ارشيف من : 2005-2008
الرسول الأكرم: خديجة وعاء أنوار الإمامة
خديجة بنت خويلد(ع) زوج خاتم النبيين وسيّد المرسلين وخير خلق الله أجمعين محمد بن عبدالله (ص) وأمّ الصديقة الكبرى وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع) أم أئمة الهدى ومصابيح الدجى التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.
تنتسب السيّدة خديجة الكبرى(ع) إلى قبيلة بني أسد من قريش، ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم (ص).
أبوها "خويلد" كان بطلاً مغواراً دافع عن حياض الكعبة المشرّفة في يوم لا ينسى (في معركة الفجِار). والدتها واسمها "فاطمة" كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ.
للسيّدة خديجة (ع) ألقاب كثيرة تعكس عظيم نبلها ورفيع شأنها. من هذه الألقاب: الصدّيقة، المباركة، أمّ المؤمنين، الطاهرة، الراضية، المرضية.
كانت تعطف على المساكين والمحرومين، وتحنو عليهم كأمّ عطوف، فكانت "أمّاً لليتامى"، و"أمّاً للصعاليك"(الفقير والضعيف) و"أمّاً للمؤمنين"، وسمّيت أيضاً «أمّ الزهراء» أو ينبوع الكوثر.
لقد كانت خديجة (ع) من خيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهنّ مالاً، وأحسنهنّ جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية بـ "الطاهرة" لشدة عفافها ويقال لها "سيدة قريش" و"حكيمة قريش". وكل أحدٍ من رجال قومها كان حريصاً على الاقتران بها لو استطاع إلى ذلك سبيلا. وقد خطبها عظماء قريش، وبذلوا لها الأموال. وذكر أهل الآثار ونقلة الأخبار، أنه لم يبق من أشراف قريش، ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم، إلا من خطب خديجة، ورام تزوجها. لا بل وصل الأمر في ذلك إلى ملوك اليمن وأشراف الطائف. وممن خطبها أبو جهل، وأبو سفيان فامتنعت عليهم جميعاً. فلما تزوجها رسول الله (ص) غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها: خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب، فقيراً، لا مال له؟
وتشرح السيّدة خديجة (ع) سبب هذا الاختيار مخاطبة رسول الله(ص) بالقول:
"يا بن عمّ إنّي رغبت فيك لقرابتك منّي وشرفك من قومك وأمانتك عندهم وصدق حديثك وحسن خلقك".
كما أفشت بسرّ هذا الاختيار إلى صفيّة عمة رسول الله(ص) بقولها: "إنّي قد علمت أنّه مؤيّد من ربّ العالمين"، ذلك أنها رأت رؤيا صادقة في ذلك على ما جاء في الأخبار.
وكان عمره(ص) حين زواجه منها بضع وعشرين سنة وكانت هي(ع) في الاربعين من عمرها.
رزق رسول الله منها ولدان هما "القاسم وعبد الله"، وبنت واحدة. فاختطف الموت ولديه وهما صغيران وأبقى على بضعته ووالدة أئمة النور والهدى الأحد عشر، سيدة النساء الزهراء(ع). فهي الزوجة الوحيدة من بين أزواج النبي الأكرم (ص) التي أولدت له(ص). والرسول الأكرم (ص) في معرض بيان عِظَم منزلة خديجة(ع)، نجده يخاطب بضعته الزهراء (ع) بقوله: "يا ابنتي، إنّ الله تعالى جعل خديجة وعاء لنور الإمامة".
لقد كانت السيّدة خديجة (ع) على دين أبيها إبراهيم (ع) وذلك قبل أن يُبعث الرسول الأكرم (ص)، وكانوا يُعرفون بالحنفاء. وحين بعث(ص) بالرسالة كانت أول من آمن بالله ورسوله وصدّقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره، فخفّف الله بذلك عن رسوله (ص) وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرّج الله ذلك عن رسول الله (ص) بها إذا رجع إليها، تثبّته وتخفّف عنه وتهوّن عليه أمر الناس حتى ماتت.
ولقد نذرت(ع) نفسها ومالها لصاحب هذا الدين نصرة له ولدينه (ص). فقد جاء في الخبر أنها وهبت جميع مالها له (ص) يتصرف فيه كيف شاء.
وكان رسول الله (ص) يفك من مالها الغارم والعاني، ويعين الكَلّ (من لا عمل له) ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويساعد من أراد منهم الهجرة.
وقد قال رسول الله (ص) في ذلك: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة. لقد أعانتني على ديني ودنياي بمالها".
وقال أيضاً (ص): "ما قام هذا الدين إلا بمالها وسيف علي بن أبي طالب(ع)".
وإكراماً لها وإعظاما لقدرها عنده لم يتزوج رسول الله(ص) غيرها في حياتها أبداً حتى ماتت. وفي اللحظات الأخيره من عمرها الشريف، بشّرها زوجها الحاني بأنّها ستكون زوجه في الجنّة أيضاً.
لقد كانت السيّدة خديجة (ع) طيلة ربع قرن نجماً ساطعاً يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، تجلي بنظراتها الحانية الهمّ والشجن عن نبي الرحمة (ص)، حتى حان موعدها مع القدر في العاشر من رمضان في السنة العاشرة من البعثة عندما أسلمت الروح لبارئها وألقت برحيلها المفجع ظلالاً من الكروب والأحزان على قلب النبي(ص). وقد غسّلها وحنطها رسول الله (ص) بنفسه. وكفّنها بردائه الشريف أولاً ثم بكفنٍ جاء به جبرائيل(ع) من عند الله ثانياً، فكان لها كفنان، كفن من الله وكفن من رسول الله. ودفنت في الحجون في مكة، حيث دخل النبي (ص) قبرها ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين.
وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أشهر. فكان وقع ذلك شديداً على النبي الأكرم(ص) الذي فقد نصيرين له معاً. وقد سمّي ذلك العام بعام الحزن، وأُعلن الحداد فيه.
وما فتئ الرسول الأكرم (ص) يقول في رثائهما: "لم يسيطر عليّ الحزن والهمّ طيلة حياة أبي طالب وخديجة".
لقد ظلّت ذكرى خديجة(ع) خالدة وماثلة في ذاكرة النبي(ص) لم يمحها الزمان. لم يكن يخرج من البيت إلا ويذكر خديجة(ع) بخير. وكان ذلك يثير عاصفة من الغيرة في نفوس زوجاته الصغيرات، وكنّ يعترضن عليه أحياناً لكنّه كان يدافع عن خديجة بحزم فيقول: "نعم، كانت خديجة هكذا، وقد رزقت حبها". وكان كلما يذبح أضحية في بيته يبعث بجزء منها إلى صديقات خديجة.
ذكر ابن الجوزي عن إحداهن: كان رسول الله (ص) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة (ع) فيحسن عليها الثناء. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها؟ قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أخلف الله لي خيراً منها، لقد آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل أولادها إذ حرمني أولاد الناس. قالت: فقلت بيني وبين نفسي لا أذكرها بسوء أبداً.
يصف الرسول الكريم (ص) ورود خديجة يوم الحشر فيقول: يأتي لاستقبالها سبعون ألف ملك يحملون رايات زيّنت بعبارة "الله أكبر".
اسماعيل زلغوط
الانتقاد / العدد 1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018