ارشيف من : 2005-2008
الثمن السياسي والأمني لهضبة الجولان(*)
من الجولان باتفاق مع سوريا. وكما هو معروف فإنه لم يبدل رأيه بعد.. وعارض ترك الحزام الأمني من دون اتفاق.. فقد أيّد عقد اتفاق مع سوريا يكون أقل ثمن محدد له هو الجولان. مع الإشارة إلى ان المفاوضات السورية الإسرائيلية توقفت عند السجال حول الحزام الواقع بين هضبة الجولان وبحيرة طبريا.
خلال حفل تعيينه في منصبه الجديد (رئيس الأركان)، أشار أشكنازي إلى أن والدته "فريدا" هاجرت إلى البلاد من سوريا.. المنطق السياسي الأمني والخلفية العائلية دُمجا معا، وإذا كان لأشكنازي دور أساسي في تحقيق السلام مع سوريا، فإن أمه تستطيع العودة لزيارة منطقة ولادتها.
كقائد للمنطقة الشمالية كان أشكنازي تابعا لمدرسة سلفه في لواء غولاني، اللواء احتياط أوري ساغي، الذي ساعد رئيس الحكومة ووزير الدفاع إيهود باراك في اتصالاته مع حافظ الأسد، من بينها الاتصال بشكل مباشر مع وزير الخارجية السوري حينها فاروق الشرع، إلى أن ارتعد باراك وتراجع عن الانسحاب.
ساغي وأشكنازي وكبار الضباط في الاحتياط والخدمة الدائمة، تطوّعوا لمساعدة باراك في تسويق الاتفاق لدى الجمهور الإسرائيلي اذا جرى التوقيع عليه، لكنهم بكوا في العام 2000 على تفويت الفرصة وشعروا بأن الانسحاب الأحادي الجانب سيؤثر سلبا على الحلبة الفلسطينية. وبرغم تحفظاته من انسحاب كهذا، أدار أشكنازي بنجاح معين عملية الـ"نفس طويل" بالانسحاب إلى الخط الأزرق.
وكما هو معلوم، فمنذ ذلك الوقت لم يغير أشكنازي موقفه، وكرئيس للأركان يستطيع استخدام كامل نفوذه في هذا الاتجاه، والتقليل أيضا من مخاطر اندلاع حرب على الجبهة الشمالية. ففي جميع ألعاب الحرب والمناورات ونماذج الجيش الإسرائيلي التي تفترض وقوع آلاف المصابين الإسرائيليين بمصادمات مع سوريا، يوصف هدف الحرب بالصيغة التالية: الوصول إلى مفاوضات مع دمشق "من موقع التفوّق". لكن ماذا يعني هذا التفوق بعد سقوط كل القتل والتدمير، في حين أنه من الممكن الوصول إلى نتيجة مشابهة أو أفضل من دون ضحية واحدة؟!
نعلم ماذا نفعل
في شباط/ فبراير من العام 2000 خلال لقاء له في قاعدة سلاح الجوّ مع مئات ضباط الجيش الإسرائيلي، تباهى باراك بأنه "كوننا نخرج (من لبنان) بخيارنا.. فإننا نمنع دينامية أن يظهر الانسحاب بأنه هزيمة".
أضاف باراك: هناك أولوية للانسحاب ضمن اتفاق، "لأن الوضع الأمني سيكون مختلفا على طول الحدود الدولية إذا توصلنا إلى اتفاق يكون فيه عنوان على الجانب الآخر.. إذا حصل اتفاق مع سوريا سينضم إليه الاتفاق مع لبنان، ليس لأننا نضع هذا الأمر كشرط، بل لأن دينامية المفاوضات ستنتج في الواقع هذا الاتفاق". وأضاف باراك: "إذا لم نصل إلى اتفاق فسنعرف ماذا نفعل من دونه".
بين عودة باراك إلى الحكومة كوزير للدفاع بعد ثلاثة أشهر ليكون المسؤول المباشر عن أشكنازي بعد الانتخابات الداخلية في حزب العمل، وبين أن يكون فقط خبيرا إضافيا، من المهم الاقتباس من كلامه حول مسودة الاتفاق مع سوريا، الذي ترك صداه في النقاش الحاد بين رئيس الحكومة ورئيس حزب كديما إيهود أولمرت ورئيس المعارضة وحزب الليكود بنيامين نتنياهو في لجنة الخارجية والأمن.
فقد قال باراك: "نحن موجودون داخل قوقعة من الليونة ليست واسعة جدا، ثُبتت عبر عقد كامل من المفاوضات. رابين أودع وديعة عند الأميركيين وليس عند السوريين تتحدث عن استعداداته إذا نُفذت طلباته. شمعون بيرس أجرى محادثات واقعية مع السوريين على أساس وديعة رابين، أي إذا نُفذت جميع الطلبات الموجودة، حينها سموا الحدود "حدود 67"، وهي محددة على أساس ما كان حاصلا في العام 67".
