ارشيف من : 2005-2008
دروس مستفادة
كتب ابراهيم الموسوي
لن تستطيع الولايات المتحدة الأميركية مهما فعلت، أن تمسك بقيادة المنطقة أو تضمن تطويع كل دولها وشعوبها وانقيادها لسياساتها.
الكلام ليس من قبيل إطلاق المواقف من على المنابر بحسب مقتضى مراعاة أجواء الحماسة التي قد تسود في مناسبات مماثلة، ولا هو محاولة لرفع معنويات وشد أزر من يحتاج إلى شد أزره. الكلام يستند إلى منطق عملي رصين مستفاد من دروس وتجارب ماضية وحديثة العهد، ليس أقلها حدث الحرب العالمية العدوانية في تموز 2006 على لبنان، والذي نتظلل اليوم ببركات أمجاد نصره.
مناسبة هذا الكلام، ما أعلنته واشنطن مؤخرا، عن صفقة تسليح هائلة لبعض الأنظمة العربية وكيان العدو توازي عشرات مليارات الدولارات لضمان إنشاء جبهة جديدة يفترض أميركياً أن تكون جبهة اعتدال قوية ومتينة بمواجهة إيران وسوريا والقاعدة وحزب الله وحماس وكل من يعرّفهم القاموس السياسي للإدارة الأميركية بأنهم إرهابيون ومتطرفون.
ماذا ستفعل صفقات التسلح، وهل ستضخ الحياة مجدداً في الأنظمة المتهالكة، وهل ينفع وينجح الوكيل الهزيل حيث فشل الفاعل الأصيل القوي. إذا كانت قوات الاحتلال الأميركي المطوّقة بالهزائم والمجرجرة أذيال الخيبة باحثة عن مخرج لها من العراق لم تستطع أن تحقق أي نجاحات في مشروعها، فإن أبدالها لن يستطيعوا ذلك اللهم إلا إذا كانت معايير النجاح تقوم على أساس حجم الدمار والخراب وأعمال القتل الجماعية اليومية التي تتم برعاية قوات الاحتلال، وتحت عينها، فساعتئذ تكون واشنطن قد حققت نجاحات غير مسبوقة في التاريخ.
الجبهة الجديدة التي تسعى واشنطن إلى رصف مداميكها مليئة بالثقوب والتناقضات، وأعمال التسليح الهادفة إلى سلب الحكومات والأنظمة عشرات المليارات من الدولارات مما فاض من طفرة ارتفاع أسعار البترول لن تجلب أمناً أو تضمن حماية، ثم ولن تكون أكثر من ابتزاز جديد من جانب واشنطن لهذه الأنظمة المتواطئة ضد شعوبها وقضايا منطقتها، والراضية بإملاءات واشنطن حفظاً لاستمراريتها وبقائها.
الإدارة الأميركية اليوم تريد استبدال الصراع العربي ـ الصهيوني ـ بصراع عربي ـ إيراني، لذلك فهي تنفث بقوة سموم الفتنة المذهبية، وتغدق الميزانيات، وتؤلّب التيارات والجماعات بعضها ضد البعض الآخر لضمان الإمساك بخيوط اللعبة، وضمان الإمساك بمصادر الطاقة في المنطقة، وضمان بعثرة طاقات وإمكانيات الشعوب العربية الإسلامية للإبقاء على تفوق الكيان الصهيوني النوعي؟
وهذا أيضاً مدعاة للتساؤل والتشكيك الكبير ولا سيما بعد حرب تموز الماضية، وما آلت اليه هيبة الآلة العسكرية الأميركية ـ الصهيونية معاً.
في الماضي الذي ليس بالبعيد، يوم أرادت واشنطن تطويع كل المحيط العربي بإيران الشاه، جعلت من هذا النظام الذي هو أحد أعتى الأنظمة الديكتاتورية، شرطياً للخليج، وزودته بإحدى أهم الترسانات الحربية في العالم، وكان يدير منظومة السلاح والعسكر والأمن جيش من الخبراء الأميركيين يربو على عشرات الآلاف، ولكن عندما قال الشعب الإيراني المسلم كلمته لم يعد هناك مكان لأي كلام تقوله واشنطن وحلفاؤها.
في الماضي القريب قبل أقل من عام جرّبت القابلة كوندوليزا رايس استيلاد شرق أوسط جديد من خلال مخاض دموي إجرامي دفعت اليه الكيان الصهيوني، وغطته سياسياً وموّلته مادياً وزوّدته بالأسلحة والذخائر من مخازنها القريبة والبعيدة، ولكن المخاض لم يجلب لها "شرق أوسط جديد" طبقاً لما خططت ودعمت، بل جاءت النتيجة معاكسة تماماً، جاءت النتيجة نصراً للبنان ولشعوب المنطقة ولكل مقاوم شريف.
هل يكون نصيب الاصطفاف الجديد أكثر نجاحاً مما سبق؟ بالطبع لا، ليس هناك شك، في أن ما جرى في الماضيين البعيد والقريب سيتكرر في أي مستقبل قريب أو بعيد، ذلك أن مصير هذه المنطقة يقرره أحرارها وشرفاؤها، وليس عبيدها وعملاؤها. ما أقرب اليوم من الأمس، ما أقربه من الغد أيضاً.
الانتقاد/ العدد 1226 ـ 3 أب/أغسطس 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018