ارشيف من : 2005-2008

لا حقيقة لأي انجازات جدية وجوهرية في الحرب على لبنان

لا حقيقة لأي انجازات جدية وجوهرية في الحرب على لبنان

انبرى عدد من أصدقاء اولمرت للدفاع عنه، في محاولة  لتقديم إنجازات حققتها إسرائيل في حرب لبنان الثانية. إلا أن الوقائع معاكسة تماما، وظاهرة للجميع، فالحرب انتهت بخسارة على كافة الصعد، على الصعيد العسكري، السياسي الخارجي والداخلي، ومن الواضح أيضا للجميع من هو المتهم.

فقد خرج في الفترة الأخيرة عدد من مؤيدي رئيس الحكومة اولمرت في معركة ضد استنتاجات لجنة فينوغراد. فعلى سبيل المثال في صحيفة "معاريف" خرج طومي لبيد، للدفاع بشكل أسبوعي عن قرارات رئيس الحكومة وإنجازاته. حتى الكاتب أمنون دنكنر، المحرر الرئيسي، اعتقد في مقاله "هستيريا" (11 أيار) أن النقاش في نتائج الحرب اظهر "الهستيريا"، "الصراخ والتراشق"، "الصياح"، "هدير المعركة". وبحسب رأيه هذا الأسلوب "يهدد بجرفنا جميعا في موجة ضخمة من السخط. وهي لا تنفع الجميع". وقال انه يتحدث "بصوت واحد" و"بالمنطق"، ويأمل أن تحصل "الصحوة" بأنه بالفعل هناك "إنجازات للحرب".


تآكل الردع

على المستوى الدولي يظهر اخفاقان أساسيان. أولا، إسرائيل خيَّبت أمل الولايات المتحدة التي دعمتها ودعمت الحرب. اولمرت يعتبر في الإدارة الأميركية "بطة عرجاء" (وهو من تقترب فترة ولايته إلى نهايتها، على شاكلة بوش نفسه)، واشنطن تمتنع عن الزيارات وتبدي عدم اكتراث بما يحدث عندنا. فالأميركيون أملوا مع بداية الحرب تحقيق إنجاز سريع يحسن من الردع مقابل سوريا (وربما حتى في حرب خاطفة ضدها)، التي ترعاها إيران والمتورطة بشكل متواصل في العراق، لكنهم حصلوا فقط على جمود طويل وإشكالي مقابل الذراع الإيرانية، حزب الله. ومن حقق الردع هما إيران وحزب الله بالضبط، وذلك بفضل قدرة المنظمة الصغيرة على شل شمال دولة إسرائيل طوال فترة الحرب واستخدام قسم كبير من الجيش الإسرائيلي من دون أن يتم القضاء عليه. بالإضافة إلى ذلك (فقد تعزز موقع) حسن نصر الله السياسي في لبنان، كما أثبتت التظاهرات الضخمة الوطنية التي نظمها ضد الحكومة هناك، وكذلك موقعه في العالم العربي، بعد أن أعلن عنه في جميع وسائل الإعلام العربية على انه بطل قومي نجح في المكان الذي فشلت فيه الجيوش العربية.


الوجود المقيد لليونيفيل

ثانيا، وهو أمر اكثر خطورة، فقد اضطرت إسرائيل إلى الموافقة على قرار الأمم المتحدة 1701، بفرض قوة عسكرية متعددة الجنسيات عليها في لبنان. على الدوام عارضت جميع حكومات إسرائيل وجود قوات دولية مسلحة تضع قيودا على حدودها، والمؤيدين الوحيدين لفكرة كهذه، والتي تعني تنازلا له مدلول عن حق وقدرة إسرائيل للدفاع عن نفسها، كانوا على الخريطة السياسية الإسرائيلية في حزب  ميرتس واليسار. بالإضافة إلى ذلك، إسرائيل لم تعلن عن ان نشر قوة دولية (وانما اشترطت نشر قوة لبنانية) كهدف للحرب، والأمر ببساطة انقلب عليها. باستثناء القوة المتعددة الجنسيات، فإن القرار 1701 لم يقدم أي شيء جوهري جديد بالنسبة لقرارات الأمم المتحدة الكثيرة السابقة في موضوع لبنان (من بينها 425، 426، 520، 1559، 1655، 1680، ويمكن أيضا الإشارة إلى اتفاق الطائف وتفاهم "عناقيد الغضب")، ولذلك فإنها (أي القوة) أساس التغيير في الوضع الدولي.

