ارشيف من : 2005-2008

هل بات إنجاز الاستحقاق الرئاسي ممكناً؟

هل بات إنجاز الاستحقاق الرئاسي ممكناً؟

كتب مصطفى الحاج علي
هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل حقاً، أم أننا إزاء تفاؤل مسيس، بمعنى أنه لا يعدو أكثر من مناورة سياسية تهدف إلى تضييع الوقت، ونفض اليد والمسؤولية، مما يمكن أن تؤول اليه الأمور لاحقاً؟
يستبطن هذا التساؤل حذراً عقلائياً ومبرراً، يستند بشكل رئيسي إلى التجارب المخيبة مع فريق السلطة، الذي طالما انقلب على اتفاقات مبرمة، والذي كان دائماً يخفي رهانات مضمرة كان أبرزها عدوان تموز. ثم إن هذا الفريق أظهر نزوعاً قوياً نحو خيارات مغامرة بل مقامرة، وبالتالي أظهر استعداداً وقابلية لدفع الأوضاع نحو الفوضى الشاملة، والانقسامات الحادة، غير مبالٍ بالنتائج الكارثية التي ستتمخض عنها، وترتد على الجميع بدون استثناء، فالخيارات الشمشومية حاضرة بقوة لدى هذا الفريق. كما أن عملية اغتيال النائب الكتائبي الثاني أنطوان غانم كشفت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن المستهدف الرئيسي فيها هو مبادرة الرئيس بري، وبالتالي التوجه الوفاقي الداخلي.
إلا أنه، وبالرغم من كل قوة الوقائع الآنفة، فهناك بالفعل ما يدعو هذه المرة إلى المراهنة الحذرة وغير النهائية على مناخ التفاؤل السائد حالياً. أما أبرز هذه الدواعي، فيمكن إيجازه بالنقاط الرئيسة التالية:
أولاً: إن المعادلة السياسية التي بات يحتكم اليها الوضع الداخلي، هي من الدقة والتوازن، ما يجعل من المستحيل إمكان تمرير حلول جذرية، بل أكثر من ذلك، يمكن القول، وباطمئنان، إن المعارضة الوطنية نجحت في إرساء استراتيجية تعاطٍ مع الأزمة الداخلية، أدت إلى تعطيل العديد من الألغام التي كان يراد من تفجيرها انجاز الأهداف الأميركية المطلوبة من اشاعة حالة الفوضى الشاملة. إن استراتيجية الصبر والعض على الجراح، وإظهار الاستعداد لتحمل أعلى درجات الكلفة، لثمن الفتنة والحروب الداخلية، هو ما أفقد استراتيجية الفوضى مبرراتها.
وأكثر من ذلك، بدا واضحاً مؤخراً أن استراتيجية الفوضى الشاملة، يمكن أن تؤتي بنتائج معاكسة لأهدافها، ويمكن، بالتالي، أن تعرّض ما تعتبره واشنطن انجازاً لبنانياً لها، للسقوط النهائي. بكلمة موجزة، ان ميل توازنات القوة لمصلحة المعارضة داخلياً واقليمياً، وحسم المعارضة قرارها بعدم الانجرار إلى مهاوي الفتن الداخلية، وضع واشنطن في مأزق حقيقي حتم عليها الانصياع إلى متطلبات حقائق ووقائع المشهد اللبناني.
ثانياً: بدا واضحاً مؤخراً، أن هناك تقاطع مصالح أوروبيا وفاتيكانيا، على ضرورة منع انفجار الوضع اللبناني، لاعتبارات تتعلق بالمصالح الأوروبية في لبنان، والمتمحورة بشكل رئيسي حول القرار الدولي 1701، والتي تتعلق بحماية الوضع المسيحي اجمالاً من ملامسة حدود مخاطر كبيرة لا تنقصه، وأن هناك ضرورة لصيانة هذا الوجود ورد الاعتبار إلى موقعه الداخلي. والبطريركية المارونية ليست بعيدة عن هذا الإطار، وهي سبق وعبرت عنه بموقفها اللافت من نصاب جلسة الانتخاب حيث تبنت القول الذي يقول بضرورة توافر نصاب الثلثين، في مقابل حضها المعارضة على المشاركة في جلسات الانتخاب، والجمع بين هذين التوجهين لا يستقيم خارج فرضية ان التوافق يجب أن يسبق المشاركة، وإلا لوقعت البطريركية في توفيقية متناقضة مع نفسها.
ثالثاً: تقاطع التوجه الإيراني ـ السعودي والسوري أيضاً على ضرورة أن يكون التوافق هو المدخل لمعالجة الاستحقاق الرئاسي.
