ارشيف من : 2005-2008
الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية : بداية التوظيفات وتواصل انتظار الرد
لتغطيتها غير المسبوقة، متوسلة خلالها الاعلام الخارجي لنقل ما يرد فيه من معلومات، باتجاه شبه التبني او شبه النفي، ما جعل القضية حاضرة وبقوة.
ووسط الصمت الرسمي الاسرائيلي، والتزام الاسرائيليين به بصورة مباشرة رسمية او غير مباشرة من قبل المعلقين والمحللين الاسرائيليين، برز معطيان جديدان يستأهلان التعليق، الاول يتعلق بدعوة رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت الى مفاوضات مباشرة مع السوريين دون شروط مسبقة، وتصريح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يدلين، الذي اشار فيه الى ان "اسرائيل" استعادت قدرة الردع التي فقدتها في حرب تموز 2006، لجهة سوريا وايران والمنطقة على حد سواء.
يبدو ان دعوة اولمرت للرئيس السوري بشار الاسد لاجراء مفاوضات مباشرة وغير مشروطة، بعد رفض اسرائيلي رسمي متواصل قبل "العملية الاسرائيلية" فوق الاجواء السورية، اضافة الى تناغم الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز مع دعوة اولمرت وحديثه عن انتهاء "العصبية" مع دمشق، يشير الى ان "اسرائيل" ما زالت تترقب الرد السوري على الخرق، وتخشاه من ناحية تبعاته وقدرته على جر الوضع الى تصعيد خطير يؤدي الى حرب جبهوية بينها وبين سوريا، قد يؤدي بدوره الى حرب اقليمية شاملة.
الدعوة الاسرائيلية، اضافة الى الصمت الرسمي والاحجام عن التعليق المباشر، برغم الحاجة الموضوعية لدى اولمرت لاستغلال "العملية الاسرائيلية" داخليا، يشيران الى رغبة اسرائيلية في اعطاء السوريين ما يحتاجونه إن اتجهت الامور لديهم نحو التهدئة، او نحو الرد غير الموجب للرد المقابل. الامر الذي يشير ايضا الى ان مثل هذه الدعوات ستتكرر في الايام المقبلة، وقد تتوسل "اسرائيل" قنوات دبلوماسية اخرى كي تصل رسالتها الى دمشق لجهة الردع الاسرائيلي واستعادته، كما شدد عليه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يدلين، في اطار عرضه للاوضاع الامنية امام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست بداية الاسبوع الماضي، يشار الى التالي:
1- ان يدلين يؤكد، كرئيس لجهاز الاستخبارات العسكرية، ان "اسرائيل" فقدت قدرة الردع بعد حرب تموز 2006، والا ما كانت لتستعيدها. وفقدان الردع الاسرائيلي، بما يفهم من كلامه، يتعلق بحزب الله اساسا، ثم بسوريا وايران والمنطقة.
2- يشير كلام يدلين الى شبه اقرار رسمي بقيام "اسرائيل"، اقله، بالاختراق الجوي لسماء سوريا، واكثره، الى وجود عملية اسرائيلية عسكرية طالت هدفا ما، من شأنه ان يعيد لـ"اسرائيل" قدرتها الردعية المفقودة، ليس فقط باتجاه سوريا بل باتجاه قوى الممانعة والمنطقة برمتها.
3- يشار ايضا الى ان تصريحات يدلين، اثارت جملة من التعليقات الاسرائيلية، من بينها تعليقات لعسكريين وباحثين في الشؤون العسكرية، رفضت ما ذهب اليه يدلين الذي تجاوز حجم الحدث وامكانياته ليركب عليه استنتاجات تتعلق اساسا بالجهة المراد ردعها.
وبحسب مفهوم الردع، فانه الحالة النفسية الموجودة لدى الطرف المراد ردعه، والتي تمنعه من الاقدام على الاضرار بالرادع لان الفائدة من الفعل ستكون اقل بكثير من الضرر الذي سيلحق به من الرادع نفسه، او لان الفعل اساسا لن يجديه نفعا. وفي الحالتين، من الصعب على عملية تحليق جوي فوق الاراضي السورية، لم تفصح "اسرائيل" عن استهدافاتها، ولاذت بالصمت، ان تؤدي الى "تخويف" الجهة المراد ردعها، سواء كانت سوريا او حزب الله او ايران.
المسألة، كما يشير التعليق الاسرائيلي على كلام يدلين، تتجاوز قدرة الخرق الاسرائيلي لسوريا او لضربة محدودة موضعية، اذ ان القدرة الردعية الاسرائيلية تراكمت منذ ما قبل قيام الاحتلال في فلسطين كدولة، وبالتالي اعادة ترميمها يحتاج الى مسار طويل يفهم الخصم ان لا فائدة من محاولة الاضرار بها.
بمعنى آخر، يستلزم "اسرائيل" سلسلة من العمليات العسكرية الواضحة المعالم والاهداف، من دون صمت يفيد عن انها هي مردوعة بشكل او بآخر. وبالتالي فإن قدرة الردع هي حالة نفسية غير قابلة للقياس بالمعنى المادي، ولا يكفي ان ينظر الرادع الى استعادة ردعه من دون تلمس مستوى تأثير الفعل الترميمي على المردوع نفسه. ما يشير الى ان يدلين استعجل النتائج، واظهر مدى الاستكلاب الاسرائيلي على استعادة ردعه المفقود.
وفي العودة الى الخرق الجوي الاسرائيلي للاجواء السورية، يبدو ان مواصلة "اسرائيل" لصمتها، برغم الحافزية المرتفعة لدى طالبي استعادة الردع او لدى اولمرت نفسه للاستفادة من العملية، يشير الى مستوى من الردع السوري ومن ورائه حلفاؤها، يمنع "اسرائيل" من توظيف العملية باتجاهات مطلوبة وضرورية اسرائيليا. لكن في كل الاحوال، ما دام ان "اسرائيل" تلوذ بالصمت الرسمي، يعني انها ما زالت تترقب الرد السوري ولا تريده.
يحيى دبوق
الانتقاد/ العدد1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018