ارشيف من : 2005-2008
شهر رمضان والالتفات الى الغيب والى بقية الله الأعظم
بعض السلوكيات والحيطة من بعض الممارسات، تلك الحقيقة التي تتجاوز الظاهر الى الورع عن محارم الله والكف والامساك عن كل ما يخالف الامر الالهي، بما يؤدي في حال الالتزام بهذه الحقيقة الى التقوى التي هي الهدف النهائي للصوم، كما ان التقوى هي هدف كل العبادات، فالصلاة مؤداها التقوى عندما تنهى عن الفحشاء والمنكر، والحج والجهاد وباقي العبادات الفردية والجماعية. ومن جملة الصفات التي يتمتع بها المتقون هو ايمانهم بالغيب وشعورهم به وبوجوده، وان من المقدمات المادية والروحية الهامة التي يوفرها شهر رمضان ومناخ العبودية فيه ذلك الابتعاد الموقت عن المأكل والمشرب وسواهما مما يجب الامساك عنه، وهو ابتعاد عن عالم المادة ومتعلقاتها بما يفسح في المجال لاطلالة على الغيب، كما انه نأي عن العادة التي تشكل مع الزمن روابط تقيد فكر الانسان في التوجه الى متعلقاتها، فعندما يرميها الصائم جانباً فإنه يرمي معها تلك المتعلقات ليطل ايضاً على عالم آخر مع متعلقات اخرى، كما ان الصفاء الذي يحدثه الصيام في القلب يجعله اكثر استعداداً لتقبل حضور ذلك النور الالهي الذي تعكسه مرآة القلب بعد ان يصفو ويلين وتتقلص في ارجائه آثار الغبار والرين المتأتي من التعلق بالتراب وعالمه، نعم ان ما يهيئه شهر رمضان من مناخات، تساعد على التوجه نحو الغيب وتعزز حضوره في قلب الصائم بما يؤسس للتقوى المنشودة.
ومن جملة الغيب ومفرداته ذلك الإمام الغائب الذي يُعبّر عنه في بعض أوصافه انه الغيب في الآيات التي تتحدث عن الايمان بالغيب، او انه بعض جوانب الغيب، او انه بعض لوازم الاعتقاد بالغيب، وتجاوزاً لهذه الاصطلاحات فإن الإمام المهدي(عج) الذي هو بقية الله له علاقة خاصة مع شهر رمضان الذي هو شهر الله، فكلاهما منتسب الى الحق جل وعلا، من هنا جاءت الاحاديث والروايات التي تتحدث عن طبيعة العلاقة التفصيلية بين الشخص والزمن، بين الرمز والتاريخ، ففي كل الاعمال العبادية المنصوص عليها في شهر رمضان سواء في الاعمال النهارية او المسائية وفي دعاء الافتتاح وفي ادعية السحر وفي اعمال ليالي القدر المباركة نجد الحضور الكبير والمؤثر للامام المهدي(عج) الذي تتوجه اليه القلوب والافئدة تدعو له وتستغيث به وتناجيه وتتضرع الى الله بوجهه وبسببه وبواسطته، وتشكو الى الله فقدانه وغيبته ونأيه، وتبث الى الله مناجاة الاستغاثة لما حل بالانسان بسبب غيابه من الفتن والرزايا والبلاءات.
نعم ان من اعظم ما يلتفت اليه في شهر الله هو بقية الله، الذي اكدت الروايات ان محطة الاعلان لظهوره المبارك ستكون احدى ليالي شهر رمضان من سنة زوجية، وتحديداً في ليلة جمعة من النصف الثاني من شهر رمضان، وعلى تحديد اخص انها ليلة الجمعة الاخيرة التي يفترض ان توافق وتصادف ليلة القدر الكبرى، اي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، والتي تكون آخر ليلة من ليالي شهر رمضان والجمعة التي تليها تصادف عيد الفطر المبارك.
ونحن المؤمنين مكلفون في شهر رمضان من كل سنة ان نجدد البيعة والولاء والوفاء والعهد والميثاق مع الامام المهدي(عج) الذي هو إمام زماننا وفي رقبتنا امانة الولاية له، وفي ذمتنا واجب النصرة له، وفي ضمائرنا واجب المعرفة له حق المعرفة، وفي وجداننا واجب المحبة والاخلاص له، وفي كل مسيرتنا واجب الاستعداد لنصرته بكل الوسائل التي يجب اعدادها من اجل توفير الارضية الصالحة لخروجه. فهو الغيب وهو سر الغيب وهو وجه الغيب الذي سوف يحل يوماً ما في عالم الشهادة انطلاقاً من شهر رمضان من اجل ان يحكّم الغيب بالشهادة، ويصنع من هذا العالم السفلي جزءأ من العالم العلوي، ويحول الارض وعالم الانسان الى جنة يعيشها البشر وينعمون بخيراتها:
"وقالوا الحمد لله الذي أورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء".
د.بلال نعيم
الانتقاد/ العدد 1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018