ارشيف من : 2005-2008

اليونان: فوز انتخابي وفشل سياسي

اليونان: فوز انتخابي وفشل سياسي

وبمعدل بطالة أعلى من المتوسط في بلدان الاتحاد الأوروبي، وبعجز عن إصلاح مشكلات مزمنة كنظام المعاشات، أو عن حسم الجدل الدائر حول تمديد سن التقاعد.. ومع هذا حقق كرمنليس زعيم حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ فوزاً وُصف بأنه "كاسح" في الانتخابات التشريعية المبكرة التي كان قد دعا إليها في آب/ أغسطس الماضي، اعتقاداً منه بأنه سيربحها بسهولة بفضل امتلاكه أوراقاً، منها رضا الأوروبيين عن سياسته في مجال الخصخصة، وتمكنه من تسجيل أرقام تقدم على أنها بالغة الأهمية في مجال استحداث الوظائف أو المحافظة على معدلات النمو. وإذا كانت أحزاب المعارضة، وفي طليعتها حزب "باسوك" الاشتراكي، قد راهنت على الفضائح والحرائق ـ التي اندلعت بعد تحديد موعد الانتخابات ـ لإضعاف شوكة كرمنليس، فإن هذا الرهان قد انتكس مع ما حققه كرمنليس من فوز "كاسح". وقبل أن يذهب الخيال إلى أرقام كاسحة، ينبغي أخذ العلم بأن حزب كرمنليس لم يفز بغير 41.8% من أصوات المقترعين، وأن هذه النسبة غير الكاسحة كما هو واضح، جعلت نواب الحزب يتناقصون برغم الفوز، من 165 نائباً وصلوا إلى البرلمان في انتخابات العام 2004 إلى 152 تمكنوا من الفوز في الانتخابات الأخيرة. أما معيار الفوز الكاسح فهو لكونهم يحتلون نصف عدد المقاعد + 2 في برلمان يضم 300 نائب.‏

الحزب المنافس الاشتراكي "باسوك" كان قد حكم اليونان بقيادة جورج باباندريو مدة 11 عاماً متتالية انتهت عام 2004، في ظل عجز الاشتراكيين في أوروبا عموماً عن مواجهة المشكلات المستجدة. وقد تقاسم مع الحزب الفائز عدداً متقارباً من الخسائر على مستوى عدد المقاعد النيابية التي انخفضت من 117 عام 2004 إلى 102 في الانتخابات الحالية، لكنه انفرد بخسارة النتيجة النهائية حيث لم يحصل إلا على 38 في المئة من أصوات المقترعين. وسواء تعلق الأمر بحزب الديمقراطية الجديدة الفائز أم بحزب "باسوك" الخاسر، فإن كلاً من الحزبين يلتقي مع الآخر حول قاسم مشترك هو الخسارة، لأن الأكثرية المطلقة (41.8%) هي، إضافة إلى تدني مستواها، أكثرية المقترعين لا أكثرية من يحق لهم الانتخاب ممن يفضلون في البلدان "المتقدمة" التمتع بعطلة الأحد على الذهاب إلى صناديق الاقتراع.‏

هذا الإعراض عن القيام بـ"الواجب الديمقراطي" بات يشكل في البلدان "المتقدمة" تعبيراً قوياً عن ظاهرة ما يسمى بـ"موت السياسة"، وما يرافقه من تضاؤل الاهتمام المدني بقضايا المجتمع بفعل تركيز الاهتمام على الفردي والشخصي والاستهلاكي، أي الاقتصادي بمعناه الضيق والأناني.‏

وبالتوازي مع هذه الظاهرة يتجه الحكم نحو الأوليغارشية، أي نحو حكم القلة التي تفوز بأكثرية العدد القليل من المقترعين في ظل انخفاض عدد المشاركين في اللعبة الديمقراطية. ومع ذلك يستمر القول بأن الديمقراطية هي حكم الشعب، وأنها أفضل أشكال الحكم، حتى عندما تبدأ بالانسلاخ عن الشعب وتقطع في ذلك أشواطاً تجعلها مشابهة في المضمون لنقيضها الديكتاتوري. هذه المشكلة عبّرت عن نفسها في جملة التعبيرات، من خلال تبرير تراجع شعبية الحزب الفائز في اليونان من قبل بعض مؤيدي الحزب، بالقول بأنه من الطبيعي بعد ثلاث سنوات من الحكم، أن تنخفض نسبة المؤيدين للحكم! اعتراف صريح بأن تراجع الحكم وموت السياسة باتا من الأمور البديهية، وإلا فكيف يحدث أن يفوز من يفوز برغم تورطه في الفضائح وأشكال العجز عن مواجهة المشكلات؟ هل ماتت السياسة بما هي تدبير الشؤون العليا فعلاً في البلدان المتقدمة؟ ما تحرزه الأحزاب اليمينية المتطرفة من تقدم قد يشكل تكذيباً لهذه الفرضية (حزب التجمع الشعبي الأرثوذكسي اليميني المحافظ فاز بعشرة مقاعد في الانتخابات اليونانية الأخيرة، بعد أن كان قد اختفى من المسرح مع زوال حكم الجنرالات عام 1974).. ولكن أليست عودة الحياة إلى السياسة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة من هتلر وموسوليني وبوش.. تهديداً بموت أكبر"؟!‏

ع.ح.‏

الانتقاد / العدد 1233 ـ 21 أيلول / سبتمبر 2007‏

2007-09-21