ارشيف من : 2005-2008
قراءة اتفاق اولمرت ـ عباس .. والوليد المنتظر
على الطرفين الفلسطيني و"الاسرائيلي" تكثيف اللقاءات للوصول الى اتفاق يقدم الى المؤتر لتوفير مقومات نجاحه.
هذه الدعوة حركت اللقاءات (المفاوضات) اولمرت – عباس، والتي تكررت في الفترة الاخيرة مصحوبة بتركيز اعلامي على الموقف "الاسرائيلي" المتمثل بتحديد سقف النتائج مسبقا من خلال ابراز (الممنوعات) الخطوط الحمراء "الاسرائيلية"، اضافة الى المواقف الخجولة التي تصدر عن الطرف الفلسطيني، والتي تتضمن الكثير من التواضع في مسائل جوهرية تتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومستقبل قضيته. وبرغم كل هذا التواضع (التنازل) ونظرا لاهمية الحفل الذي سيعقد في واشنطن الخريف المقبل، نشطت حركة دبلوماسية واسعة لانهاء بعض العقبات (من الطرف الفلسطيني). وقد وصل الى الاراضي الفلسطينية المحتلة عدد من الزعماء الاوروبيين، بينهم المستشار النمساوي الفرد غوسنباور، ووزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما، والمنسق الاعلى للامن والسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروربي خافيير سولانا، المنسق الخاص للجنة الرباعية طوني بلير، ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ولش الذي بحث مع عباس عوامل نجاح المؤتمر الدولي، حسب قول صائب عريقات.
في ظل هذه التطورات وحركة اللقاءات والاتصالات، وما رافقها من ضغوطات مكثفة، نشرت وكالة الانباء الفلسطينية "معا" على موقعها الالكتروني يوم الثلاثاء 11/9 وثيقة بالعبرية مع ترجمتها العربية، تتضمن ثماني نقاط، قالت وكالة "معا" ان هذه الوثيقة ستكون بمثابة اتفاق مبدئي قبل الاجتماع الدولي، وقد اكدت هذا الخبر الاذاعة العامة "الاسرائيلية" نقلا عن مصدر فلسطيني لم تكشف هويته ان اولمرت وعباس وضعا وثيقة "لكنها لم توقع بعد". وتنص الوثيقة كما نشرتها الوكالة نقلا عن النسخة العبرية:
على قيادتي اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الدخول بصورة فورية في عملية تؤدي عند الانتهاء منها الى اقامة دولتين هما: اسرائيل وفلسطين، وفق وثيقة مبادئ اساسية وتفاهمات كما هو مفصل على النحو الاتي:
1- تنهي "اسرائيل" احتلال الضفة الغربية في مدة زمنية متفق عليها، ويكون الانسحاب واخلاء المستوطنات بالتدريج وعلى مراحل، بحيث يتم تسليم كل منطقة يجري الانسحاب منها الى السلطة الفلسطينية، بحيث يسود فيها القانون والنظام، واقامة نظام في غزة يكون جزءا من عملية السلام، ما سيسمح لاسرائيل بالنظر الى قطاع غزة والضفة الغربية كوحدة سياسية واحدة.
2- تقام دولة فلسطينية غير مسلحة، وتكون حدودها كما تحددها خرائط سنة 1967 ويجري الاتفاق على حدودها بدقة بناء على الاحتياجات الامنية والتطورات الديموغرافية والمستلزمات الانسانية، ما سيفتح الباب امام تبادل ارضي بنسبة 11%، مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية بيد "اسرائيل" والحفاظ على تواصل جغرافي في فلسطين وافاق الازدهار الاقتصادي.
3- في القدس تكون عاصمتان، واحدة لدولة "اسرائيل" وواحدة لدولة فلسطين، على ان تكون الاحياء اليهودية تحت سيادة اسرائيلية، والاحياء الغربية تحت السيادة الفلسطينية، ويكون بين السلطتين السيادتين تعاون يسمح بادارة الحياة لكل السكان.
4- ترتيبات خاصة تعد للحفاظ على حرية الوصول لكل الاماكن المقدسة للاديان المختلفة، وتقام سلطة ادارية خاصة لادارة وصول الشعبين للاماكن المقدسة داخل البلدة القديمة في القدس.
5- تعلن فلسطين وطنا قوميا للشعب الفلسطيني، و"اسرائيل" كوطن قومي للشعب اليهودي.
6- يجري ايجاد حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين مع الاعتراف بالمعاناة التي عاشوها، ويتفهم الحق الفردي لهم في اطار الحل الشامل لمشكلتهم.
7- يعلن الطرفان اهمية انهاء النزاع والعمل من اجل تاييد الجمهور في كل طرف لهذا الاتفاق باكبر قدر ممكن، كما يعمل الطرفان بكل قوتهما، وكل على حدة ومع بعضهما البعض، ضد اي مظهر من مظاهر العنف والارهاب الصادر من دولة اي منهما ضد الاخر.
