ارشيف من : 2005-2008

الرئيس لحود أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة : على المجتمع الدولي ألا يدع لبنان يهوي لان سقوطه هو سقوط الاعتدال

الرئيس لحود أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة : على المجتمع الدولي ألا يدع لبنان يهوي لان سقوطه هو سقوط الاعتدال

"الى دعم ما هو حق وعادل قبل ان يصبح القرار متأخرا".‏

وحدد رئيس الجمهورية في الكلمة التي القاها امام الجمعية العمومية للامم المتحدة في التاسعة من صباح اليوم بتوقيت نيويورك (الرابعة بعد الظهر بتوقيت بيروت)، جملة حقائق لا يمكن تجاهلها في اي تسوية للنزاع العربي الاسرائيلي، معتبرا "ان اي حل لازمة الشرق الاوسط يجب ان يكون دائما وعادلا وشاملا لتكتب له الحياة"، مركزا على حق الشعب الفلسطيني في عودته الى أرضه وعدم توطينه في البلدان التي لجأ اليها، مشيرا الى مخاطر ذلك التوطين على لبنان، رافضا رفضا قاطعا "اي محاولة لافراغ المبادرة العربية للسلام من مضمونها عبر اسقاط احد ابرز بنودها وهو حق العودة للفلسطينيين".‏

وإذ أعرب الرئيس لحود عن تمسك لبنان بتطبيق القرار 1701، تساءل "عن اسباب عدم الانتقال الى مرحلة وقف اطلاق النار بدلا من مرحلة وقف العمليات العدائية"، كاشفا "عن ان الخروقات الاسرائيلية منذ بدء تطبيق القرار 1701 ناهزت الخمسمئة".‏

وشدد رئيس الجمهورية "على ان القرار 1701 لا يكتمل الا اذا استعاد لبنان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر المحتلة، وكذلك المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية وضَمِنَ حقه في المياه التي تحاول اسرائيل استغلالها، مسجلاً بارتياح التقدم الحاصل لجهة المزيد من التأكد من لبنانية مزارع شبعا".‏

وجدد الرئيس لحود "التأكيد على تمسك لبنان بمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري" داعيا "الى جعل اداء المحكمة الخاصة للبنان "يرتفع الى مستوى رفيع من الموضوعية والشفافية والعدالة يمكنها من الوصول الى الحقيقة التي نبتغيها فتطمئن بذلك مخاوف اللبنانيين ويتأكدوا ان المحكمة ستكون ساحة للحق".‏

ورأى الرئيس لحود "ان ثمة جهات ودولا تحاول التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية بطرق لا تجيزها الاعراف الدولية، "ومن شأنها ان تؤجج الاحتقان والتوتر على الساحة اللبنانية بما ينعكس ليس على الانتخابات الرئاسية المرتقبة فحسب، بل ايضا على امن اللبنانيين ومستقبلهم". ودعا "المجتمع الدولي الى ان يحول دون اي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول".‏

واشار الرئيس لحود "الى المواجهات البطولية التي قام بها الجيش اللبناني ضد تنظيم ارهابي خطير، مؤكدا "أن الثمن المرتفع الذي دفعناه من ارواح ابنائنا في المؤسسة العسكرية وجرحاها، يرسخ خيارنا الاكيد في مواجهة الارهاب"، مطالبا بدعم جدي لمؤسسة الجيش اللبناني لتستمر في القيام بالمهام الوطنية والامنية الملقاة على عاتقها.‏

نص كلمة الرئيس لحود‏

وفي ما يلي الترجمة الرسمية لكلمة الرئيس لحود التي القاها على منبر الامم المتحدة باللغة الانكليزية:‏

"السيد الرئيس،‏

يسعدني بإسم وفد الجمهورية اللبنانية، أن أتقدم منكم بالتهنئة لمناسبة إنتخابكم رئيساً للدورة الثانية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وان أتمنى لكم التوفيق والنجاح في إدارة أعمالها. كما أتقدم بالشكر والتقدير والثناء من سلفكم الشيخة هيا آل خليفة على الدور المميز الذي قامت به. ويسرني أيضاً أن أحيي سعادة الأمين العام السيد بان كي مون، وأن أشكره على جهوده في تعزيز وصيانة السلم والأمن الدوليين.‏

