ارشيف من : 2005-2008

عن التكرار في شهر التوبة والاستغفار

عن التكرار في شهر التوبة والاستغفار

الكريم، فإن هذه الاحتفالية دخلت ومنذ سنوات طويلة في معمعة الرتابة والتكرار والإفلاس.‏

علماً أن العائد الكبير الذي تحصده بعض القطاعات المستفيدة يجب أن يكون محرضاً على الإبداع وابتكار الجديد، لكن على العكس تماماً، ساهمت هذه المؤسسات في تكريس المشهد على ما هو عليه، ما عدا بعض التبدلات الزخرفية.‏

الإعلانات الرمضانية‏

لا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لاكتشاف شيمة الاعلانات الرمضانية التي تبدأ برمضان كريم وتنتهي برسم الهلال بعد أن تمرّ بالفانوس. أما الجهات المعلنة فهي تلك المتقاطعة مع الموائد الرمضانية، بشكل مباشر مثل اعلانات الزيت والسمنة والزبدة والأرز والعصائر، ثم تحضر اعلانات المطاعم الكبيرة كما محال الحلويات العريقة وطبعاً بمرافقة موسيقية للناي الحزين.‏

نوع آخر من الاعلانات نكاد لا نراه إلا في شهر رمضان، ألا وهو المؤسسات الخيرية والاجتماعية التي تفترض استيقاظ الحس الديني والانساني عند البعض، فلا يقدمون تبرعاتهم إلاّ في هذا الشهر، علماً أن المناسبات الدينية منتشرة على مدار السنة، كما أن هناك محسنين غير زمنيين ومن الممكن مخاطبتهم اعلانياً في أوقات مختلفة.‏

المسلسلات الرمضانية‏

اذا دخلنا في منطقية معادلة العرض والطلب فما يمكن فهمه هو الكم الهائل من المسلسلات التي تحتل معظم الشاشات، لكن ما لا نفهمه هو التكرار المتعمد لمواضيع تلك المسلسلات ونوعية الفنانين الذين يتصدون لبطولتها، حتى أن نجوم الأفلام الكوميدية في مصر يخفقون في منافسة المكرّسين على الشاشة الصغيرة.‏

إن التركيز على أسماء نجوم معينين، يبعد المشاهد عن مواكبة مسلسلات ذات قيمة تتنوع مواضيعها بين التاريخ والسيرة الذاتية والكوميديا الهادفة، والمفارقة ان الكثيرين يعودون بعد انتهاء الشهر الفضيل إلى مشاهدة تلك الأعمال والإشادة بها، علماً أن أكثر المسلسلات الرمضانية أصبحت تحبط مشاهديها بعد أن تبدأ بداية مشوقة، ثم نراها في الحلقات الأخيرة في حالة من الضياع والضعف في ظل غياب الحبكة، ويرد البعض الأمر لأسباب تجارية، حيث يقود التطويل في الحلقات إلى "مغط" السيناريو ووقوع النص في فخ الرتابة والملل، فالمسلسل الذي كان يعرض في ثلاثين يوماً أصبح ثلاثة وثلاثين حلقة أو خمسة وثلاثين، وهناك سبب آخر وهو طبخ المسلسل على نار قويّة بحيث يرضى المخرج بجل ما يصوره دون إعادات قد تكلف وقتاً ومالاً.‏

التلفزيونات في رمضان‏

تحتار المحطات التلفزيونية العربية فيما تستطيع تقديمه ليكون الأهم والأبرز وأحياناً الأضخم، لكن ما هي إلا أيام حتى ترضى تلك المحطات بلائحة برامج كانت قد اشتغلت مثلها في المواسم الماضية، ذلك أن العودة إلى ما هو معروف، أفضل من المغامرة بأفكار حديثة قد تبعد بعض المشاهدين ومن خلفهم المعلنين.‏

من هنا نلاحظ أنه لا جديد في برامج الطبخ، ولا حتى في توقيت عرضها، كما أنه لا جديد في برامج المسابقات ولا في مقدميها، أو آلية الاتصال وحجم الجوائز.‏

أما برامج الأطفال فهي الأكثر تضرراً في هذا الشهر، حيث يتم تقليص مساحتها وتكرار أغانٍ رمضانية شائعة خلالها، وذلك لأن الطفل في هذا الشهر ليس من الشرائح المستهلكة والمعلن لا يبتغي مخاطبتها.‏

أما البرامج ذات المغزى الديني فتغيب عند البعض، وتتوارى في توقيت عرضها عند الآخر، اللهم إلا في محطات شبه متخصصة مثل المنار أو اقرأ.‏

الصحافة في رمضان‏

اذا كانت الصحف اللبنانية تعرّج بخفر على المشهد الرمضاني، فإن الصحف العربية تفرد صفحات وملاحق خاصة بهذا الشهر، لذلك يصبح التكرار أمراً واقعاً، ومساحة الإبداع في حالة انطواء قهري.‏

تركز العناوين الدينية الرمضانية في تلك الصفحات على الأحكام الشرعية للصائم من مفطرات ومستحبات وأدعية ومناقشة لإشكاليات موسومة بشهر رمضان مثل ولادة القمر وساعة الإفطار والإمساك.‏

أما التحقيقات الاجتماعية فهي دائماً عن غلاء أسعار المأكولات في هذا الشهر، إضافة إلى تحقيقات عن العادات والتقاليد الرمضانية في كل بلد، فهناك خصوصيات تتعلق بنوع الأطعمة أو السهرات والزيارات، وغالباً ما يحتل الفانوس والمدفع الرمضاني حيزاً من تلك الصفحات، وبالطبع لن يغيب المسحّر عن بال تلك التحقيقات.‏

أما موائد الرحمن فهي تحضر في تحقيقات دول وتغيب عن أخرى بحسب الوضع الاقتصادي لكل بلد.‏

أيضاً تكثر التحقيقات والنصائح الطبية في الصفحات الرمضانية، فيتم التطرق إلى عدد السعرات، والإفطار الصحي والسحور الخفيف والمعدة الحساسة، وصولاً إلى الرشاقة والريجيم.‏

أما الصفحات الفنية والمنوّعة فتُستل فيها الأقلام لنقد المسلسلات على حساب المساحة المخصصة عادة للمغنيين الذين يدخلون في سبات عميق طيلة الثلاثين يوماً.‏

أما بعض الصحف فتبتدع زاوية تحت عنوان واحة، وهي من العناوين المحببة حيث الإيقاع فيها سريع، فهنا قول وهنا نصيحة وهناك طرفة أو حكاية شعبية.‏

في حين تكثر التهاني والمعايدات في الصفحات السياسية، كذلك الافطارات والخطب التي تتخللها.‏

غياب الابداع يغزو المائدة أيضاً، فلا منافسة للأطعمة ولا الحلويات ولا المشروبات المعتادة.‏

دينياً هو شهر التوبة والاستغفار، أما كطقس احتفائي فهو موسم التكرار.‏

عبد الحليم حمود‏

الانتقاد/ العدد 1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر 2007‏

2007-09-21