ارشيف من : 2005-2008
عين على العدو : سوريا تغير توجهها الاستراتيجي ـ رؤية إسرائيلية (*)ـ
1999، بعض أسبابها أنه خلال سنوات الانتفاضة لم يكن بالإمكان تجميع قوات من أجل مناورة كبيرة، في الوقت الذي ينغمس فيه الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عمليات في مناطق مختلفة.
أربعة كتائب من لواء المظليين: أفعى، ثعبان، حية وكتيبة الدوريات، شاركت في المناورة مع قوات المدرعات، القوات الجوية والهندسة. هذه المناورة تحاكي حرباً شاملة، بما في ذلك إنزالات من الجوّ.
إلى جانب الإعداد المطلوب للجنود النظاميين و الاحتياط لسيناريو حرب مستقبلية مشتق من عبر الحرب الماضية في لبنان، يوجد للمناورة أيضا ارتباط سياسي واسع جدا. المكان الذي نُفذت فيه المناورة، وهو ميادين رماية واسعة في هضبة الجولان، هو هدف مفضل لمراقبة سلاح الاستخبارات السورية. من هنا مناورة القوات بهذا الحجم الواسع هي لإظهار مدى قوة الجيش الإسرائيلي و"إسرائيل"، في ما يشبه رسالة ردع مطلوبة لدمشق.
تغيرات بالمنظومة السورية.. تدريب في إيران
في خلفية تنفيذ المناورة أيضا التقديرات بخصوص التغيرات الحاصلة على الجانب السوري للحدود، وبشكل خاص منذ نهاية حرب لبنان الثانية، وأيضا لدى الإيرانيين في ما يتعلق بالدفاع من هجوم جوي لتدمير منشآتهم النووية.
فبدءاً من شهر آب الأخير يمكن مشاهدة كثافة وجود سلاح المدرعات السوري على الحدود مع "إسرائيل".
بحسب تقارير من شبكة "فوكس نيوز" بدأ السوريون بدفع كتيبتين مدرعتين نوعيتين في شهر آب إلى الأمام، أو بكلمات أخرى حوالى ستين دبابة "تي 80".. من الصعب التقدير ما هي انعكاسات تموضع هذه القوات بالقرب من الحدود، عمليا هذه عقبة مشابهة للتي واجهتها "إسرائيل" في التقدير عشية اندلاع حرب يوم الغفران. من الصعب التوقع إذا ما كانت ستحصل معركة إزاء سوريا في أعقاب أو أثناء تحريك القوات.. لكن بالتأكيد من المعقول الافتراض أن أحد أسباب حدوث مناورة الجيش الإسرائيلي هو خلفية هذا التغير.
على بعد آلاف الكيلومترات من هناك جرت في شهر شباط أيضا مناورة استعراضية للحرس الثوري الإيراني.. هذه المناورة وجهت بشكل خاص إلى واشنطن رسالة فحواها "نفخ عضلات" مقابل الأميركيين الذين يمتلكون قواعد عسكرية في الخليج الفارسي. وباتجاه الداخل يوجد فيها أيضا محاولة لتكوين انطباع وتهدئة مواطني إيران. يجب أن لا نستبعد من جميع الاحتمالات فرضية أن تكون المناورة التي نفذها الجيش الإسرائيلي موجهة أيضا إلى الإيرانيين.
دمشق تتسلح
لكن يوجد معطى هام جدا على المحور السوري الإيراني، على ما يبدو التسلح الجديد للجيش السوري. بحسب ما نُشر في صحيفة "هآرتس" (عدد 22 شباط)، الجيش السوري يخضع منذ عدة اشهر إلى عملية إعادة تأهيل بتمويل إيراني.
هذا التسلح لم يأتِ لتجديد منظومة المدرعات القديمة أو سلاح الجو المضعضع.. نخبة الجيش السوري بما تُسلّح، تشير كثيرا إلى نظرية ميدان المعركة المستقبلي، وربما أيضا إلى طابع الحرب القادمة بين "إسرائيل" والسوريين (اذا اندلعت).
