ارشيف من : 2005-2008
"تفويض"!
كتب إبراهيم الموسوي
ما جرى في مجلس النواب يوم الثلاثاء في 25 أيلول من تأجيل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية يصلح أن يؤسس مدخلاً حقيقياً لتوافق لبناني لبناني على تمرير الاستحقاق، فالرعاية الإقليمية الدولية العربية الإسلامية لمبادرة بعلبك التي أطلقها الرئيس بري في 31 آب الماضي، أثمرت ضمانات حقيقية بعدم إقدام فريق ما يسمى بالأكثرية على تنفيذ تهديداته بانتخاب رئيس جديد بالنصف + واحد أو بمن حضر. ثمة من يفترض أن إنجازاً من هذا القبيل سيكون كافياً لاستيلاد انجاز آخر باختيار رئيس توافقي.
لكن ثمة ملاحظات يمكن إيرادها هنا، وهي تتمحور حول المجريات بعد جلسة الثلاثاء.
خرج فريق من الأكثرية ليقول ان الجلسة لم تعقد حتى تتأجل لأن رئيس المجلس لم يفتتحها أصلاً، فيما رأى فريق آخر من الأكثرية عينها أن المشاورات أثمرت توافقاً على تمرير الجلسة على النحو الذي تم، فيما تمسكت قوى المعارضة بالقول ان الجلسة لم تتم بسبب عدم اكتمال نصاب الثلثين.
طبعاً، فإنه ليس من مصلحة فريق 14 شباط الموافقة على مقولة المعارضة، فهو يريد أن يحتفظ لنفسه بهامش واسع للمناورة لتنضيج خياراته المتطرفة في اللحظة المناسبة التي كان وما زال يحض رموزه على تحينها حتى الآن!
اللافت الظاهر حتى الآن أن أحد رموز الأكثرية، بل ركنها الأساس سعد الحريري، قد صرّح مراراً وتكراراً خلال الأيام الأخيرة عن رغبة حقيقية وصادقة وقناعة بضرورة التوافق خوفاً من ضياع لبنان في حمّى الاستحقاقات الاقليمية والدولية من فلسطين مروراً بالعراق وصولاً إلى التهديدات بضرب سوريا وإيران، وقد أخذ الحريري على عاتقه مهمة إقناع حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع بمقولة التوافق بعد أن التقى بالرئيس بري غير مرة لإيجاد آليات تفضي لإخراج الوضع من عنق الزجاجة.
الرئيس بري من جهته يملك تفويضاً حقيقياً من قوى المعارضة التي تقدم أطروحة متماسكة للحل تغلب فيها مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار، وهي لهذه الغاية تراجعت عن مطالب أساسية مثلاً: (مطلب حكومة الوحدة) وطرحت منذ البداية مطلباً بسقوف متواضعة، لم يتقبلها فريق السلطة. وبالمقابل فإن بعض رموز فريق 14 شباط ولا سيما جعجع وجنبلاط ما زالا يدوران في حلقة الخطاب المتشنج المفرغة، وهما بشرا مؤخراً بمزيد من الاغتيالات التي قد تطيح في حال حصلت بكل الأجواء التفاؤلية والايجابية التي تولدت عن ارتفاع منسوب الأمل بإيجابيات متبادلة تضع الحل على الطريق.
والسؤال، لماذا لا يعطي وليد جنبلاط وسمير جعجع تفويضاً كاملاً لسعد الحريري كما فعلت قوى المعارضة من حزب الله، والتيار الوطني الحر وأحزاب وقوى أخرى مع الرئيس بري تسهيلاً للحل؟ وهل ما زال ركنا فريق الرابع عشر من شباط يراهنان على تطورات خارجية تتيح لهما تحقيق أجندتهما الخاصة، ولا سيما أنهما كانا دائماً عرّابي فشل كل المبادرات والحلول التوافقية السابقة؟
إزاء ذلك كله، هل ما زال التمسك بحبل التفاؤل في مكانه؟
الجواب نعم، ويجب أن يكون الجواب نعم. صحيح أن العواصم العربية والأوروبية متفقة على ضرورة انجاز الحل، وصحيح أيضاً أن واشنطن لا تزال حائرة وضائعة وتضيّع معها بعض حلفائها في لبنان، ولكن الصحيح أيضاً أن الإدارة الأميركية التي لم تعط بعد الضوء الأخضر لتمرير الاستحقاق بانتظار ابتزاز تنازلات اقليمية ما، تسهّل خروج قواتها المندحرة في العراق، لا تملك الفيتو النهائي، ولا هي تستطيع أن تكون القدر الذي يواجه لبنان واللبنانيين إلا بقدر ما يسمح البعض منهم لها بذلك!
واشنطن اليوم تفتش عن مخرج لها من مستنقع العراق، وهي بحاجة إلى من يساعدها، والذين ما زالوا يظنون أنهم أقطاب رحى في معادلة القوة الأميركية وحساباتها واهمون، وواهمون جداً، صحيح أن الإدارة الأميركية تستطيع أن تخرّب وتعرقل، ولكنها لا تستطيع أن تفرض معادلات وتغير وقائع لمصلحتها ومصلحة حلفائها، وعليه فإن هناك فرصة حقيقية متوافرة فيما تبقى من زمن لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في ظل التوافق، لأن البديل خسارة للوطن والمواطنين، ولكن الخسارة المحققة الأكبر ستكون من نصيب الذين يراهنون على ريح أميركية تأتيهم بالربح، في حين أنهم لا محالة سيحصدون الفشل!
الانتقاد/ العدد 1234 ـ 28 أيلول/ سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018