ارشيف من : 2005-2008
عدم شرعية حكومة السلطة وفق الدستور والمواثيق الدولية
في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".
وحيث أنه أُعتبرت تلك المقدمة من الوجهة القانونية جزءاً لا يتجزأ من الدستور اللبناني المعدل، أي انها تتمتع بالقيمة الدستورية الإلزامية، وحيث أنه يتضح من مضمون نصّ فقرتها المشار إليه أعلاه، بأنه قد جعل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق منظمة الأمم المتحدة جزءاً لا يتجزأ من مقدمة الدستور، فقد باتت تشكل تلك المواثيق الدولية التزامات دستورية تفرض على الدولة اللبنانية الموقعة عليها الالتزام.
وبالنظر إلى الواقع السياسي اللبناني، نجد أن حكومة السلطة الحالية في لبنان قد ارتكبت العديد من المخالفات الخطيرة لبعض تلك المواثيق الدولية، الأمر الذي يشكل خرقاً فاضحاً من جانب تلك السلطة للدستور اللبناني، وأبرز تلك المخالفات تتجسد بالآتي:
1 - تنص المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه:
"أ ـ لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
ب ـ لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده".
كما تنص المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه: "يكون لكل مواطن أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، وأن تتاح له، على قدم المساواة عموماً مع سواه فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده".
كذلك تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد وبحسب المادة الثانية منه بأن "تحترم الحقوق (المدنية والسياسية) المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في اقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً او غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.
كما تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق(المدنية والسياسية) المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية".
وبالنظر إلى تركيبة وتصرفات حكومة السلطة الحالية، نجد أنها بتركيبتها الحالية تفتقد إلى مستوى التمثيل السياسي والطائفي الحقيقي لمختلف شرائح ومكونات المجتمع اللبناني، فهنالك أحزاب وقوى سياسية لبنانية وطنية بامتياز وذات ثقلٍ اجتماعي كبير هي موجودة حالياً خارج تركيبة تلك الحكومة وأبرزها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، الأمر الذي أعاق وما زال يعيق عملية المشاركة السياسية الحقيقية لكل أبناء الوطن الواحد على اختلاف انتماءاتهم السياسية والإثنية في صنع القرارات الوطنية والسيادية التي تراعي المصالح اللبنانية العليا، وهذا ما نلحظه جيداً في تصرفات الحكومة الحالية الفاقدة لشرعية التمثيل الوطني، حيث باتت قراراتها مرتجلة ومائعة تفتقر الى أدنى درجات النضج السياسي والوعي بالمصالح الوطنية، وما قيام تلك السلطة مؤخراً باتباع الإجراءات اللادستورية والأحادية الجانب في صياغة وإقرار النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سوى دليل ساطع على صحة القول، حيث أنها لم تأخذ بعين الاعتبار الآراء والمقترحات الصادرة عن بعض الأحزاب والقوى السياسية المعارضة ذات التمثيل الشعبي الكبير على بنود النظام الخاص بتلك المحكمة، والتي تصب في خانة المصلحة الوطنية الجامعة، بل انها أخذت فقط المصالح الشخصية والفئوية الضيقة لبعض أقطاب وأركان السلطة الحاكمة، وذلك الى جانب المصالح الاستعمارية لبعض الدول الكبرى التي تريد القضاء على بعض الدول والقوى السياسية الموجودة في المنطقة، أي منطقة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، كعقابٍ لها على ممانعتها وتصديها للمشروع الامبريالي المتصهين المتمثل في الشرق الأوسط الجديد، وذلك عبر تسييس تلك المحكمة الدولية لتحاكم الوطني المظلوم بدلاً من المجرم الحقيقي الذي يدير معركة إحياء فتنة قميص عثمان من وراء الستار على أرض الفينيق وبلاد الرافدين.
2 - تنص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن "تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لانفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر".