وفقا لما نشرته "هآرتس"، راقبت البحرية السورية الضرر الكبير الذي تكبدته السفينة الحربية الإسرائيلية في حرب لبنان نتيجة إطلاق الصاروخ الصيني ""C - 802 باتجاهها من قبل حزب الله. في أعقاب ذلك تتسلح البحرية السورية بالمنظومة ذاتها وهي معدلة من إنتاج إيران. وكما يبدو التوجه هو تعزيز الشاطئ السوري ببطاريات من هذه الصواريخ، وبذلك للدفاع أمام أي هجوم محتمل لـ"إسرائيل" من جهة البحر.
إضافة إلى ذلك يجدد الجيش السوري ترسانته المضادة للدروع.. هنا أيضا من الممكن ملاحظة مماثلة تجربة حزب الله الناجحة في حرب لبنان.. صواريخ "الكورنيت" و "الميلان" الروسية، سببت للجيش الإسرائيلي أضرارا كبيرة، سواء للمدرعات أو لسلاح المشاة. لذلك يتسلح السوريون بمئات الصواريخ من إنتاج مشابه.
الإطار الثالث الذي يتسلح فيه السوريون هو الصواريخ الباليستية. هذا الإطار يطوره السوريون ذاتيا منذ عدة سنوات في موازاة إيران، وليس بالضرورة بمساعدتها.
من المعروف انه يوجد للسوريين ترسانة صواريخ كبيرة جدا، جُددت وحُسنت إزاء حرب لبنان. الصاروخ الأساسي المعروف للاستخبارات الإسرائيلية هو "أوراغن" (الإعصار باللغة الروسية)، وباسمه التقني "بي أم 220"، وهذا هو الصاروخ نفسه الذي عرفته "إسرائيل" من حرب لبنان، الذي يحمل رأسه المتفجر مئات الكرات الحديدية الصغيرة والقاتلة. إضافة إلى ذلك كشفت حرب لبنان وجود صاروخ إضافي لم يكن معروف للاستخبارات الإسرائيلية، ويتعلق الأمر بصاروخ بقطر 305 ميلمتر، وأطلق مرة واحدة فقط خلال الحرب باتجاه العفولة. يضاف إلى ذلك أن السوريين في الطليعة بكل ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية.
ترك القتال التقليدي
من يدرس الأطر التي تتسلح فيها سوريا يستطيع ملاحظة إهمال أغلب الأطر المتعلقة بالقتال التقليدي.. يوجد بحوزة الجيش السوري آلاف الدبابات، مركبات قتالية، مروحيات وطائرات.. لكن كل هذا سُلم قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الحين خفت قوتهم. لو أنها اختارت ذلك لكانت تستطيع سوريا توجيه الأموال الإيرانية لتحسين الجيش التقليدي، لكنها اختارت عدم القيام بذلك.
ما تشتريه سوريا الآن يمكن أن ننسبه كله إلى حرب "غير تقليدية". بشكل أدق التمييز ليس بين أسلحة عادية وأسلحة ذرية بيولوجية كيميائية.. بل يتعلق الأمر بتمييز جديد، ينسب إلى بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون (كل واحد منهم بدأ باستخدام هذا التمييز على حدة، في الفترة نفسها تقريبا). فإلى جانب القتال التقليدي هناك قتال أقل من تقليدي، وأكثر من تقليدي.
القتال الأكثر من تقليدي هو ما يتضمن القتال بالأسلحة الذرية والبيولوجية والكيميائية، بإضافة الإطار الباليستي. القتال الأقل من تقليدي هو عمليا حرب عصابات نوعية. الخيار السوري لزيادة ترسانتها بالتسلح الذي ينسب بالذات إلى هذه الأطر، يشير إلى الاعتراف بالدونية السورية مقابل القدرات التقليدية للجيش الإسرائيلي.
الإطلاق من الجبهة الداخلية للعدو
إحدى عبر العالم العربي من حرب يوم الغفران ترجمت بالمساعي إلى تطوير الصواريخ الباليستية. لهذا النوع من الوسائل القتالية تفوق جوهري إزاء القتال التقليدي.
