ارشيف من : 2005-2008
السيد فضل الله: لبنان لا يزال يبحث عن رئيس بواسطة وكلاء يديرون الأزمة وعلينا الانتقال بالبلد من الفوضى السياسية والأمنية إلى ميدان الوفاق
والاجتماعية والدينية، وحشد كبير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"أنه في لبنان، لا يزال يبحث عن رئيس للجمهورية في واشنطن، وباريس، وفي الاتحاد الأوروبي، أو في مجلس الأمن، وفي أكثر من بلد عربي، ولكن بواسطة الوكلاء الذين يديرون الأزمة، في عملية استعراض للقوة السياسية، وتبادل للاتهامات والشتائم، واستقبال الموفدين الدوليين والإقليميين الذين يقدمون للبنانيين المواعظ والنصائح للاتفاق على حل من الداخل، ولكن المراقبين يعرفون أن هناك ألغاما في أكثر من موعظة ونصيحة, لأن القضية هي أن كثيرا من اللبنانيين رضوا بأن يبقى لبنان ميدانا لسباق النفوذ، ولتحريك المشاريع الدولية، ولاسيما الأميركية، ولاستهلاك الحديث عن المجتمع الدولي الذي أصبح من المقدسات السياسية لدى البعض، في الوقت الذي لا يتحرك اللاعبون الدوليون إلا من خلال مصالحهم الذاتية التي تغير تحالفاتها حسب اتجاه خط المصالح بين لحظة وأخرى".
اضاف:" لعل مشكلة لبنان واللبنانيين أنهم أدمنوا كثيرا من رموز الطبقة السياسية، وباتوا يخافون أن يحركوا إرادتهم في سبيل التغيير، انطلاقا من أوهام ابتدعوها وخضعوا لها، أو مخاوف أنتجوها واستسلموا لها، وأفقد النظام الطائفي الذي يقدسه الجميع فرصة وصول الكفاءات إلى مواقع إدارة البلد، حتى استعصى الفساد على دعوات الإصلاح، وبات الظلم خطا من ضرورات السياسة، والكذب والنفاق واقعية، وأبعدت كل القيم عن أن تضبط حركة الواقع, لتكون مجرد شعارات خالية من أي مضمون.إن الله تعالى يقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
وقال سماحته "إن علينا أمام ما يحدق بالبلد من مخاطر وما يطل عليه من أوضاع سلبية، وخصوصا بعد الجريمة الأخيرة أن ننطلق في حركة سياسية جدية ومسؤولة للانتقال بالبلد من ساحة الفوضى السياسية والأمنية إلى ميدان الوفاق لنقطع الطريق على كل العابثين بأمنه واستقراره والساعين إلى تعريض مصيره ومستقبله لخطر الفوضى والدمار".
وتطرق الى الوضع الاقليمي فقال السيد فضل الله "نلتقي بالتصريح اللافت لوزير خارجية فرنسا الذي يتوقع الأسوأ بالنسبة إلى المسألة الإيرانية، وهو الحرب، والذي قال فيه: إن فرنسا تريد أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران خارج إطار الأمم المتحدة، لدفعها إلى تعليق أنشطتها في مجال تخصيب اليورانيوم، وأكد كوشنير أن حصول إيران على السلاح النووي سيكون خطرا على العالم أجمع. وقد حاول الوزير الفرنسي إعطاء تفسيرات جديدة لتصريحه إلا أن هذه التفسيرات لم تخرجه عن إطاره وهدفه. ولنا أن نتساءل ـ أولا ـ عن هذه الحماسة الفرنسية، وهل أن فرنسا الجديدة التي أعلنت عن صداقتها الكبرى للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تحاول أن تؤكد هذه الصداقة بالمزايدة على هاتين الدولتين، حيث تقول أميركا أقله علنا إن الدبلوماسية هي الخيار المفضل لحل مسألة البرنامج النووي الإيراني".
اضاف:" ومن جهة أخرى، يعتبر هذا الوزير أن القنبلة الذرية الإسرائيلية هي قنبلة سلام، بالرغم من أن هذه الدولة غير الشرعية، كانت ـ منذ تأسيسيها ـ خطرا على المنطقة كلها, بل قد تكون خطرا على العالم من خلال التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تزال تفرض الحروب المتنقلة، وتحرك المشاكل في المنطقة من خلال إرباك علاقات الدول بعضها ببعض، ولاسيما العلاقات العربية الإيرانية لمصلحة إسرائيل، بينما لم تقم إيران بأي اعتداء على محيطها، بل كان كل دورها هو الدفاع عن نفسها وعن الشعوب المستضعفة المتطلعة نحو الحرية".
وتابع:" لقد كنا نريد لفرنسا ـ في حكمها الجديد ـ أن تتمايز في سياستها عن الولايات المتحدة الأميركية، وأن تقترب أكثر من منطق الشعوب التي تعشق الحرية والاستقلال كما عاشته فرنسا في عنفوانها التاريخي، فمثل هذه المواقف لن تمنح فرنسا قوة كبرى، ولن تحقق لها الثقة من شعوب المنطقة, لأنها تتحرك في منطق معاكس لخط العدالة والصداقة الحقيقية للعرب والمسلمين، كما أنها لن تستطيع الحصول على موقع جديد للنفوذ إلا على هامش النفوذ الاستكباري للولايات المتحدة الأميركية".