8- ينظر الطرفان الى هذا الاتفاق باعتباره متوازيا مع مبادئ مبادرة السلام التي طرحتها الجامعة العربية، ويدعوان الدول والجهات المتمثلة في (اللجنة) الرباعية الدولية والمجتمع الدولي للتدخل وتقديم المساعدة بطرق مختلفة لدفع الاتفاق المستند الى هذه المبادئ وتطبيقه.
يجب التوصل الى الملف الذي يرتكز على المبادئ المذكورة سابقا قبل انعقاد المؤتمر الدولي في تشرين الثاني ليعرض خلاله وليوثق بقرارت دولية لعقد المؤتمر.
بعد انعقاد المؤتمر فورا، وفي مقابل المفاوضات للتوصل لاتفاق مفصل، تبدا "اسرائيل" بسحب قواتها واخلاء المستوطنات في مناطق الضفة الغربية، على ان تتم استكمال مراحل الاخلاء لاستكمال عملية المفاوضات.
ان نقاط الوثيقة (الاتفاق) والتي تبدو ظاهريا اكثر كرما مع الفلسطينيين، من خلال البنية اللغوية المزينة في صياغة تلك النقاط، نجد ان العقبات والالغام مزروعة في صلب الوثيقة، والتي تستدعى تأويلات متضاربة تفيد استراتيجية الكيان الصهيوني التقليدية: "التفاوض اللانهائي"، وذلك لكسب الوقت اللازم لفرض حقائق جديدة على الارض، لا تبقي ما يمكن التفاوض عليه وما صفقة اوسلو وخارطة الطريق ببعيد.
ان قراءة متأنية لنقاط الاتفاق، تظهر مدى التعاون الذي ابداه (التنازل) الطرف الفلسطيني، في زرع الالغام داخل كل نقطة من تلك النقاط. ومن بداية النقطة الاولى، وضع الطرف الفلسطيني مسألة المدة الزمنية لانهاء احتلال الضفة الغربية بين يدي المحتل ورغبته، لان لا قيمة عملية لرغبة الطرف الفلسطيني الضعيف والمحتلة ارضه.
واما اخلاء المستوطنات (في النقطة الاولى) "بالتدريج وعلى عدة مراحل"، وهنا سلم الطرف الفلسطيني توقيت الاخلاء للطرف المحتل، واكثر من ذلك تكرار الخلل الفاحش الذي ارتكب في صفقة اوسلو، والذي تجسد بأسلوب التجزيء والارجاء، وكل هذا الكرم من انهاء الاحتلال الى اخلاء المستوطنات (هذا اذا تم) يتم تقديمه الى سلطة فلسطينية يسود فيها النظام والقانون، ولتأمين هذا الشرط على السلطة ان تحرك اجهزتها الامنية لتفكيك البنى التحتية للمقاومة، والدخول في حرب اهلية جديدة في الضفة الغربية بين السلطة من جهة وقوى المقاومة من جهة اخرى. واما الشرط الثاني الذي يحول الانهاء والاخلاء من قبل المحتل الى وهم: "اقامة نظام في غزة يكون جزءا من عملية السلام"، وعندها فقط ستنظر "اسرائيل" الى الضفة الغربية وغزة كوحدة سياسية واحدة. كيف يمكن الحديث عن طبيعة نظام غزة وهي تعيش في حالة قطيعة جغرافية وسياسية مع الضفة الغربية، انتجتها الحرب الاهلية في غزة، وسعت اليها الاصابع الاميركية و"الاسرائيلية" منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006، وفي هذا الصدد يقول الرئيس الاميركي الاسبق جيمس كارتر في خطابه امام منتدى حقوق الانسان في العاصمة الايرلندية دبلن: "ان واشنطن وتل ابيب فعلتا كل ما بوسعهما لمنع تسوية الخلافات بين "فتح" و"حماس". وفي نفس السياق قالت وزيرة الخارجية "الاسرائيلية" لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في لوكسمبورغ يوم الاثنين 18 حزيران: "علينا ان نستفيد من الانقسام بين غزة والضفة الغربية الى اقصى حد". كيف يمكن لمن صنع الانفصال وعمل على تعميقه والمحافظة عليه، ان يعمل على الغائه، وخاصة ان اولمرت قد وضع شرطا على محمود عباس منذ اللقاء الاول، الامتناع عن لقاء "حماس"، وتعهد بالمقابل عباس على ذلك.
واما النقطة الثانية التي تتحدث عن "دولة فلسطينية غير مسلحة"، "ويجري الاتفاق على حدودها بدقة بناء على الاحتياجات الامنية والتطورات الديمغرافية" "مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية بيد "اسرائيل"، ماذا بقي من الدولة المزعومة؟ ان الطرف الفلسطيني سلّم بالاحتياجات الامنية للمحتل في ارضه، وهذا تشريع واضح للاحتلال، ويعني ضمنا الموافقة على اقامة كيان فلسطيني داخل دولة "اسرائيل"، وهذا ينتفي مع الشرط الاساسي والحيوي لوجود الدولة.