السيد الرئيس،‏

قبل سنة من اليوم، تحدثت من على هذا المنبر عن الفظاعات التي ارتكبتها إسرائيل بحق بلادي طيلة 33 يوماً من الحرب الوحشية والهمجية التي شنتها عليها. لكنني املت في أن تساهم الأحداث المأساوية التي عشناها، في فتح كوة من أجل تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط المرتكزة على المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت العربية في العام 2002.‏

ومع الأسف، لا شيء يتحرك في منطقتنا إلا العنف، واتساع رقعة الظلم، وضجيج المعارك والأحقاد. وتظل كل الدعوات إلى تحريك مسيرة السلام في الشرق الأوسط، بلا أصداء ومفاعيل واقعية. ولا شك أننا في هذا ظل هذا المشهد المظلم، وما يجمع بين الترقب والتحفظ، ننتظر ما ستؤول إليه الدعوة إلى مؤتمر حول السلام في الشرق الأوسط، يعقد في الخريف.‏

ولا بد لي، في هذا السياق، أن أؤكد على جملة حقائق لا يمكن تجاهلها في أي تسوية لاني مؤمن باننا ما لم نتعلم من اخطائنا السابقة فلن نكون قادرين على الافادة من الفرص الراهنة.‏

-أولا: إن أي حل لأزمة الشرق الأوسط يجب أن يكون دائماً وعادلاً وشاملاً، لتكتب له الحياة.‏

-ثانيا: إن حلاً قابلاً للحياة لا بد أن يدعو الى تطبيق كل قرارات الامم المتحدة التي نصت على الانسحاب الاسرائيلي من كافة الاراضي العربية المحتلة.‏

-ثالثا: في طليعة هذه الحقوق، يأتي حق الشعب الفلسطيني في عودته إلى أرضه المسلوبة وعدم توطينه في البلدان التي لجأ إليها، وذلك وفقاً للقرار الأممي 194.‏

السيد الرئيس،‏

إن توطين الفلسطينيين، إضافة إلى أنه يأتي خلافاً لإرادة الشرعية الدولية المتمثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ويسهم في القضاء على جوهر القضية الفلسطينية، يكمن خطره الحقيقي بالنسبة إلينا أنه يقضي على أحد أهم خصائص لبنان وميزات وجوده، لأن بلدنا يقوم على التنوع وتعايش عدد كبير من الطوائف فوق أرضه، والاحترام المتبادل لخصائص كل مجموعة من مجموعاته.‏

وفي هذا السياق، يرفض لبنان رفضاً قاطعاً أي محاولة لإفراغ المبادرة العربية للسلام من مضمونها، عبر إسقاط أحد ابرز بنودها وهو حق العودة للفلسطينيين. إن هذه المبادرة، هي حل واقعي ومتكامل وشامل وقابل للتحقيق لأنه ينشر مشاعر العدالة والأمن والأمان لدى جميع الأطراف.‏

السيد الرئيس،‏

قبل سنة، اصدر مجلس الأمن القرار 1701 الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي على لبنان. ولقد سارعنا من جهتنا إلى العمل بمندرجات هذا القرار، وتعاونت القوى العسكرية اللبنانية تعاوناً وثيقاً مع قوات "اليونيفيل" وفق المهمة التي نيطت بها، على ما ورد صراحة في تقارير سعادة الأمين العام بخصوص تنفيذ هذا القرار.‏

وها أنا اليوم، أجدد تمسك لبنان بتطبيق هذا القرار، واتساءل في الوقت نفسه: لماذا ما زلنا في مرحلة وقف العمليات العدائية ولم ننتقل بعد إلى مرحلة وقف إطلاق النار كما ينص على ذلك القرار نفسه؟ فهذا الأمر يطرح علامات إستفهام كبيرة لدى اللبنانيين، خصوصا وأن إسرائيل ما زالت تنتهك سيادة لبنان أرضاً وبحراً وجواً، ولقد ناهز عدد الخروقات الإسرائيلية منذ بدء تطبيق القرار 1701، الخمسمئة. وأنا أدعو المجتمع الدولي في هذا الإطار، إلى التنبه لأي نية عدوانية إسرائيلية مبيتة تجاه لبنان، من شأنها أن تعيد تفجير الأوضاع، وتزيد الاحتقان والتوتر في المنطقة.‏