"وفي خط مواز، يتحرك بعض صقور الحرب من المحافظين الجدد، من أجل تشجيع الرئيس بوش على توجيه ضربة قاصمة إلى إيران. ولكننا نرى أنه من الصعب أن يصل هذا المشروع إلى الواقعية الفعلية، وذلك لأنه يصطدم بالانخفاض الهائل في شعبية بوش، ومخاوف حلفائه الأوروبيين من سياساته، وقلق دول المنطقة من الانعكاسات المحتملة لأي مغامرة أميركية ضد إيران، كما يصطدم بطبيعة الانتشار العسكري الأميركي الحالي في العراق والمنطقة، وافتقاره إلى قوات أميركية جديدة، إضافة إلى طبيعة التعقيدات والتجاذبات في الساحة العراقية من جهة، وضغوط الكونغرس الأميركي على بوش لسحب قواته منها، أو تخفيض عددها بالحد الأدنى، من جهة ثانية. كما أن أي ضربة من هذا النوع قد تؤدي إلى اندلاع حريق شامل في المنطقة، وإلى فقدان التوازن في أسعار النفط".
اضاف:" إننا نحذر من أن يتحرك الجنون الأميركي ـ في إدارة بوش ـ من خلال محاولة هذا الرئيس إنهاء ولايته باستعراض عسكري للقوة، حتى لو سقط الهيكل على روؤس الجميع، ومنهم حلفاؤه، ولاسيما دول الخليج التي لا حول لها ولا قوة أمام القرارات الأمريكية".
"ويبقى الحديث عن مؤتمر بوش للسلام، حيث أثار بعض الدول العربية المدعوة إلى حضوره بعض التحفظات عن جديته، كما أعلن رئيس وزراء العدو عن خفض سقف التوقعات، مشيرا إلى أن كيانه والسلطة الفلسطينية يعكفان على بيان مشترك لا يتضمن اتفاق مبادىء، بل إعلان نيات, لأن حزبين إسرائيليين يرفضان التوصل إلى إعلان مبادىء. لقد أكدنا منذ البداية أنه لن يكتب النجاح لهذا المؤتمر, لأن إسرائيل ليست مستعدة أن تقدم أي تنازل للعرب إلا إلى مستوى ما يقرب من ورقة التوت، وهذا ما أكدته تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية التي أعلنت أنها مقتنعة بوجهة نظر رئيس وزراء العدو, لأن أميركا لا تستطيع إلا الموافقة على ما تقرره إسرائيل، ولو كان ذلك على حساب العرب كلهم الذي يقدمون التنازلات تلو التنازلات، بدءا من مؤتمر مدريد، إلى القمة العربية في بيروت، إلى ما بعدها من دون أن يحصلوا على شيء".
وتابع:" إننا ـ من خلال هذا الاتجاه في إدارة مشاريع المفاوضات ـ نرى أن بقاء المقاومة لا يزال في حجم الضرورة الاستراتيجية، في عملية تحرير الأرض الفلسطينية وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة التي لا يزال الكثيرون يعلنونها في نطاق الشعارات الاستهلاكية التي يملك العدو السيطرة على جديتها وواقعيتها. ولذلك، فلا بد للمجاهدين من تعبئة قدراتهم القتالية؛ ليكونوا امتدادا للتجربة التحريرية للمجاهدين في لبنان، ولاسيما أن بعض المسؤولين العسكريين يؤكد أن إسرائيل استعادت قدرتها الردعية التي تضررت جراء حرب لبنان الثانية, وبالتالي فإنه لا بد للمقاومة الفلسطينية من أن تضاعف قوتها بحيث تتحول إلى مشكلة للعدو بدلا من أن يكون هو مشكلة لها. وخصوصا في الوقت الذي يقرر أن غزة كيان معاد، الأمر الذي يشير إلى مرحلة جديدة من مراحل الوحشية الإسرائيلية التي ستنطلق في العدوان عليها والتي تعطي الجيش الإسرائيلي الحرية في تدميرها وقتل المدنيين".
وتحدث عن العراق, وقال:"أما العراق، فإننا نجد في الخلافات بين قواه السياسية، وما يليها من انسحابات متحركة من الحكومة على أساس عناوين تفتقد الواقعية وتبتعد عن خطة الوحدة الوطنية وتنفتح على الفوضى. إننا نجد في ذلك خطرا على العراق كله, لأن ذلك لن يبقي فيه أي قوة ضاغطة, الأمر الذي قد يؤدي إلى بقاء القوة للاحتلال الذي يؤكد عزمه البقاء طويلا في العراق، من أجل استمرار السيطرة على مقدراته، ولاسيما النفط الذي تحدث بعض المسؤولين الأميركيين بأن غزو العراق كان من أجله، كما أن ذلك يشجع التكفيريين على أعمالهم العدوانية ضد الأبرياء".
اضاف:"إننا نريد للتكتلات السياسية المتنوعة في العراق أن تتحمل المسؤولية الكبرى لمنع تمزيق الحالة السياسية فيه التي قد تتحول إلى حالة من تمزق الوطن كله، وعليهم أن يتقوا الله في عباده وبلاده، وأن يتحركوا بمسؤولية مواقعهم التي يرتفعون من خلالها إلى مستوى القضايا الكبرى، في حماية المصير والمستقبل".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018