باريس ـ نضال حمادة
التقارب الفرنسي الأميركي الكبير والإستراتيجي حول الملف النووي الإيراني يشغل الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا هذه الأيام.
والسؤال الوحيد والكبير الذي يتردد على ألسنة الباحثين والمهتمين بالسياسة الخارجية الفرنسية هو: ما الذي يدفع الرئاسة والحكومة الفرنسيتين إلى التحالف مع إدارة جورج بوش الغارقة في مستنقعات العراق والفاقدة للشعبية في أميركا، فضلا عن كونها إدارة ذاهبة قريبا وسيذهب معها كل المحافظين الجدد في أميركا، حيث ستلاحقهم كارثة العراق وحيث يتم الإعداد لتقديم دعاوى قضائية ضد أكثر رموزهم من قبل عوائل قتلى الجيش الأميركي الذين سقطوا في ذلك البلد؟
هذا السؤال حملناه إلى دبلوماسي فرنسي مخضرم خدم في سفارة فرنسا في الولايات المتحدة فقال لنا إن فرنسا تبحث عن دور تلعبه في الشرق الوسط بعد الموقف الذي اتخذته في مجلس الأمن قبيل غزو العراق.. مشيرا إلى أن أميركا لم تسمح لفرنسا بلعب أي دور يذكر في الشرق الأوسط حتى جرى نوع من التفاهم على التعاون في لبنان إبان الاحتفال بالذكرى الخمسين لإنزال النورماندي في شباط عام 2005، وعلى العمل معا في المحافل الدولية من أجل إجبار سوريا على سحب جيشها من لبنان. ويضيف المصدر: ان الأميركيين أفهموا الساسة الفرنسيين الجدد أن كلمات المدح في أميركا والخطب الرنانة ليس لها أي قيمة تذكر في السياسة الدولية، وأن على فرنسا إثبات جديتها في الأمر عبر مواقف جدية وحاسمة تساعد الإدارة الأميركية في مصاعبها الكثيرة، بدءا من العراق مرورا بقضية الملف النووي الإيراني والكوري الشمالي وانتهاء بأوروبا التي تتمرد على السياسة الأميركية في أماكن كثيرة من العالم. وهنا يورد الدبلوماسي الفرنسي أن الولايات المتحدة رأت في تعيين السفير الفرنسي السابق في واشنطن جان دافيد ليفيت مستشارا أولا في قصر الإليزيه إيجابية كبيرة، ولم تخفِ فرحتها بتعيين برنار كوشنير وزيرا للخارجية. مضيفا: ان الموقف الفرنسي المتشدد حيال إيران يعتبر الحلقة الأولى والأهم من سلسلة تعاون فرنسي أميركي استراتيجي في ملفات عدة حول العالم.
ماذا يقول الإيرانيون في هذا الصدد؟
هنا يحدثنا مصدر دبلوماسي إيراني في باريس عن ضيق وحرج أميركيين من الاتفاق الذي وقع بين إيران ووكالة الطاقة الذرية ممثلة برئيسها محمد البرادعي. ويضيف المصدر الإيراني أن هذا الاتفاق أخرج الملف النووي الإيراني قانونيا ومنطقيا من يد الولايات المتحدة ومجلس الأمن وأعاده إلى مكانه الطبيعي، أي الوكالة الدولية للطاقة، وهذا ما عطل المساعي الأميركية الهادفة لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يشدد العقوبات على إيران.
لقد أخرج الاتفاق الإيراني مع الوكالة الدولية قطار العقوبات الأميركي عن سكته، فكان يجب إعادته إلى السكة الأميركية، وهذا ما فعله كوشنير ـ يقول المصدر الإيراني ـ مضيفا: ان طريقة كوشنير في عرض الموضوع ساهمت في ذلك، حيث صور للعالم ان هناك حربا قادمة مع إيران، وأن الخيار الوحيد لتفادي الحرب هو في تشديد العقوبات. لقد وضع العالم بين الحرب المزعومة والعقوبات، وهنا كان سهلا على هؤلاء الإدعاء بأنهم اختاروا أهون الأمرين وأعادوا الموضوع النووي إلى المحافل الدولية. ومن هنا ـ يضيف المصدر الإيراني ـ نفذت خطة التهجم اللفظي والمعنوي على محمد البرادعي، حيث كان مندوب المجموعة الأوروبية أول من انتقد أمين عام وكالة الطاقة الذرية في اجتماع مجلس الأمناء الأخير. وقد سبق في ذلك المندوب الأميركي، ما اضطر البرادعي الى الخروج من الجلسة احتجاجا على إساءة معاملته، يختم المصدر الإيراني كلامه.
الانتقاد/ العدد 1234 ـ 28 أيلول/سبتمبر 20070