ارشيف من : 2005-2008
"أوهن من بيت العنكبوت"
كتب ابراهيم الموسوي
ما نحن بصدده اليوم وعلى مدى أسابيع، وصولاً إلى منتصف شهر آب المقبل، هو ذكرى الحرب العالمية على لبنان في تموز 2006، هذه الحرب التي شنها العدو الصهيوني بدعم مباشر وإسناد لوجستي من الولايات المتحدة، وبغطاء غربي أوروبي وتواطؤ بعض العرب واللبنانيين، وانتهت بهزيمة مدوية لكيان العدو ونصر إلهي مظفّر للمقاومة الاسلامية، ولبنان واللبنانيين والعرب والمسلمين والشرفاء الأحرار في مشرق الأرض ومغربها.
وفي هذه الأيام مجال كبير للتفكر، في أحوال الحرب وأهوالها وأسبابها وتداعياتها وما آلت اليه، غير أن العبرة الأولى المستفادة من دروس الحرب تتعلق بالنصر الإلهي الذي تحقق، إذ صدق الله وعده، ونصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده.
العبرة الأساسية المستفادة من هذه الحرب ما تلخصه الآية الكريمة "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"..
ـ نعم لم تكن الحرب سهلة، فما الحرب إلا ما علمتم وذقتم كما يقول الشاعر، وبالتأكيد فإن نتائجها وآثارها تكون مدمرة وقاسية أيضاً، ولكن المتأمل لسلسلة الحروب بين المقاومة الإسلامية والعدو الصهيوني، ولا أقول بين الجيوش العربية والعدو الصهيوني، يجد أن ما دفعه العرب من خسائر في الحرب كان أقل بكثير مما دفعوه، ويستمرون في دفعه أو قد يدفعونه في المستقبل إذا ما ارتضوا بالاحتلال والعدوان ضدهم ولم يقاوموه.
وفي الواقع، فإن ما كشفته الحرب العدوانية الأخيرة في صيف 2006 أن العرب كأنظمة، بشكل عام، لم يرغبوا في محاربة الاحتلال الإسرائيلي بشكل جدي وفعّال، إذ لو فعلوا ذلك لما كنّا قد وصلنا إلى هذه النتائج الكارثية التي وصلت اليها الأمور.
أنظمة وحكومات وجيوش جرّارة، وأجهزة استخبارات ومعدات حديثة ودبابات وطائرات حربية، وضباط أركان وقادة جيوش وكليات حربية لم تستطع أن تلحق الهزيمة بالعدو، في حين أن بضعة مئات من المجاهدين المقاومين وبأسلحة بسيطة بالمقارنة مع ما سبق، استطاعوا ذلك، فما السر يا ترى؟
إنها الإرادة والعزيمة والتوكل، إنها الثقة بالله والإيمان به مع إعداد العدة، واعتماد التخطيط والمثابرة والنفس الطويل.
انها الثقة بالناس، ايمان الناس وصبر الناس، وعزم الناس، الحكومات أفقدت الناس ثقتهم بأنفسهم وزرعت في قلوبهم الرعب والوهن خوفاً من "الجيش الذي لا يقهر"، وفقدت هي الثقة بنفسها، وارتضت تواطؤاً أن تقيم دائماً ضمن تخوم الهزيمة النفسية، وبدأت الأجيال تلو الأجيال تتخرج من مدارس الترويع والترويض النفسي حول ان "اسرائيل" قدر لا مفر منه، وقضاء لا مرد له، إلى أن جاءت المقاومة في لبنان لتجترح معجزة نصر تلو معجزة نصر، منذ البدايات في العام 1982.
هل تتذكرون الفتى اليافع الذي بالكاد كان يبلغ سبعة عشر ربيعاً في 11/11/1982 (أمير الاستشهاديين أحمد قصير) الذي اقتحم بجسده الطاهر وسيارته المملوءة بالمتفجرات مقر الحاكم العسكري الصهيوني في صور ليتلقى العدو أولى صفعات الهزيمة المدوية من أبناء هذا الشعب، أحمد قصير الذي لم يتخرج من أية كلية حربية ولا ذهب ليدرس التوازن الاستراتيجي ولا انتظر حتى تقوى شوكة الاحتلال، بل بادر العدو بما ملكت يمينه، ويمين إخوانه في المقاومة الاسلامية.
أحمد قصير تخرج من مدرسة الفداء التي بدأها أمير المؤمنين الإمام علي (ع) يوم افتدى الرسول بنفسه فبات على فراشه. ليلة تآمرت كل القبائل لقتله. فافتدى الرسول والأمة بنفسه، وخريج المدرسة نفسها في كربلاء الإمام الحسين (ع).
القضية قضية عشق للعزة والكرامة وتصميم وعزم على التمسك بهما وصولاً إلى الحرية والاستقلال، هذه هي المعادلة التي أرستها المقاومة فيما كانت الأنظمة مشغولة بتأديب المعارضين وقمع الناس أجمعين إلا من والى الملك والأمير والسلطان.
مهلاً قليلاً، فالعدو ليس قدراً، وجيشه لم يعد أبداً الجيش الذي لا يقهر، بل أصبح الجيش الذي يقهر دوماً وأبداً بفضل سواعد المجاهدين المضحين الواثقين بربهم، الراسخين في ثقافتهم، الطالعين من حدقات أعين أبناء أمتهم، المتأملة دوماً بالنصر، المتعلقة بثقافة الحياة، لأنه لا يهب الحياة ولا يعطي الحياة إلا من يقدّر قيمة الحياة وثقافة الحياة وعزة وكرامة وحرية الأحياء.
لم تكن "اسرائيل" يوماً مطلقة القدرة، ولم يكن جيشها يوماً الجيش الذي لا يقهر، ولكن الأنظمة والحكومات المتآمرة هي التي روّجت لثقافة الهزيمة والاستسلام والقدر المخزي، حتى انبثقت شعلة المقاومة فأضاءت جنبات أنفسنا بالعزة والكرامة وتراب الوطن بالتحرير والاستقلال، لنكتشف حقيقة ساطعة طالما رددها قائد المقاومة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من أن "اسرائيل" هذه أوهن من بيت العنكبوت.
"مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون".
الانتقاد / العدد 1225 ـ 27 تموز/يوليو2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018