برغم انه بات معلوما ان الامن يشكل مصلحة "اسرائيل" الاولى، وأحد افتك اسلحتها السياسية، وقد وصفه نتنياهو بأنه احد اعمدة "السلام"، واما الكتل الاستيطانية، فتكفي نظرة متفحصة لخارطة المستوطنات لتتبين صعوبة قيام دولة، بل انتشار المستوطنات مثل الفطر يسمح بوجود تكتلات مقطعة الاوصال، لان الضفة الغربية اليوم ممزقة الى ثلاثة بانتوستانات، وكل بانتوستان مشظى ومفتت الى 60 – 70 مقاطعة محاصرة ومعزولة بعضها عن بعض بالحواجز وبالمستوطنات، وبالمرافق الكثيرة بهذه المستوطنات. ثم ان جدار الفصل العنصري الذي يتثعبن في اراضي الضفة الغربية ويمزق ما هو ممزق اصلا، ويفصل بين الفلسطينيين واراضيهم الزراعية، يفصلهم عن مدارسهم، وعن مستشفياتهم وعن اقاربهم، وعن جيرانهم، وعن اعمالهم، بل انه يعبد الطريق للمزيد من التطهير العرقي، ويرسخ التمزيق الجغرافي والبشري الذي سيتفاقم خلال عملية "التفاوض اللانهائي".
اما النقاط الثالثة والرابعة والسادسة التي تتحدث عن القدس، "في القدس تكون عاصمتان، واحدة لدولة "اسرائيل" وواحدة لدولة فلسطين"، يقول ايهود باراك (الرجل القوي في الحكومة الصهيونية) نقلا عن صحيفة "بديعوت احرونوت" الصهيونية الصادرة يوم 11/7/2000: "لا عودة الى حدود 1967، قدس موحدة لنا، لا نقبل بجيش اجنبي في الغرب من نهر الاردن، معظم المستوطنين سيكونون تحت السيادة "الاسرائيلية"، في اتفاق الوضع النهائي، ولن تعترف "اسرائيل" بأية مسؤولية اخلاقية، او قانونية عن مشكلة اللاجئين"، اضف الى هذا الموقف الواضح من مسألة القدس واللاجئين، مواقف العديد من قادة الكيان الصهيوني، وان راعي عملية "السلام" وصاحب الدعوة الى المؤتمر الدولي يعتبر ان القدس موحدة عاصمة لدولة "اسرائيل"... وهذا ما اقره الكونغرس الاميركي. واما مسألة اللاجئين فهي تشكل خطا احمر لدى قادة الكيان الصهيوني لانها تلامس شرعية وجود الكيان، وعودة الى المواقف الاخيرة لشيمون بيريز او وزيرة الخارجية "الاسرائيلية" او مواقف قادة الكيان منذ اغتصاب فلسطين، تؤكد رفضهم الاعتراف بمسؤوليتهم تجاه هذه المسألة، وعدم اعترافهم بشرعية حق الفلسطينيين في فلسطين.
ان هذا الاتفاق يحمل في طياته مخاطر على القضية الفلسطينية ومستقبلها اكبر من المخاطر التي حملها "اتفاق اوسلو"، ومكمن الخطورة فيه انه اضفى الشرعية على الاحتلال باسم اصحاب الارض، وابطل شرعية كل القرارات الدولية التي صدرت بشأن القضية الفلسطينية، وقايض المستوطنات مع حق العودة للاجئين، اي يتخلى الشعب الفلسطيني عن ارضه مقابل انسحاب اليهود من اراض تم احتلالها.
ان تصفية القضية الفلسطينية في المؤتمر الدولي المزمع عقده في واشنطن، بموافقة وحضور الطرف الفلسطيني الذي يمثل اصحاب القضية، وبعض العرب (المعتدلين)، مقابل كيان مبعثر في قطع متباعدة، تفرض السلطة سيطرتها فيه على السكان فقط والارض للمحتل، بما يسمح بتفريغ العمق النفسي للقضية بعد وضعها على طريق الحل الوهمي، واذا ما اذن لهذا الحل بالمضي قدما الى الامام، فمن شأنه تفكيك اشتباك القضية الفلسطينية بتعقيدات المنطقة وتغذيتها بعوامل المواجهة مع اميركا وحليفتها "اسرائيل" (من وجهة نظر الادارة الاميركية والكيان الصهيوني)، وهذا يتوافق مع ما يكرره بعض العرب (المعتدلين): ان حل القضية الفلسطينية يضعف ايران وحلفاءها.
ان الطرف الفلسطيني في هذا المسار يخطئ اذا اعتبر ان التفاهم مع العدو الصهيوني اسهل من التفاهم مع الخصم السياسي داخل الوطن، لان في ذلك يتحول العدو المحتل الى شريك للمستقبل. ان معادلة العدو الصهيوني ليست قوامها "الضفة مقابل القطاع"، انها معادلة فيها الخداع كله، لان العدو لن يرضى بأقل من تدمير الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتصفية القضية الفلسطينية...
محمد دبورة
الانتقاد / العدد 1233 ـ 21 أيلول/سبتمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018