ارشيف من : 2005-2008

معالم وأسباب فشل الاستخبارات العسكرية في حرب لبنان من منظور اسرائيلي

معالم وأسباب فشل الاستخبارات العسكرية في حرب لبنان من منظور اسرائيلي

حول مجالات وأسباب الهزيمة التي مُني بها الجيش الإسرائيلي خلال عدوانه الواسع على لبنان في شهري تموز وآب الماضيين، ركز جلّها على ما له علاقة بالطرف الإسرائيلي من الصراع ـ وإن وجد في المقالة اشارات الى ما له علاقة بحزب الله، وهو ما تفرضه طبيعة الموضوع ـ لكن الحقيقة التي يلمسها كل موضوعي ان المستجد في هذه الحرب والذي ميزها، نتيجتها (انتصار الطرف العربي) عن سابقاتها من الحروب العربية الإسرائيلية، مرتبط بالطرف العربي المتمثل هذه المرة بحزب الله.‏

وإذا كان هناك مستجد يتعلق بالطرف الإسرائيلي، فهو الى جانب حقيقة وجود بعض العيوب، فهو المزيد من القوة العسكرية والمادية والاقتصادية، والمزيد من التطور التكنولوجي والمزيد من الدعم الدولي غير المسبوق، إضافة الى سابقة تتصل بأنظمة عربية..‏

ويمكن الجزم بأن صمود وبسالة وتفاني مجاهدي حزب الله، بعد التسديد الإلهي، كشف عيوب ونقاط ضعف الجيش والكيان الإسرائيلي، وهي نتيجة يتوصل اليها كل طرف فوجئ بهزيمته، كيف وإن كان متغطرسا ومتباهيا بقوته كالعدو الصهيوني.‏

ما هي الفجوة بين الواقع والمطلوب على مستوى الاستخبارات التكتيكية، كما ظهر في قتال القوات البرية في جنوب لبنان؟ وما هي نقاط ضعف الاستخبارات؟ وأي تفسير محتمل لها؟‏

أجبرت المواجهة الأخيرة في لبنان دولة "إسرائيل" مرة أخرى بعد سنوات طويلة، على القتال في جبهتين: الجنوبية في مقابل حماس، والشمالية في مقابل حزب الله.‏

في الحالتين كانت دولة "إسرائيل" هي التي قررت التصعيد رداً على نشاط هجومي قام به أحد الأطراف ضد قوات الجيش الإسرائيلي او ضد مدنيين إسرائيليين، وفي الحالتين أيضا أُسند الخروج للمعركة على فرضية ان الجيش الإسرائيلي قادر على إنهاء المهمة ـ الحسم ـ بانتصار.‏

لقد سبق أن ناقش صناع القرار في "إسرائيل" إمكانية أن يبادر حزب الله إلى عمل ـ عملية اسر ـ على الحدود الشمالية، وكان التقدير انه إذا حدث هذا الامر فستكون مجرد حادثة مضبوطة ومسيطرا عليها. وعندما بدأت المعركة في مواجهة حزب الله في أعقاب خطف الجنديين، بدا كأن الجيش يُظهر مرة أخرى، سيطرة وتفوقا نسبيا يتمتع بهما ـ عادة ـ الجيش النظامي في مواجهة حرب العصابات، حيث دُمرت البنى التحتية ومخازن الوسائل القتالية لحزب الله.‏

لكن مع توالي الأيام وتطور المعارك، ازدادت الحاجة إلى المزيد من القوات العسكرية، وكلما تطورت المعركة برزت فجوات بين التوقعات والقدرات، وانكشفت نقاط ضعف فرضت صعوبات أمام الجيش لتحقيق النصر الكامل وإلحاق الهزيمة على مستوى وعي حزب الله ـ أي حفر الهزيمة في وعي مقاتلي وقادة حزب الله، او وفقا للتعبير المتداول كي الوعي ـ كما تحقق في الساحة الجنوبية (في مواجهة حماس في قطاع غزة).‏

بالنسبة الى أسباب هذه الفجوات ونقاط الضعف فهي كثيرة، بدءاً من قدرات الجيش الإسرائيلي وانتهاءً بقدرات الخصم.‏

يركز هذا المقال على فهم الفجوة بين المطلوب والواقع على مستوى الاستخبارات التكتيكية كما ظهرت في المسار القتالي للقوات البرية، ويعرض ضعف الاستخبارات كما انكشفت في القطاع الشمالي ـ الحدود الشمالية ـ في مجالين من أصل ثلاثة تطرقت اليها المقالة: مجال جمع المعلومات ومجال الدراسة، (من دون التطرق إلى فشل إيصال المعلومات من القيادة العليا الى الميدان).‏

على ان تُختتم المقالة بتفسير محتمل لنقاط الضعف هذه.‏

ـ العقبات أمام الاستخبارات لجمع المعلومات عن حزب الله:‏

لم تترجم القدرات التي أظهرها جهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي في جمع المعلومات في مواجهة "الإرهاب" الفلسطيني على الحدود الشمالية في مواجهة حزب الله،‏

