ارشيف من : 2005-2008
مؤشرات توحي بإقامات طويلة في أماكن الإيواء وصولاً إلى فرض واقع التوطين : نازحو البارد بين وعود الإيواء والخوف من المصير الغامض
انتهت معارك مخيم نهر البارد العسكرية لتبدأ معركة من نوع آخر ارتدت عناوين متعددة اختلط فيها الإنساني بالسياسي والداخلي بالخارجي واللبناني بالفلسطيني والمحلي بالإقليمي والدولي.. وتدور كل هذه العناوين الرئيسية وما يرفدها من عناوين فرعية، حول محور يشكّل هاجساً فعلياً تغذيه مشاعر انعدام الثقة بين الأطراف المعنية، ألا وهو فرض التوطين كأمر واقع، سواء جاء هذا التوطين من خلال دمج الفلسطينيين بالنسيج اللبناني المنتشر في منطقة الشمال أم من خلال منحهم الجنسية اللبنانية كما نادى البعض من الشخصيات المحسوبة على قوى السلطة.
ولعل أهم هذه العناوين المختلطة المرامي تتلخص بالتالي:
أولاً: إعادة إعمار المخيم الذي تعرض للتدمير بنسبة تقارب مئة في المئة، وشكل ومضمون هذا الإعمار.
ثانياً: تأمين التمويل اللازم لعملية البناء، مع ما يجر هذا التمويل من شروط سياسية تفرضها الجهات المانحة.
ثالثاً: عودة الفلسطينيين اللاجئين ـ النازحين إلى مخيمهم، مع ما يمكن أن يرافق هذه العودة من تصنيف فئوي قد لا يخلو من استبعاد فئات.
وفي كل الحالات لا يبعد النقاش في مشروع إعادة إعمار المخيم عن دراسة الواقع الفلسطيني برمته ضمن خارطة انتشار المخيمات في لبنان، والتوزع السياسي ومدى نفوذ كل تيار داخل هذه المخيمات، بما يوحي بمخطط تمهيدي يمكن قراءته ما بين السطور، وفي طيّات الكلمات التي وردت في خطاب رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة خلال افتتاح مؤتمر ممثلي الدول والمؤسسات العربية والدولية المانحة في العاشر من أيلول، من أجل إطلاق حملة إعادة إعمار وإغاثة "مخيم نهر البارد" ومحيطه من القرى اللبنانية المحاذية والمتضررة. فقد أعلن السنيورة أن المبلغ المطلوب يناهز 382.5 مليون دولار، واعتبر أن "أي فشل في عملية إعادة الإعمار سيرتب على لبنان والمنطقة والعالم تداعيات كارثية". مبرراً اللجوء إلى المعسكر الدولي في هذه القضية بالقول: "المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في الأوضاع السيئة التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون".
واعتباراً من العاشر من أيلول وصولاً إلى الحفل المفترض إقامته عند تسليم النازحين الفلسطينيين مفاتيح منازلهم الجديدة ترتسم علامات استفهام كبيرة يبدو أنها لن تقترن بأجوبة شافية، وأهمها:
1 ـ ما هي المعايير المعتمدة في عملية إيواء النازحين خلال الفترة التي ستستغرقها عملية إعادة الاعمار، والتي من المتوقع أن تمتد نظرياً فترة ما بين سنة وثلاث سنوات، خصوصاً مع إقرار المعنيين بوجود "صعوبات تقنية" لإيوائهم في مكان واحد قريب من المخيم؟
2 ـ هل سيواجه النازحون مأساة لجوء مزدوجة في ظل القرار الذي اتخذته حكومة السنيورة بتأمين مساكن مؤقتة، وإخلاء عدد من المدارس الرسمية على عقارات مستأجرة لهذه الغاية؟
3 ـ هل المباني المؤقتة التي ستُبنى ستكفي الأعداد الكبيرة للنازحين من عائلات وأفراد؟ أم أن ضخامة العدد ستشكل ذريعة "منطقية" لشرذمة النسيج الاجتماعي الذي عايشه الفلسطينيون داخل المخيم؟
4 ـ ما هي الآلية المعتمدة لتلبية حاجات النازحين ومستلزماتهم المالية والاجتماعية، في ظل خسارتهم موارد عيش كانوا يستندون إليها ضمن دورة حياة اعتادوها على مدى سنوات طويلة داخل المخيم وخارجه؟
5 ـ ما هي الخلفيات التي تقف وراء حملات التحريض التي تطالب بمنع عودة النازحين إلى المخيم، بذريعة الخوف من تكرار تجربة المعارك مع جماعة "فتح الإسلام"، مع العلم بأن المعنيين أكدوا القضاء على مشروع حلم إقامة "الإمارة الإسلامية الأصولية" في لبنان انطلاقاً من الشمال؟
وتعزّز هذه التساؤلات مؤشرات أخرى توحي بإقامات طويلة للنازحين في أماكن إيوائهم، سواء من خلال اختيار المناطق التي ستتوزع عليها هذه المساكن أم من خلال نوعية هذه المساكن، وخصوصاً أن أشخاصاً يزعمون ملكية الأرض التي بُني عليها المخيّم باشروا الإجراءات القانونية لاسترجاع ملكيتهم، متسلّحين بوعود شباطية قاطعة بإقرار حقوقهم بدعوى أن بناء المخيم لم يراعِِ الأصول القانونية.
إن كل هذه الوقائع تدفع الفلسطينيين إلى توجّس الخيفة وتنمّي مشاعر الشك بالمصير الغامض الذي ينتظر مستقبلهم، فقد باتوا في نزوحهم الثالث ينظرون إلى شتات آخر مصغّر يجسّد نكبتهم ويجدّد مأساة نزوحهم، ليضيعوا في فوضى جغرافية واستلاب لهوية يحلمون باستعادتها ولو بعد حين.
محمد الحسيني
الانتقاد / العدد 1234 ـ 28 أيلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018