نساءهم بالليل سراً لقلة صبرهم فسأل النبي (ص) الله في ذلك فأنزل الله: "أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم".
5 - حددت الآيات وقت الصوم من طلوع الفجر إلى الغروب "ثم أتموا الصيام إلى الليل".
6 ـ حددت وقت الإفطار من الليل إلى طلوع الفجر "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".
الشيخ سمير رحال
الانتقاد/ العدد 1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018