ارشيف من : 2005-2008

تفجير الاستحقاق!

تفجير الاستحقاق!

تضارب الأولويات بين اتفاق على حكومة انقاذ وطنية تكون معبراً للاتفاق على الموضوع الرئاسي كما تطالب المعارضة، وبين سعي قوى السلطة ممثلة بفريق 14 شباط لفرض مرشحها خلافاً لكل الأصول الدستورية والقانونية من خلال تمسكها بإنجاز استحقاق الانتخاب الرئاسي بالنصف + واحد، أو بمن حضر في صدارة الاهتمامات.‏

وكان اللافت الأبرز دخول الولايات المتحدة بقوة على خط الاستحقاق من خلال جملة تدخلات سافرة بالأوضاع اللبنانية الداخلية، تمثلت أولاً بإعلان الاعتراض على تعديل الدستور بعد تصريحات سابقة بعدم ممانعة التعديل، ثم بإصدار "مانفست" أميركي يحدد المواصفات الدقيقة للمرشح العتيد للرئاسة، وأبرز هذه المواصفات هو أن لا يكون للرئيس علاقات وثيقة مع حزب الله أو أية منظمات تصنفها واشنطن بالإرهابية، وكذلك أن لا يكون مؤيداً أو مساعداً على عودة النفوذ السوري إلى لبنان!‏

المضحك المبكي في آن واحد أن واشنطن التي لا تني تكرر معزوفة الاستقلال اللبناني وممارسة السيادة بأرقى مظاهرها وتجلياتها، تقوم هي بتعطيل كل محاولة لتلاقي اللبنانيين، وتضع خارطة طريق بإملاءاتها العلنية وشروطها التي يجب التزامها بحذافيرها من قبل أدواتها في فريق السلطة، وكأن تدخلها السافر بما يشبه الانتداب والوصاية مقبول!‏

ولكن الحقيقة المحزنة في المشهد اللبناني الذي يميل إلى السوريالية والغرابة المفرطة هو أن السياديين الجدد من جماعة 14 شباط لا يجدون غضاضة في الاندفاع الأعمى لتنفيذ الإملاءات الأميركية وهم يرفعون عقيرتهم شتماً بكل ما يسمونه موروث الوصاية السورية التي كانوا هم رموزها في وقت مضى!‏

في عرفهم، وما يروجونه من أدبيات سياسية (هي بالأحرى قلة أدب سياسي) كأدوات للمشروع الأميركي أن هناك انقساماً سياسياً كبيراً في الساحة اللبنانية بين فريقين ومحورين، وهم اختاروا أن يكونوا أدوات المحور الأميركي، وكأن الخيانة لمصالح البلد والناس والتنكر لتاريخ المنطقة وجغرافيتها وحضارتها من خلال الاصطفاف مع المشروع المعادي لكل ما يمت إلى هويتها وحضارتها هو مجرد وجهة نظر، وهكذا أصبحنا في زمن رديء، تصبح العمالة فيه مجرد وجهة نظر!‏

وفي الوقت الذي يوغل فيه سياديو ثورة الأرز بالاندفاع مع المشروع الأميركي المتهالك، غير آبهين بكل الدعوات الصادقة للمعارضة للخروج من المأزق العام من خلال حكومة وحدة وطنية، تحاول باريس عبر إعادة إحياء مبادرتها اللبنانية بإرسال موفدها جان كلود كوسران إلى بيروت تكريس تمايزها الواضح عن السياسة الأميركية، ومحاولة تلمس مخرج ما للأزمة المحتدمة.‏

كيف يوفق فريق السلطة بين دعواته للاستقلال وتحوله إلى أداة مفضوحة الارتباط بالإدارة الاميركية، وعلام يبني رؤيته السياسية في استمرار رهانه على واشنطن فيما تسجل أحداث العراق والمنطقة تهاوي مشروعها المتسارع الى حضيض الفشل لدرجة تحدث فيها وزير خارجية فرنسا عن عدم إمكانية خروج الأميركيين من المأزق بأنفسهم!‏

الأميركيون أنفسهم، المحتلون للعراق لم يمونوا على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهاجموا زيارته الى سوريا، في حين أنهم كانوا يجلسون مع السوريين في لجان أمنية تنسيقية مشتركة للخلاص من مأزقهم، وكذلك، فإنهم فعلوا الأمر نفسه مع الإيرانيين في بغداد، أما السياديون الجدد فيجدون مشكلة كبيرة في الجلوس الى طاولة واحدة مع المعارضة للاتفاق على مخرج ارتأت المعارضة أن تحفظ لهم فيه بعض ماء الوجه الذي أراقوه على أعتاب جون بولتون وكوندوليزا رايس وصولاً الى المفوض الاميركي جيفري فيلتمان!‏

المشكلة لا يمكن ان تكون عامة الى هذا الحد في فريق 14 شباط، المشكلة أن هناك مشكلات عديدة وانقسامات حقيقية في هذا الفريق، وإلا فلم هذا الخوف الذي يستحوذ على وليد جنبلاط من التسوية المحتملة، ولماذا تجييش حملات التخوين والتخويف لكل من يريد التسوية لإنقاذ الوطن، ومتى كانت التسوية للبنانيين نهاية لأي منهم. إنه طور جديد في السياسة يقرأه جنبلاط في التطورات المحيطة، وهو طور يحمل الكثير من المتغيرات والروايات والنهايات، أما نهاية الأكثرية التي يتحدث عنها زعيم الحزب الاشتراكي فهي ليست سوى نهاية لدور شخصي متعاظم اكتسبه بالبهورة وركوب الأمواج حسب تبدل الريح، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة!‏

ابراهيم الموسوي‏

الانتقاد/ العدد1229 ـ 24 آب/أغسطس 2007‏

2007-08-24