وقد اتضح من البداية أن القوة المتعددة الجنسيات لا تمنع حزب الله من التسلح.... ودورها الحقيقي منع إسرائيل من الهجوم. في الجولة التالية سيطلق عناصر حزب الله النار بالقرب من القوة المتعددة الجنسيات وإسرائيل ستضطر إلى الامتناع عن الرد أو تعريض حياة الجنود الألمان، الفرنسيين، الإندونيسيين وآخرين للخطر. الذين من واجبهم الدفاع عن لبنان وعن أنفسهم. وسبق أن أطلقت النار تقريبا على طائرات الجيش الإسرائيلي من قبل الفرنسيين والألمان في اكثر من حادثة (هذا ما ورد في النص العبري). إذا كان الأمر كذلك، بخلاف الإجماع الإعلامي المتحيز، القرار 1701 هو من ناحية المصلحة الإسرائيلية فضيحة سياسية داخلية وخارجية. للمرة الأولى توافق الحكومة على نزع حق وإمكانية الرد الإسرائيلي. ولقد بدأنا بدفع ثمن إخراج الإصبع من سد التدخل العسكري الدولي. على سبيل المثال، عندما يعود العالم إلى الاهتمام بالفلسطينيين، ستطلب الأمم المتحدة تطبيق هذا النموذج أيضا يهودا والسامرة، والجيش الإسرائيلي يخسر قدرة السيطرة والرد من قبله.

خسرنا المعركة

من الناحية العسكرية، حققت إسرائيل، في حرب طويلة في ظل تفوقها الكبير من ناحية القوات والتكنولوجيا، في مقابل منظمة مخربين هزيلة بحجم لواء، القليل في الميدان، وأوقعت القليل من الخسائر لدى العدو، ولم تصل إلى أهداف وفشلت بالدفاع عن مواطني الدولة اكثر من أي عملية سابقة جرت في تاريخ اسرائيل. هذا الفشل برز لأعدائنا ومن الواضح انه قلب ساعة الرمل استعدادا للحرب القادمة. النقاش مع محامي الدفاع عن أولمرت في هذه المسألة لا فائدة منه، لان أولمرت نفسه اعترف بشكل قاطع في شهادته وباتهامه لحالوتس والجيش الإسرائيلي بعدم التزامه بالأهداف التي تم تحديدها، وانه تم تضليله بخصوص قدرات الجيش الإسرائيلي. موقع الجيش الإسرائيلي في الموضوع واضح من أفعاله، فهو يحاول تحسين الإهمال لسنوات استعدادا إلى الحرب التي تحولت، بحسب تقديره، إلى أمر حقيقي. إذا كان الأمر كذلك، يوجد فقط إنجاز واحد للحرب، وهو الانسحاب التكتيكي لحزب الله من الحدود إلى مسافة بضع مئات من الأمتار إلى الداخل، الأمر الذي منح بالفعل شعورا جيدا للمواطنين المحاذين للحدود، لكن ليس له مدلول استراتيجي. من الناحية الاستراتيجية يواصل حزب الله البناء، التحصن، التسلح (سبق أن حددت الاستخبارات أن قدراته زادت عن التي كانت له قبل الحرب) وتأهيل عناصره.


جبهة داخلية مكشوفة ومتروكة

لا يوجد أدنى شك في أن اخطر فشل للحكومة كان على الساحة الداخلية الإسرائيلية: الاهتمام بالجبهة الداخلية. لولا تدخل أشخاص جيدين، وجمعيات ومتطوعين، في ما يجري في الشمال لكان عشرات الآلاف من المواطنين في ضائقة على مستوى الحماية، والمياه، والتموين والصحة. الحكومة لم تقم بشيء في أي مرحلة، وتركتهم لمصيرهم في مقابل صليات الصواريخ بحجم لا سابق له. في حرب الخليج سقط في إسرائيل بضع عشرات من صواريخ السكود وألحقت أضرارا قليلة، لكن الحكومة وجدت انه من الأفضل تشغيل أجهزة الطوارئ. لكن عندما سقط هنا مئتا صاروخ كل يوم، وهو اكبر هجوم صاروخي منذ إنشاء دولة إسرائيل، وقتل العشرات من المدنيين، فإن حكومة إسرائيل قررت وبشكل واضح أن الأمر لا يشكل حالة طوارئ، نامت، تثاءبت، وتحدثت عن دفع ثمن "اقل مما تتوقعه السيناريوهات"، وأثبتت أنها غير مناسبة للوظيفة الملقاة على عاتقها. وبهذا الإخفاق فقط كان ينبغي على أي حكومة أن تذهب وتستقيل، لان قرار تشغيل أجهزة الطوارئ، المستعدين والجاهزين للأمر، كان سهلا وبسيطا، وخلال الحرب ينبغي أن يكون الأمر واضحا جدا لأي شخص ذي تفكير موزون.
ففي نظرة واقعية ورصينة من الصعب إيجاد "الإنجاز الضخم" للحرب. تماما مثل تحليلات دنكنر وأمثاله التي تعاني من تجاهل للحقائق، والتي تخاطب القلب بدل المعطيات الملموسة، والإحساس الذي يحل بدل التفكير والاتزان. لا يوجد للحرب إنجاز واقعي ما، وفي اغلب الأطر يبرز فشل له انعكاسات خطيرة، سيواصل ملاحقتنا في السنوات القادمة. تجاهل ذلك معناه دفن الرأس في الوحل كالنعامة. ومع كل ذلك فقد صدق دنكنر في موضوع واحد، بقوله لا يوجد مشكلة جوهرية مع عملية اتخاذ القرارات، إلا انه من غير الممكن النفي بشكل جدي المشكلة الجوهرية الكامنة في متخذي القرارات أنفسهم.
(*) موقع أومديا الإسرائيلي على الإنترنت/ رون برتس

2007-06-22