وإذا كان اللبنانيون يسترجعون بألم، ظروف الحرب والدمار والعدوان التي افضت إلى القرار 1701 إلا أنهم في الوقت نفسه مفعمون بالاعتزاز، لأنهم استطاعوا بفضل مقاومتهم الوطنية، والتفافهم حول جيشهم، واحتضانهم لموجات التشريد والتهجير التي خلّفها العدوان، أن يحققوا نصراً تاريخياً على أعتى قوة عسكرية قفزت فوق كل الشرائع الدولية والأخلاقية لتدمير بلدنا وإجهاض رسالة التعايش التي يمثلها.‏

إن موقفنا في لبنان يؤكد على أن القرار 1701 لا يكتمل إلا إذا استعاد لبنان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر المحتلة من إسرائيل، وكذلك المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وضَمِن حقه في المياه التي تحاول إسرائيل إستغلالها خلافاً للقوانين الدولية، وتسلم خرائط الألغام التي خلّفها الاحتلال الإسرائيلي، والمعلومات المتعلقة بمواقع إلقاء ملايين القنابل العنقودية.‏

ونحن إذ نقدر الجهود التي تقوم بها الأمانة العامة لناحية دراسة المستندات والخرائط المتعلقة بمزارع شبعا، وإذ نسجل بارتياح التقدم الحاصل لناحية المزيد من التأكد من لبنانية هذه الأراضي، نتطلع إلى إعطاء هذه الخطوة النتائج العملية التي تنهي الاحتلال الاسرائيلي لها وتعيد الى لبنان حقوقه بالمياه.‏

السيد الرئيس،‏

لطالما أولت الأمم المتحدة لبنان عناية صادقة، برزت في القرارات الدولية التي أصدرتها من اجل بلدنا. واللبنانيون إذ يؤكدون تمسكهم بعدالة تطبيق هذه القرارات، يرون أن هذه العدالة لا تستقيم إلا إذا بنيت على معطيات حقيقية وثابتة. وتعلمون أن "المحكمة الخاصة للبنان" التي أقرت لمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري، أحاطت بظروف إنشائها ملابسات أشرنا إليها تفصيلاً في كتبنا إلى سعادة الأمين العام، وقد طلبنا توزيعها على أعضاء مجلس الأمن وحفظها كوثائق في الأمم المتحدة يرجع إليها عند الاقتضاء لاستذكار مضمونها وما تحمل في طيّاتها من رغبة محقة في تحصين العدالة الدولية في ضوء التجارب غير المشجّعة والحاصلة لتاريخه. ذلك ان ما سعينا اليه منذ اللحظة الاولى لوقوع الجريمة النكراء، هو معرفة الحقيقة، وهذا ما دفعني يومها إلى ان اكون اول من طلب من الامين العام السابق للامم المتحدة السيد كوفي انان، تشكيل لجنة تحقيق دولية حيادية تساهم في تحقيق هذا الهدف الذي يتمسك به جميع اللبنانيين.‏

إلا أن ما يمكن أن يتخطى هذه الملابسات في نظرنا، هو أن يرتفع أداء هذه المحكمة إلى مستوى رفيع من الموضوعية والشفافية والعدالة يمكّنها من الوصول إلى الحقيقة التي نبتغيها، فتطمئن بذلك مخاوف اللبنانيين ويتأكدوا من ان المحكمة ستكون ساحة للحق.‏

السيد الرئيس،‏

سيشهد لبنان في المرحلة المقبلة انتخابات رئاسية ديمقراطية، يفترض أن يقول فيها اللبنانيون كلمتهم بحرية ومسؤولية. إلا أن المؤسف أن ثمة جهات ودولاً ، تحاول التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، بطرق لا تجيزها الأعراف الدولية، ومن شأنها أن تؤجج الاحتقان والتوتر على الساحة اللبنانية بما ينعكس ليس على الانتخابات الرئاسية المرتقبة فحسب بل ايضا على امن اللبنانيين ومستقبلهم.‏

