ارشيف من : 2005-2008
حرب تموز إسرائيلياً: إخفاق كامل
بدءاً من محدودية القوة مهما بلغت وسوء استخدامها، والنجاحات التي حققها حزب الله على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.
وفيما يلي أبرز النقاط التي تناولها التقرير.
في المقالة الأولى من التقرير كتب الصحفي والمحلل في القناة العاشرة عوفر شيلح:
" كانت القوة العسكرية الفائقة لإسرائيل الأساس في إعلان حزب الله وللشعور السائد في العالم العربي، بل وفي إسرائيل نفسها، عن تحقيقه الانتصار، انطلاقاً من حقيقة أنه بقي واقفاً على قدميه لمدة 33 يوماً، بل وأطلق في اليوم الأخير أكثر من 200 صاروخ كاتيوشا.
كذلك وضع إسرائيل لم يتحسّن. فالتهديد على الشمال ما زال قائماً، والصواريخ ما زالت موجودة، والحرب المنقضية أثبتت أنه يمكنه مواصلة إطلاقها وشل كل الشمال لمدة طويلة، وفي الحقيقة إجبار إسرائيل على أن "يرفّ" جفنها أولاً. ومن جهةٍ ثانية حصلت الجهات الأخرى في المنطقة على نموذج أمثل على كيفية التعامل مع تفوّق إسرائيل (العسكري) ومع الفجوات الموجودة في منظومة اتخاذ القرارات في الجيش الإسرائيلي، بل وحتى مع نفس قدراته".
وأضاف: "فقدت القوة الفائقة للجيش الإسرائيلي أهميتها كونه استخدمها ضد عدو لم يكن له أصلاً قدرة على التأثير عليه. فقد أطلق الجيش 130.000 قذيفة، ونفّذ 10.000 غارة، وفي بعضها تم استخدام ذخائر حيوية إلى حد أن مخازنها وصلت إلى الخط الأحمر، وكان هناك حاجة لإعادة ملئها فوراً من إسرائيل ومن الخارج. أيضاً الاجتياح البري لم يكن له أثر على سير المعركة، والجيش كان يعرف ذلك مسبقاً. حتى سقوط القتلى في صفوف عناصر حزب الله لم يؤثر على إطلاق الصواريخ، ووصلت إسرائيل إلى نهاية المعركة وهي مستنزَفة، كما لم تتأثر قرارات قيادة حزب الله".
ونقل شيلح عن أحد الأشخاص الذي يعرف أولمرت جيداً قوله: "من بين 21 يوما من هذه المعركة، 20 يوماً كانت عبثية تماماً"، وهو لم يكن يعرف أن إسرائيل ينتظرها 10 أيام أخرى من الثكل والفشل. ويضيف شيلح: "وزراء وضباط ومحللون – وفي الحقيقة أي إنسان عدا عن أولمرت وبيرتس وحالوتس – متفقون في الرأي على أن إسرائيل حققت بعد 14 تموز الشيء القليل جداً وبثمن لا يبرّر ما تم تحقيقه. وما يتحدث عنه أولمرت من إنجازات إنما هي في الأيام الأولى من المعركة، وقبل وقوع الأضرار التي من بينها الأزمة الداخلية العميقة في الجيش، والتي يمكن أن تتبدى عوارضها لمدة طويلة. إن إطالة أمد المعركة، التي لم يخطط لها أحد، حتى ان من أمر بها لم يؤمن بنجاعتها، إنما نبع من الذهنية التي تقول ان المزيد من الوقت والمزيد من القوة يحققان المزيد من الإنجازات. لكن هذا كلّفنا حياة أكثر من 100 جندي ومدني".
وختم شيلح وقال: "المسؤولون عن ذلك يدفعون وسيدفعون الثمن. لكن الأهم من ذلك هو استخلاص العبر الحقيقية".
المقالة الثانية من التقرير كتبها رون تيره، الذي كان في السابق مسؤول قسم في استخبارات سلاح الجو. وتناول الكاتب فيها الاستخدام المفرط للقوة من جانب الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى محاولة الأخير تطبيق أفكار عملية غزو العراق "الصدمة والرعب"، مشبهاً ذلك بمحاولة كسر العظام لكائن حي لا يُرى بالعين المجردة. وقال فيها:
"صحيح أن لائحة الإخفاقات التي تكشّفت في حرب لبنان الثانية طويلة، لكن جذر الفشل فيها يكمن في ضمور وانحلال الرؤية الإسرائيلية في بناء القوة واستخدامها. الخطأ الأول يكمن في الاعتقاد الذي ساد في العقد الأخير، والذي يقول بأن احتمالية نشوب حرب مع الدائرة الأولى (دول الطوق) منخفضة، وأساس التهديد ينبع من دول مثل إيران، ومن الفلسطينيين. لذلك تم توجيه الموارد والتدريبات ونظرية استخدام القوة نحوهما. الخطأ الثاني يكمن في اعتبار أنه حتى لو نشبت حرب في الدائرة الأولى فإن إسرائيل ستكون معنيّة بمنع حدوث تغيير وليس إحداثه، وعليه يكفي كبح العدو من خلال توجيه نيران دقيقة له على حدودنا. وعليه قلّت أهمية الميدان والمناورة البرية في عمق أراضي انتشار العدو. الخطأ الثالث يكمن في التبنّي المتحمّس أكثر من اللازم للنظرية الأميركية المسماة Effects Based Operations، أي عمليات مُوجَّهة للتأثير على العدو بهدف شلّ قدرته على العمل بدل تدمير قواته، وهو ما تجلّى في عملية غزو العراق. بناءً على ما تقدّم خرجت إسرائيل إلى حرب لبنان الثانية، وكان هناك مَن ضلّ في أوهام إمكانية شن حرب ضمن أقل قدر من الاحتكاك (مع العدو) وبثمن منخفض.