أولا الإطلاق من بعيد يقلل بشكل هام الاحتكاك بين الجيوش.. تفوق الجيش هو من دون قيمة عندما لا يكون له عدو واضح ومعروف لمقاتلته، وعندما تطلق الصواريخ من نقاط مختلفة، لأنه من الصعب جدا ضربها. التعبير عن هذه الصعوبات كان في المساعي الضخمة التي بذلها الأميركيون في اصطياد منصات "السكود" في حرب الخليج الأولى، لكن دون نجاحات كثيرة. نجاح أكثر حققه سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب الأخيرة في محاولاته تحديد منصات إطلاق الصواريخ، لكنه هو أيضا لم يمنع الإطلاق اليومي للصواريخ نحو أراضي "إسرائيل".
الهدف الثالث هو استراتيجي سياسي ويتعلق أيضا بالإطار النفسي للعبة الحرب، عندما تطلق دولة صاروخا من أراضيها، فإنها تستدعي القيام برد شديد بالقدر نفسه على الأقل.. هذا الوضع يخلق عدم وضوح بخصوص مسألة مَن مِن الصقور بدأ الحرب. فعلى سبيل المثال هناك من يقول ان "إسرائيل" هي من بدأت حرب لبنان الثانية، لأنها هي من غزت لبنان.. مقابل ذلك حزب الله لم يغزُ "إسرائيل" كقوة عسكرية، ولذلك لا يتحمل مسؤولية البدء بالحرب. عدم الوضوح لهجوم باليستي يزيد من فرص أن تتحول تفسيرات كهذه إلى أمر مقبول. وضع كهذا من المحتمل أن يزيد الإنجازات السياسية للدولة المهاجمة.
جيش عصابات
التسلح المكثف بالصواريخ المضادة للدبابات ليس إلا استخلاصا ناجعا من حرب لبنان، وحتى من الإرهاب الفلسطيني. إزاء ذلك نقطة ضعف الجيش الإسرائيلي كجيش نظامي لدولة، وعمليا لكل جيوش الغرب المتطورة، هي القتال غير المتكافئ. يبدو أن سوريا تنوي إزالة أولويات الاستثمار بوحدات الجيش التقليدية عن الجدول، وتأهيل وحدات لحرب العصابات لتكمن لقوات الجيش الإسرائيلي مع أسلحة ضد الدروع (التي تنفع جدا ضد قوات المشاة).
بهذا الخصوص يجب أن نميز أنها المرة الأولى التي تُظهر فيها دولة سيادية علامات على اتخاذ هذه الاستراتيجية. حتى الآن استخدمت جيوش الدول السيادية حرب العصابات فقط في مهمات خاصة. ومقابل جيوش عادية قاتلت وحدات عادية من الجيش. حتى الآن المواجهة بواسطة حرب العصابات ضد جيش نظامي كان من خصائص قتال المنظمات الإرهابية التي تبتعد عن السيطرة التي للجيش. إذا نفذت سوريا بالفعل ما عُبر عنه بالزيادة الجديدة لترسانتها، ستكون هذه المرة الأولى التي تختار فيها دولة سيادية تأهيل جيشها باستراتيجية تشغيل قوات في حرب عصابات ضد جيش نظامي.
هذا تهديد يجب على "إسرائيل" التأهب إزاءه.. في الجيش السوري 400 ألف مقاتل.. إذا كانت الحكومة السورية بالفعل تنوي تسليح جزء هام منهم بصواريخ مضادة للدروع، فهذا لا يشكل فقط مجرد تهديد فعلي على "إسرائيل".. إذا ترافقت العملية بتبني استراتيجية ميليشيات المنظمات الإرهابية (أي بالاندماج بالسكان المدنيين)، فإن الأمر يتعلق بتغيير عميق بالنظرية القتالية العالمية وفي منطقتنا بشكل خاص.
لنأمل انه في الغرف السرية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وشعب تخطيط تشغيل قوات الجيش الإسرائيلي توجد مثابرة من اجل إيجاد رد على التغيرات التي تنتشر أمام أعيننا على الجبهة السورية. من الأجدر ان يكونوا في المؤسسة السياسية أيضا يقظين لها، وأن يعملوا على كبح التطورات السلبية في أعقابها.
(*) موقع O - MADIA الإسرائيلي على الإنترنت ـ زيف ماؤور (23/2/2007)
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018