سواء بسبب تبني أجهزة الاستخبارات أولوية جمع المعلومات على الجبهة الجنوبية في مواجهة المقاومة الفلسطينية ـ بسبب أولوية مواجهة الخطر الداخلي خلال فترة انتفاضة الأقصى منذ العام 2000 ـ وتقدمها على أولوية جمع المعلومات في مواجهة حزب الله، أو بسبب تقلص الموارد من أجل الجمع في لبنان، أو لوجود صعوبات بنيوية في تسلل عملاء إلى داخل منظمة حزب الله.. هذه العوامل مجتمعة قلَّصت بشكل نوعي قدرات أجهزة الاستخبارات على جمع المعلومات عن حزب الله وعن نشاطات وانتشار قواته. كما منع فقدان مصادر استخبارية بشرية داخل حزب الله تأمين المعلومات في لحظة الحقيقة، وتقديم ناتج ملائم على المستوى التكتيكي. وهكذا على سبيل المثال بقيت منصات الصواريخ قصيرة المدى ناشطة دون ان يتمكن الجيش من تدميرها بشكل جوهري.‏

وجرى لمس هذا النقص في العمليات الاحباطية ـ أي إحباط العمليات قبل حصولها ـ وهو ما يتعارض مع أداء الشاباك في الضفة الغربية وغزة. ففي حين تحوَّل استخدام مصادر بشرية في غزة تقريبا إلى حاجة ضرورية للربط بين الطائرة والهدف، بدا أنه في لبنان لم تتوافر فرصة لإيجاد ربط كهذا. من المهم ان نشير الى أن هذا الكلام لا يهدف إلى تقليل الصعوبات الحقيقية الماثلة أمام الذين يشغلون عملاء عن بعد، وبشكل خاص على خلفية الشكوك الطبيعية خلال فترة الحرب، وسبق لـ"إسرائيل" ان أثبتت في الماضي قدراتها الإبداعية لتذليل عقبات من هذا النوع.. وبالتالي من الملائم أن تدرس وسائل جمع إضافية خلال فترة الحرب، وهي السيطرة على وسائل اتصال العدو.‏

وبرغم النشاط الضخم الذي قامت به "إسرائيل" خلال فترة الحرب، فإن حرص حزب الله العالي على مستوى الأمن الميداني والتشفير خشية التنصت الإسرائيلي أوجد صعوبات أمام الاستخبارات في عملية جمع المعلومات.‏

ـ العقبات في مجال دراسة المعلومات‏

من بين المهمات التي تقوم بها وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية في القيادة الشمالية، هو تنسيق وتحليل وتقدير قدرات حزب الله. ويستهدف التقدير أولا وقبل أي شيء آخر، تأمين المعلومات للمستوى السياسي الداعم لقراره. ولا يقل أهمية عن ذلك دور الاستخبارات في تزويد القوى المقاتلة بمعلومات دقيقة عن العدو الذي يواجهونه. لكن يبدو أن شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" واستخبارات القيادة الشمالية ضلَّت في تقديرها في ما يتعلق بقدرات حزب الله.‏

وفشلت الاستخبارات في متابعة الوسائل القتالية التي تدفقت من إيران وسوريا إلى حزب الله قبل الحرب، وبقيت هناك ثقوب سوداء إزاء نوع وماهية الوسائل التي كانت بحوزة حزب الله. ومن بين الأسباب التي تفسر هذه الحقيقة: وسائل النقل المعتمدة والإمدادات، البعد الجغرافي، حرص حزب الله وإيران على اتباع قواعد الأمن الميداني، وهو ما جعل المعلومات التي جُمعت ذات قيمة محدودة فقط.‏

وفي ما يتعلق بانتشار قوات وقيادة حزب الله، كانت الصورة لدى الجيش غير واضحة.‏

فجوة أخرى كانت لدى الاستخبارات ظاهرة للعيان، تتمثل بعدم الاحاطة بالسلسلة القيادية لحزب الله، حيث حافظ حزب الله على الضبابية على مستوى قياداته وصلاحياتها وانتشارها الجغرافي.. ويلاحظ ـ كجزء من النقص الذي أصيبت به أجهزة الاستخبارات ـ أن الكادر الوسطي لحزب الله لم يكن مشمولا في قائمة شعبة الاستخبارات لتصفيته.‏

أما في ما يتعلق بأساليب القتال والدفاع، فقد اعتاد الجيش على القيام بتدريبات قتالية مرتكزة على معرفة مسبقة بالعدو، وإيجاد نماذج مشابهة للعدو وإجراء مناورات وتدريبات عليها، لكنه وجد نفسه يقاتل في لبنان في "بيئة عمل" غير معروفة. وشكلت "المحميات الطبيعية" المموهة (منظومات الأنفاق والتحصينات التي أقامها حزب الله تحت الأرض) تحديا صعبا أمام الجيش خلال الحرب.‏

ومن أجل المقارنة بالساحة الفلسطينية فقد توافرت لدى الجيش معلومات دقيقة عن أساليب القتال والدفاع للعدو، وتدربت الوحدات المقاتلة وأجرت مناورات على أساليب قتالية مشابهة.‏

خلاصة موجزة:‏

يلاحظ ان "إسرائيل" من جهة نجحت في فهم الصورة الاستراتيجية الواسعة قبل فوات الأوان، ونُقلت إلى صناع القرار السياسي (لأن أمان كشفت ان ايران وسوريا بدأتا بإرسال شحنات الأسلحة إلى حزب الله بعد انسحاب عام 2000 بكميات كبيرة)، لكن من جهة أخرى برزت خلال الحرب فجوات بين ما كان معروفا وحقيقة الواقع، والسبب يعود إلى (فشل) الاستخبارات التكتيكية، ما أثر في أداء الجيش، وربما أيضا في قرارات المستوى السياسي.‏

الانتقاد/ العدد1202 ـ 16 شباط/فبراير2007‏

2007-02-16