ارشيف من : 2005-2008
لبنان بجناحيه.. أو بعكازتيه
كتب نصري الصايغ
لماذا، في الأنظمة الجمهورية الديمقراطية، تنتقل السلطة من.. إلى، وفق آلية سلمية، فيما، وحده لبنان، تنتهي ولاية كل رئيس جمهورية، بأزمة أو بمشروع فتنة، أو بمشروع حرب؟
نعم لماذا؟ نريد أن نفهم، نريد أن نعرف، لعلنا إذا عرفنا، فهمنا، وإذا فهمنا تداركنا الرئاسة ولبنان، ولم نذهب مرة تلو مرة إلى المجهول.
ولماذا يقال عندنا، إن رؤساءنا يصنعون في الخارج؟ وهذا لا يحدث في أي جمهورية ديمقراطية، ذات نظام برلماني، نعم لماذا. نريد أن نفهم، نريد أن نعرف إذا كان ذلك صحيحاً، لعلنا إذا عرفنا، فهمنا، وإذا فهمنا، قررنا أن نختار رئيساً لبنانياً بإرادة لبنانية، فلا يتم انجاب سلطة لبنانية، ورئاسة جمهورية، في فراش اقليمي أو في مخدع دولي؟ نريد أن نفهم.
انتهى عهد بشارة الخوري قبل أوانه، سقط في الشارع بعد إضراب عام، وبعد محاولات وأد الإضراب بالعنف العسكري.
انتهى عهد كميل شمعون، بفتنة كبيرة، اصطدم فيها اللبنانيون وهم يحملون مشروع ايزنهاور في فريق، ومشروع ناصري في فريق آخر، واتفق الطرفان على رئيس لبناني يحفظ التوازن بين اللبنانيين، ومن ذلك التاريخ صدق وزير الخارجية اللبناني عندما قال: "العلاقات الخارجية اللبنانية يقررها الشارع اللبناني" لأنه موزع الولاءات الخارجية.
انتهى عهد فؤاد شهاب بأزمة التجديد، رفض ذلك، رأى أن لبنان غير قابل للاصلاح، فأوصى بوصي له، هو شارل حلو، انتهى عهده باعتكاف رئيس الحكومة لمدة ستة أشهر، وباتفاق القاهرة، وانفتاح لبنان على المجهول الاقليمي.
وانتهى عهد سليمان فرنجية بالحرب اللبنانية، واضطر المجلس النيابي الى انتخاب رئيس جديد، بدعم سوري، تحت وابل القصف المدفعي وقبل انتهاء ولاية فرنجية بستة أشهر.
ولم يحكم سركيس إلا قليلاً، فقد انتهى عهده باجتياح اسرائيل للبنان، وتنصيبها ديمقراطياً، بشير الجميل رئيساً، وبالمناسبة، بأكثرية الثلثين، ورثه اخوه أمين، بدعم اسرائيل واستسلام النواب اللبنانيين، على قاعدة أهون الشرين، وانتهى عهد الجميل بدون خلف ولا رئاسة، ولولا التغييرات الكبرى التي حصلت في الخليج واحتلال صدام حسين للكويت لكنا ما زلنا في ظل حكومتين والله أعلم.
وبدأ عهد الطائف، برئيس اغتيل ثم برئيس جاء فيه القرار من دمشق وكادت تحصل أزمة كبيرة، بسبب التمديد له، أما الرئيس الحالي فيكاد ينهي ولايته الثانية الممددة بزوال الرئاسة وزوال الجمهورية.
فلنفهم لماذا؟
العلة ليست في الرؤساء، بل في الآلية التي تنتج الرؤساء. وبالتالي الحكومات وقوانين الانتخاب، واتجاهات الدولة العربية والاقليمية والدولية.
النظام اللبناني ضمانته ليست من داخله، بل من خارجه، اللبنانيون لم يشكلوا في تاريخهم الاستقلالي، ركيزة لنظامهم ولدولتهم، نظام ودولة تحتاجان الى توافق اقليمي، وعربي ودولي منسجم مع توافق داخلي، والدليل أن اتفاق الطائف الذي ولو بعد 15 عاماً من الحروب اللبنانية، أصبح قابلاً للتداول بعد توافق دولي (بيان مجلس الأمن) وأميركي عربي، وعربي عربي (الجامعة العربية) وموافقة سوريا، وأي خلل في هذا التوافق يؤدي الى زعزعة النظام اللبناني.
أما لماذا لم يشكل اللبنانيون، قاعدة راسخة وحلبة لبنيانهم السياسي، فلأن المحاصصة الطائفية، والطائفية العابرة للأوطان، المذهبية العابرة للحدود، تفتح شهية الجميع للإقامة السياسية في لبنان، وهكذا، وجدت الناصرية إقامة فيه، ثم وجدت المقاومة الفلسطينية إقامة ناجحة، كما حضرت اميركا كوريث لفرنسا التي كانت مقيمة فيه كأم مرضعة، ثم وجدت اسرائيل امكان اقامة فيه عبر تسهيلات طائفية، ثم وجدت سوريا اقامة طويلة فيه، والحبل على الجرار.
الى أن يصبح لبنان، عن جد، جمهورية ديمقراطية ذات نظام برلماني، لا يقوم على المحاصصة الطائفية، سنبقي أيدينا على قلوبنا كي تحدث معجزة ولادة رئيس جديد، بطريقة غير قيصرية. على أن فريق 14 آذار، يريد أن يكون ديمقراطياً على قاعدة النظام الأكثري، غير التوافقي، ولا يمانع بعزل طائفة وثلاثة أرباع أخرى، مع معرفته بأن غلبة الأكثرية في نظام توافقي هش تكسر ظهر لبنان وتمنعه من الوقوف على قدميه.
ولبنان الذي قيل، منذ مقولة جورج نقاش، ولد يمشي على عكازين غير قادر على السير بعكازة واحدة. لقد كان صائب سلام مهذباً عندما رفع شعار: لبنان بجناحيه. الحقيقة هي أن لبنان لا يطير، وليس كل ذي أجنحة يطير، فالدجاج طير يسير على منقاره.
آخ منك أيها الطير الذي لا يطير، خذ عكازتيك وامشٍ.
الانتقاد/ العدد 1234 ـ 28 أيلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018