إن لبنان لا يسعه طبعاً، إلا أن يرحب بكل دعم خارجي في الظروف الصعبة التي عاشها على مدى السنوات الماضية، ويشكر كل من وقف إلى جانبه، لا سيما لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي الأخير في شهري تموز وآب من العام الماضي. لكننا نأمل في الوقت نفسه، أن يكون أي دعم للبنان، موجهاً لجميع اللبنانيين من دون تفرقة أو تمييز، فلا يكون بذلك عنصر تفرقة ونزاع، بل عربون احترام لسيادة لبنان ووحدة أبنائه ودوره المميز في المنطقة والعالم.‏

لاجل ذلك، ندعو المجتمع الدولي من خلال التزامه ميثاق الأمم المتحدة، إلى أن يحول دون اي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول، لا سيما وأن اللبنانيين أثبتوا خلال الأحداث المتتالية أنهم قادرون على اتخاذ قراراتهم وتحديد خياراتهم، وأن وحدتهم وتعايشهم وتفاعل جميع مجموعاتهم بعضها مع البعض الآخر، تضمنها مؤسساتهم المدنية والأمنية، وفي مقدمها الجيش الوطني.‏

السيد الرئيس،‏

تقودنا الإشارة إلى الجيش اللبناني، إلى الحديث عن المواجهات البطولية التي قام بها على مدى الثلاثة اشهر والنصف الأخيرة، مع تنظيم إرهابي خطير حظي بتسليح متطور ونوايا تخريبية لا تطاول لبنان وحده، بل لها إنعكاسات سلبية وانقلابية على كامل منطقة الشرق الاوسط.‏

ولا شك أن الثمن المرتفع الذي دفعناه من أرواح أبنائنا في المؤسسة العسكرية، وجرحاها، يرسّخ خيارنا الأكيد في مواجهة الإرهاب، فلطالما كان لبنان بلداً محباً للسلام، ومتمسكاً بالعدالة، وعاملاً من أجل نشر قيم الحوار والديمقراطية.‏

لكن مواجهة التطرف المكلفة بالنسبة إلينا والتي اقترنت بالنجاح، تتطلب دعماً جدياً لمؤسسة الجيش اللبناني لتستمر بالقيام بالمهام الوطنية والأمنية الملقاة على عاتقها.‏

السيد الرئيس،‏

في عالم يعيش يوميا مجازر دموية بما يسمى "صراع الحضارات"، ومنقسم بحدة بين شرق وغرب، أجد نفسي مدفوعاً إلى أن أخاطب المجتمع الدولي من موقع المجرَِب، واحثه كي لا يدع لبنان يهوي لان سقوطه هو سقوط الاعتدال، وانتصار للذين يؤثرون استخدام القوة . فلبنان "يبقى رسالة فريدة للعالم" لأنه مثال لتفاعل الأديان والحضارات بشكل سلمي حيث بامكاننا ان نعيش معا كما اشار قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.‏

واني، كمواطن من لبنان، البلد الصغير الذي تمكن من البقاء والصمود في مواجهة كل الاحتمالات، احثَكم كي لا تتراجعوا امام التحديات وكي تدعموا ما هو حق وعادل.‏

أنظروا إلى الشرق الاوسط المشتعل، وشاهدوا نار العنف والظلم تأكل الضعفاء والأقوياء معاً. أدعوكم إلى مساندة الحق والعدل وقيم الخير، قبل أن يصبح قراركم متأخرا".‏

وفور انتهاء الرئيس لحود من القاء كلمته شكره رئيس الجمعية العمومية وودعه وفق المراسم البروتوكولية. وتلقى رئيس الجمهورية في قاعة محاذية لقاعة الجمعية العمومية تهاني عدد من رؤساء الوفود العربية والاجنبية الذين حضروا الجلسة الصباحية.‏

2007-09-29