ارشيف من : 2005-2008
"اغتيال" التوافق
جديدة عبّرت عنها تصريحات كل من سمير جعجع ووليد جنبلاط اللذين اندفعا لاستثمار دماء المسؤول الكتائبي، واغتنام حماوة الجريمة للدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية كيفما كان ومن دون الالتزام بأي من مقتضيات الدستور لجهة التوقيت الذي يبدأ في 25 أيلول أو بحضور الثلثين، فجاءت الدعوة منهما إلى مواكبة الزخم الدولي تجاه لبنان الذي أحدثته الجريمة الحدث، والانتخاب بمن حضر ومن دون الالتفات إلى التوقيت أيضاً.
كذلك، فإن الجريمة البشعة والنكراء بحق أحد الرموز الكتائبيين، كانت مناسبة للهجوم على سوريا واتهامها، في حين لفت بيان السفارة الأميركية السافر في تحريضه عن دوزنة للمواقف تلاقي بعضها البعض في إطار من التصعيد المبرمج والمدروس.
المعارضة اللبنانية بكافة أطيافها وأحزابها وتياراتها سارعت إلى إدانة الجريمة، وعبّر العديد من رموزها عن الأمل في أن يتلاقى اللبنانيون مجدداً حول مبادرة بعلبك الإنقاذية التي اطلقها الرئيس بري، وعبّرت قيادات المعارضة عن قلقها العميق من أن تشكل هذه الجريمة البشعة إحدى حلقات التآمر ضد المساعي الداخلية للتسوية التي يقودها الرئيس بري، وبهذا المعنى يكون الاغتيال اغتيالاً للمبادرة بقدر ما هو اغتيال للنائب غانم، وخاصة أن الجريمة جاءت بعد مرحلة من التجاذب والتسويف والمماطلة والتباين الحاد من المبادرة بين الأطراف التي تشكل قوى 14 شباط.
ولكن، مهما يكن من أمر، فإن الرهان يبقى على بعض العقلاء في فريق 14 شباط الذين لن ينجروا إلى مواقف تصعيدية مدمرة كتلك التي يتخذها حلفاؤهم، ولعل ما يعطي بارقة أمل في هذا الظلام هو الموقف الموزون الذي أطلقه حزب الكتائب الذي لم يبادر إلى التصعيد أو لغة الاتهام، منتظراً مجريات التحقيق، وهو أيضاً ما عبّر عنه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي أكد ضرورة الذهاب إلى الاستحقاق الرئاسي مع مراعاة كل مقتضيات الدستور.
كذلك فإن ما يعزز الأمل أيضاً بإمكانية إحداث اختراق ايجابي في جدار الأزمة، هو إصرار رئيس البرلمان نبيه بري على استكمال مبادرته برغم كل العقبات والعراقيل الموضوعة في طريقه، بحيث تحمل الأيام المقبلة معها أملاً حقيقياً بولوج المدخل الصحيح للخروج من النفق.
هل هذه المسحة التفاؤلية في مكانها، بالتأكيد هي كذلك، ويجب ضخ المزيد من المواقف الايجابية، وإعطاء الفرص لإنجاحها، ذلك أن كل الذين يملكون حيثيات حقيقية في البلد، محكومون بالوصول إلى توافق حقيقي يؤمن انجاز الاستحقاق الرئاسي بشكل قانوني ودستوري يرضي أطراف المعادلة اللبنانية ويحفظ الوطن، والملاحظ في هذا المجال، أن دعاة التصعيد، والمقصود كلاً من سمير جعجع ووليد جنبلاط، هم ممن لا يملكون الحيثيات الوازنة في البلد، والذين لا يمثلون أطرافاً أساسية في المعادلة، ولطالما كانت أدوارهم متضخمة على مدى تعاطيهم السياسي مستندين إلى غيرهم أو متوسلين الفوضى والقلاقل سبيلاً إلى الإمساك بسلطات أكبر من قدرتهم الفعلية، فهل يرضخ اللبنانيون بسوادهم الأعظم للمنطق التصعيدي التعطيلي الذي يطلقه هذان، أم يمضون باتجاه ارساء حل جامع يحفظ لبنان؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام أو الأسابيع المقبلة على أبعد تقدير.
بانتظار ذلك، لا بدّ من الحفاظ على روح الأمل والتفاؤل مهما علت نبرة نبرة فرقة التعطيل في فريق 14 شباط، ومهما حدث ويحدث من قلاقل أمنية وسياسية طالما بشرنا بها جعجع ومعه جنبلاط، ويبقى السؤال عن دور حكومة الأمر الواقع بزعامة منتحل الصفة فؤاد السنيورة بكل أجهزتها الأمنية في تحصين الوضع الأمني ومنع الاختراقات الخطيرة التي تحدث، ولا سيما أنها تنفق الميزانيات الضخمة، وتجري تحديثاً في هذه الأجهزة في العدة والعدد، دون أن تقدم حتى الآن انجازاً واحداً في مجال القاء القبض أو الكشف عن المجرمين الجناة، ناهيك عن منع حدوث التفجيرات التي تودي بالكثير من مقدرات البلد سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فهل يتعظ الفريق المغتصب للسلطة بأن الوحدة الوطنية والتوافق الداخلي هما أيسر السبل لتحصين الوضع وحفظ لبنان واللبنانيين.
الانتقاد/ العدد 1233 ـ 21 أيلول / سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018