وتحدث عن وزير الخارجية السوري في حينه فاروق الشرع وقال له في مؤتمر شبردستاون بحضوره وحضور رئيس الولايات المتحدة آنذاك بيل كلينتون، إن بحوزته رسالة يظهر فيها أن نتنياهو مثل أسلافه الثلاثة، كان هو أيضا مستعداً للحوار على هذا الأساس. وقال باراك: "أنا بالطبع سألت الشرع أسئلة واضحة، لأن أي سؤال إضافي يمكن أن يفاقم وضعنا سوءاً.. لكن نظرت إلى كلينتون لأرى إذا كان متفاجئاً، أو أن الأمر يبدو كأنه يسمع كذباً مفبركاً، لكن لم يظهر شيء على وجهه".
أضاف باراك: "ينبغي علينا أن نكون واقعيين جدا، الأمر هنا لا يتعلق باتفاقات نقررها من دون أن نسأل أنفسنا، الأمر يتعلق بقرارات حاسمة جدا، التي حتى لو كان فيها فجوات صغيرة، فلا يعني ذلك أنه يمكن جسرها، لأن ما يبدو لهم أنه الحد الأقصى لا يبدو لنا الحد الأدنى".
غزة مقابل الجولان
الى هنا عيّن باراك في فترة بيل كلينتون، أشكنازي قائدا للمنطقة الشمالية مدة أربع سنوات. وبعد سنتين جلس الرئيس الجديد في البيت الأبيض، لكن الآن الحاكم هناك هو جورج بوش، وهو يعارض إجراء محادثات إسرائيلية مع سوريا التي تساعد على قتل الأميركيين في العراق، والمتهمة بقتل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، والمتعاونة مع إيران وتنقل السلاح لحزب الله، وهو سلاح يوجه ضد "إسرائيل" وفؤاد السنيورة. وحسب الظاهر ما دام بوش من يقرر، فلا جدوى بالتفكير بالحديث مع سوريا. إلا أنه يوجد دليل واحد قاطع يشير إلى أن الوضع معاكس، بوش سبق أن حث على القيام باتصالات بين "إسرائيل" والسوريين، وإذا تغيرت الظروف واستجاب بشار الأسد للمطالب الأميركية في مسألة اللاءات الإسرائيلية، فلا مانع من أن تعود سياسات بوش إلى المسار الذي هُجر قبل ثلاث سنوات. هذا الدليل موجود في كتاب أوري دان "في أسرار آرييل شارون".
ففي مقابلة خلال شهر أيلول من العام 2004 واردة في الكتاب، ادّعى شارون أنه بادر إلى طرح فكرة الانسحاب من غزّة على مسامع المبعوث أليوت أبراماس خلال لقائهما السرّي في روما في شهر تشرين الثاني من العام 2003، من أجل إحباط المفاوضات الإسرائيلية السورية، حيث قال شارون إن أبراماس "جاء من أجل مناقشة الوضع في الشرق الأوسط معي.. لقد تحدث عما يحاول فعله السوريون.. كأنهم مستعدون للدخول في مفاوضات مع "إسرائيل".. قلت للأميركيين: تعالوا قبل أي شيء نركز على موضوع واحد، هو الفلسطيني.. من غير الممكن أن نضع الآن على عاتق "إسرائيل" ثقلا إضافيا. وفي أعقاب هذا الحديث الإدارة الأميركية لم تكرر من حينها موضوع المفاوضات السورية حتى مرة واحدة".
معادلة "غزة مقابل الجولان"، إذا كانت كذلك، هي أن تأخذوا أنتم أيها الأميركيون غزة وأبعدونا عن موضوع الجولان.. المشكلة أنه يوجد للمعادلة طرفان، فإذا كانت الحلبة الفلسطينية عالقة فستظهر جهة ما في واشنطن أو دمشق، تعمل على إزالة الجليد من تحت الجولان بالدبلوماسية أو بالنار.
اختبار أشكنازي المهني سيكون بإعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة محتملة قبل استئناف المساومة. اختباره القومي سيكون بإحباط الحاجة إلى هذه المواجهة.. وإلى جانبه سيكون هناك اثنان من أصدقاء (قائد فرقة لبنان الذي قتله حزب الله في شباط 1999 إيرز غيرشتاين)، وريثه في قيادة لواء غولاني، قائد المنطقة الشمالية حاليا غادي آيزنكوت، الذي كان السكرتير العسكري لباراك في العام المصيري 2000، ومن سبق غيرشتاين في قيادة اللواء (غولاني)، نائب رئيس الأركان موشيه كبلينسكي.
(*)"هآرتس" ـ أمير أورن 16/2/2007
الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1204 ـ 2 آذار/مارس2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018