ارشيف من : 2005-2008
ما أكثر العبر
كتب إبراهيم الموسوي
من المفيد جداً قراءة النتائج التي تمخضت عنها انتخابات المتن الفرعية في 5 آب الماضي من زاوية أكثر اتساعاً، من زاوية لا تختصر في مجرد التنافس على مقعد نيابي محدد. يقتضي الإنصاف أن نقرأ هذه النتائج في إطار المشهد السياسي اللبناني العام بكل تعقيداته وتشعباته وانقساماته واصطفافاته السياسية، وتبلور مواقف أفرقائه وانضوائهم في إطار مشروعين سياسيين متباينين بشكل حاد وكبير، ولا سيما بعد أن ظهّر عدوان تموز العالمي وما رافقه وأعقبه من مواقف كل النتوءات السياسية والقُطب المخفية.
ـ لقد كانت معركة الانتخابات الفرعية، حرباً سياسية لا هوادة فيها، حرباً بكل معنى الكلمة جيشت فيها العواطف والغرائز، وقُصف التيار الوطني الحر ورئيسه بأفظع الاتهامات وأقذعها، وتحركت ماكينة المال السياسي لتنفق ملايين الدولارات لشراء الأصوات، ودخل البيت الأبيض على الخط أيضاً بسلسلة قرارات وإجراءات قبل يومين من موعد الانتخاب لإرهاب المعارضة اللبنانية وترويع حلفائها والضغط عليهم. والخطير في هذه الإجراءات أنها جاءت على خلفية اعتبار استقرار حكومة السنيورة غير الشرعية جزءاً من الأمن القومي الأميركي، وأن أية محاولة لزعزعة استقرار هذه الحكومة (بأية طريقة حتى ولو عبر الأساليب الديمقراطية المعتمدة) هي زعزعة لأمن الولايات المتحدة الأميركية، كذلك فإن تجمع قوى 14 شباط ومعها البطريركية المارونية ودار الافتاء كلها خاضت المعركة وجيشت لها، وأفتت بوجوب المشاركة فيها دعماً لفريق 14 شباط، هذا من دون أن ننسى الأبواق الإعلامية التي سخّرت كل طاقتها للمعركة على أساس أن الفوز فيها مضمون لقوى السلطة ممثلة بفريق الرابع عشر من شباط.
ولكن وعلى الرغم من كل التجييش العاطفي واستغلال دم بيار الجميل لاستقطاب أصوات المسيحيين، وبرغم كل الاعتبارات الآنفة الذكر والدعم الداخلي والخارجي، فشل مرشح السلطة فشلاً ذريعاً وسقط سقوطاً مدوياً أمام مرشح التيار الوطني الحر، ليتكرس بذلك زعامة الجنرال ميشال عون على المستويين المسيحي الخاص واللبناني العام، وإخراج مرشح السلطة أمين الجميل الذي هو سليل بيت زعاماتي تاريخي، حيث كان رئيساً للجمهورية، وأيضاً لأحد أهم زعامات المسيحيين، ورئيساً أعلى لأحد أهم الأحزاب المسيحية تاريخياً، وأباً لوزير اغتيل غدراً، خارج المعادلة. وهذا ما يعطي نجاح مرشح التيار الوطني الحر ميزة استثنائية بالغة الدلالة والمعنى.
على أن الأهم في كل ما تقدم، أن قوى 14 شباط التي أصرّت على خوض الانتخابات حتى اللحظة الأخيرة أملاً بالفوز بها وإقصاء الجنرال عون والتيار الوطني الحر خارج بورصة الاستحقاق الرئاسي من خلال الزعم بتراجع تأييده مسيحياً، قد تلقت صفعة مزدوجة تمثلت بفوز مرشح التيار أولاً، وكذلك من خلال ما أظهرته الأرقام وإحصاءات الأصوات وكيفية اقتراع الناخبين في انتخابات المتن، حيث أكدت دراسة تفصيلية للخبير عبدو سعد (نشرت في صحيفة الأخبار يوم أمس، العدد 299) أن المرشح كميل خوري فاز بأصوات المسيحيين، وأن نسبة ناخبيه المسيحيين أعلى من نسبة ناخبي الجميل المسيحيين، وهو ما يدحض كل افتراءات الفريق الشباطي ومزاعمه حول تراجع شعبية التيار الوطني الحر وزعيمه ميشال عون مسيحياً!
لقد أثبتت الانتخابات الفرعية في المتن كما مثيلتها في بيروت انفضاض كتلة واسعة من الجمهور من حول فريق السلطة، وعدم مجاراته في محاولاته استنفار هذه الكتلة خلف خطابه السياسي المستأثر، وهو ما دفع، مضافاً الى فشل الجميل، بالكثير من المعلقين الأجانب وعلى رأسهم تلفزيون ABC الأميركي إلى اعتبار ما جرى فشلاً ذريعاً لفريق 14 شباط، وأحد العلامات المهمة على بداية نهاية الرهان الأميركي على "ثورة الأرز".. فهل يستمر فريق 14 شباط بأدائه المستأثر وخطابه المتعنت الرافض لدعوات التسوية القائمة على أساس حكومة وحدة وطنية.
الأرجح أنه سيستمر حتى النهاية! ولكن أية نهاية؟ بالطبع نهاية أحلامه بإلحاق لبنان بالمشروع الأميركي!
ما أكثر العبر وأقل الاعتبار.
الانتقاد/ العدد 1227 ـ 10 آب/أغسطس 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018