رابعاً: لقد أظهرت المعارضة تمسكاً قوياً بمنطق التوافق سواء من خلال تمسكها بالقاعدة الدستورية الخاصة بنصاب الثلثين، أم من خلال حرصها على عدم اتخاذ أي خطوة تصعيدية، بالرغم من أنها تملك كل المبررات الدستورية والسياسية والموضوعية لها، أو من خلال احتضانها لمبادرة الرئيس بري، واعتبارها الفرصة الحقيقية المتاحة، أو من خلال تعطيلها لكل محاولات استدراجها لردود فعل تمنح فريق السلطة مبررات التصعيد، ودفع البلاد نحو الفوضى.
خامساً: ظهور تمايزات واضحة داخل فريق 14 شباط، ففي الوقت الذي يظهر فيه النائب سعد الحريري ميلاً ظاهرياً على الأقل نحو التسوية والوفاق، فإن ملحقاته كالنائب جنبلاط، ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات سمير جعجع، كانا يظهران استعجالاً واضحاً نحو الخيارات التدميرية انطلاقاً من حساباتهما الخاصة بأن أي تسوية يمكن أن تفيد الحريري، لكنها، بالتأكيد، لن تفيدهما، فعندما يحين أوان التسويات، فالذين ينتجونها هم الأقوياء لا الملحقات السياسية، وجعجع كما جنبلاط يدركان أن أحجامهما الفعلية لا تسمح لهما بأن يكونا مقررين لها، وأن أقصى ما يمكن أن يقوما به هو الاعتراض غير المؤثر. وهذا ما بدا واضحاً في مواقف كل منهما، ومن تأمل في صفحات وجه جنبلاط في الخامس والعشرين من أيلول، يكتشف بسهولة مدى ضيق هذا الرجل، ومن قرأ مواقفه يكتشف أيضاً ميله الغريزي للعدمية السياسية، ولنزوعه الشمشومي الذي لا يمانع من تدمير الهيكل على رؤوس الجميع ما دامت مصالحه الخاصة لن تبصر النور.
ثم، إن هذا الفريق ومع كل يوم يقترب فيه الاستحقاق الرئاسي من مواعيده الحتمية سيجد نفسه أمام مفترق سيقوده حتماً نحو التصدع على خلفية تعدد المرشحين المسترئسين، وعدم قدرته على تبني ترشيح واحد منهم دون الآخر.
بكلمة أخرى، إن مبررات التوافق ستقود حتماً للبحث عن اسم خارج نادي المسترئسين في هذا الفريق، وهذا من شأنه أن يشكل مخرجاً لهذا الفريق.
إضافة إلى ما تقدم، فإن حسابات هذا الفريق، أن التوافق  قد يؤدي مستقبلاً إلى انعكاسات سلبية على وضع المعارضة، يمكن أن تفيد منه لاحقاً في إعادة رسم توازنات القوة لمصلحته مستقبلاً.
كل ما تقدم، يعطي مؤشرات فعلية على أن لمناخ التفاؤل أساسا سياسيا معتبرا، من دون أن يلغي ذلك بعض المحاذير، وأبرزها:
أولاً: استمرار التأزم في العلاقات السعودية ـ السورية، وإن بدا مؤخراً أن هناك غزلاً موارباً ومن المدخل الاقليمي المتصل بمسألة المؤتمر الدولي للسلام.
ثانياً: المواقف الجديدة للنائب الحريري من النظام السوري، والتي أعلنها مؤخراً لتلفزيون فوكس نيوز، فلأول مرة يطالب الحريري بإسقاط النظام السوري، وهو بذلك يحاكي النائب جنبلاط في مواقفه.
 ان الحرص على مناخات التسوية يتطلب اشاعة أجواء مختلفة ولا سيما أن الحريري يدرك أنه لا يمكن القفز عن دور سوريا المؤثر في لبنان، وأن أولى مهام أي حكومة جديدة لاحقة ستكون ترتيب العلاقات مع دمشق.
ثالثاً: استمرار جنبلاط وجعجع في إشاعة مناخات عن تهديدات أمنية، كاشفة عن استعداد ضمني لديهما لاستخدام كل ما يلزم من أجل نسف أية أجواء توافقية، ودفع الأمور نحو تدويل الاستحقاق.
رابعاً: توالي معطيات عن فريق 14 شباط، ان لم يكن كله فبعضه، ما زال يتحدث في كواليسه الخاصة عن رهانات تتعلق بإمكان حدوث حروب اقليمية تغير الأوضاع والمعادلات سواء باتجاه ايران، أم باتجاه سوريا.
خامساً: استمرار واشنطن في سياستها التصعيدية في المنطقة، ودفعها للأمور نحو المزيد من التعقيد.
خلاصة الأمر، التفاؤل مبرر، والحذر أيضاً، ولا شك، أن الاستحقاق الرئاسي دخل في مرحلة من الكباش والتفاوض السياسي الدقيق والحساس، ومن الآن، وحتى موعد انعقاد جلسة الانتخاب الثانية، سنكون أمام وقت حافل بالأخذ والرد، وبالتفاوض الساخن في مواقفه، وهو إما سيقود إلى اتفاق حقيقي هذه المرة، وإما سيفتح الأبواب على المجهول.
الانتقاد/ العدد1234 ـ 28 أيلول/ سبتمبر 2007

2007-09-28