الجيش في هذه المعركة كان يفكّر بطريقة أهداف ونيران، ولم يُفعّل القوات البرية بشكلٍ ديناميكي يوفّر له انتصارات كالتي حققها في الماضي. لقد قدّمت إسرائيل خدمة لحزب الله كونها أدارت معركة لاءمت خططه وجهات تفوقه، بحيث أنه منذ البداية تقريباً لم يكن لديها إمكانية للانتصار فيها. إن النتيجة المباشرة للضمور في بناء قوة الجيش الإسرائيلي وفي نظرية استخدامها وتبنّي المبادئ البنيوية النابعة من ذلك، كانت عدم النجاح في ضرب العدو أو الضغط عليه أو حتى التشويش بصورة جوهرية على عمليات حزب الله في المستويات الأساسية. منظومة نيران حزب الله أمطرت إسرائيل قرابة نهاية الحرب بأكثر من 200 صاروخ في اليوم، بعدما كانت تطلق في بداية الحرب قرابة المئة صاروخ يومياً. والقوات المقاتلة لحزب الله واصلت القتال وإيقاع الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، وفي غالبية المعارك التي خاضتها لم تنهار أو تهرب. كما واصلت منظومة القيادة والسيطرة لحزب الله العمل طوال أيام الحرب، والروح القتالية بقيت كما هي صلبة، ولا توجد إشارات على تضرر إرادته السياسية بشكلٍ لا يمكن جبره.
لقد صاغ حزب الله معركة لم يبقِ فيها أمام إسرائيل سوى اختيار أي مقتل تكشفه: الامتناع عن عملية برية، وكشف حساسيتها تجاه استهداف الداخل، أم الدخول إلى لبنان وكشف حساسيتها تجاه خسارة جنود. صحيح أن حزب الله فضّل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار، لكن ذلك يأتي كعادته ضمن رغبة في "الحفاظ على مكاسبه"، وليس بسبب ضائقة أو أنه كان على حافة الانهيار. وبالفعل، فإنه في نظر حزب الله وجهات أخرى في المنطقة تابعت الحرب: حزب الله انتصر في المعركة. حقيقة أن بضع مئات من مقاتلي حزب الله وقفوا في ميدان المعركة بوجه 4 فرق، وأنهوا المعركة "منتصبين" ومحققين إصابات مؤلمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، يمكن أن تتسبب في تطور نتائج غير مباشرة للحرب ومثيرة للقلق. فالجهات التي تابعت الحرب يمكن ان تستخلص ـ محقة كانت أم مخطئة ـ أن الجيش الإسرائيلي اليوم ليس كما كان بالأمس، وأن الجندي الإسرائيلي (والغربي عموماً) ضعيف ويجد صعوبات في مواجهة عقبات المعركة".
وخلص الكاتب إلى القول: "الأخبار السيئة من حرب لبنان هي أننا فشلنا. أما الأخبار الجيدة فهي أن قواتنا في النظامي وفي الاحتياط جيدة وشجاعة، لكنها بُنيت واستُخدمت بطريقة غير صحيحة".
المقالة الرابعة بعنوان "الحل ليس في السماء" بقلم الباحث نوعام أوفير تناول فيها طريقة تعامل سلاح الجو مع منظومة صواريخ حزب الله البعيدة والقصيرة المدى، مدعياً تحقيق نجاحات في هذا المجال. إلا أنه برغم ذلك يعترف ويقول:
"خيّبت إنجازات سلاح الجو ضد الصواريخ القصيرة المدى الكثيرين. فعلى الرغم من تحقيق سلاح الجو لإنجازات إلا أنها كانت محدودة جداً، ولم تؤدِّ إلى تغيير في قدرة حزب الله على مواصلة وإطلاق عدد كبير من الصواريخ يومياً. لقد استنفد سلاح الجو في لبنان غالبية قدراته الحالية للتعامل مع أهداف من هذا النوع. وإذا كان هناك من كان يعتقد قبل الحرب أن القوة الجوية يمكنها أن تنجح وحدها في إزالة تهديد الصواريخ عن إسرائيل فقد ضل ضلالاً بعيداً. إن العِبر المستخلَصة من الحرب تُظهر أنه أيضاً في المستقبل المنظور لا مكان لفرضية كهذه أو تأميل ذلك. فمن الصعب ورود خاطر بأن يتم إيجاد وسيلة تقنية تحسّن بشكلٍ جوهري وجدّي قدرة التعامل مع الصواريخ القصيرة المدى. إن الجواب على تهديد الصواريخ لن يوجد في الجو، بل على الأرض. وكون إسرائيل اليوم ما زالت تحت تهديد واسع من الصواريخ القصيرة المدى سواء من لبنان أو من قطاع غزة ـ وربما من الضفة الغربية ـ فإن ذلك يتطلب توفير رد على هذا التهديد. صحيح أن سلاح الجو لديه مكان في مواجهتها، لكن لا يمكنه ولا يجب ان يكون لاعباً وحيداً بل ولا حتى أساسياً".
وختم الكاتب مقالته بتوجيه نصيحة لرجال السياسة والجيش وقال: "على الرغم من الرغبة في عدم تفعيل قوات برية بسبب الخسائر المترتبة على ذلك، فمن الأجدى بكل رجل سياسة أو جيش أن يتذكر أنه ما دام تهديد الصواريخ موجوداً ـ وحرب لبنان أثبتت ذلك لأكثر المشككين ـ فإنه لا مناص من ذلك. الحل ليس في السماء".
إعداد : جهاد حيدر
الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1188 ـ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018