وبالنظر الى الوضع الاقتصادي والمعيشي اللبناني اليوم، نجد أن الضرائب في ظل الحكومة الحالية قد ازدادت بنسبة 575% عما كانت عليه في السابق، حيث وصلت قيمتها الإجمالية الى حوالى 4600 مليون دولار، وذلك على حساب قطاعات الانتاج التي انخفضت في الآونة الأخيرة بشدة نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة التي ارتكبتها السلطة الحاكمة، الأمر الذي أدى الى زيادة نسبة البطالة والى انخفاض كل من معدل الدخل الفردي ومستوى المعيشة لدى المواطن اللبناني، والى ارتفاع معدل التضخم واجمالي الدين العام لدى الاقتصاد الوطني.
وأما ما يقال عن ايجابيات الورقة الاصلاحية التي قدمتها حكومة السلطة الى مؤتمر باريس - 3 وما أسفر عنه انعقاد ذلك المؤتمر من تقديم لقروض وهبات مالية ضخمة الى تلك الحكومة، فهو قول مردود، كون الورقة الإصلاحية قد تضمنت سياسات اقتصادية كارثية على الفئات الفقيرة من الشعب عبر فرض مزيد من الضرائب وزيادة الدين العام وزيادة أسعار المحروقات وتمرير التعاقد الوظيفي الذي سيؤدي الى صرف آلاف الموظفين من أعمالهم ووظائفهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السلفات والمعونات المالية التي قدمها مؤتمر باريس 3 ـ الى السلطة الحاكمة في لبنان لم تُعط على أساس مبدأ التعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر، بل أنها أُعطيت في إطار ما يُسمى بالصفقات المشبوهة التي عقدتها تلك السلطة الحاكمة مع بعض الدول الكبرى، والتي تهدف الى وضع لبنان تحت الوصاية الاستعمارية لتلك الدول، وذلك عبر تكبيل اقتصاده بأعباء مالية صعبة الالتزام وعبر نزع أوراق قوته وممانعته من يديه من خلال ضرب مقاومته أو على الأقل شل حركتها وفاعليتها، وما رأيناه مؤخراً من قيام بعض أجهزة السلطة الحاكمة بمصادرة شحنة الأسلحة التي تعود للمقاومة الاسلامية هو دليل ساطع على صحة ذلك القول.
3 - تنص الفقرة الثالثة من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد:
(أ) بأن تكفل توافر سبيل فعّال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد (الحقوق المدنية والسياسية)، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية.
(ب) بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو ان ثبت في الحقوق التي يدعي انتهاكها سلطة قضائية أو ادارية او تشريعية، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمي امكانيات التظلم القضائي.
(ج) بأن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصلحة المتظلمين".
وبالعودة الى الواقع السياسي اللبناني نجد أن السلطة الحاكمة فيه قد تجاوزت فيما يخص المجلس الدستوري أحكام المادة السالفة الذكر ونص المادة 19 من الدستور اللبناني المعدل، وذلك عندما عملت تلك السلطة على إنهاء ولاية هذا المجلس قبل سنة من انتهاء ولايته لمنعه من النظر بالطعون المقدمة اليه لأسباب سياسية بحتة.
**لكل ما سبق يظهر ان الدعم الاقليمي والدولي الذي تحظى به اليوم حكومة السلطة في لبنان هو دعم يفتقد للأساس القانوني (الدستوري والدولي) الشرعي، وبالتالي فهو دعم يقوم على أساس تحقيق المطامع الاستعمارية لبعض الدول الكبرى عبر تفتيت دول المنطقة العربية وتحويلها الى كانتونات طائفية يسهل على تلك الدول هضمها ووضعها تحت وصايتها، وهذا الأمر لا يمكن له أن يتم الا عبر اتباع "سياسة فرق تسد" بين التيارات السياسية المختلفة داخل البلد الواحد، من خلال محاولة اصطناع الأزمات الحكومية وخلق النزاعات المذهبية، أي الذهاب بعيداً في تطبيق استراتيجية الفوضى البنّاءة، وهذا هو بالضبط ما نشهده اليوم على الساحة السياسية اللبنانية، فإلى متى سوف تستمر ضمائر ساسة السلطة الحاكمة نائمة في سُبات عميق؟ ألم يحن الوقت لها بعد أن تستيقظ من ذلك السبات قبل فوات الأوان؟!
(*) كاتب لبناني
الانتقاد/ العدد1203 ـ 23 شباط/فبراير2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018